تكريس سياسة "الشعوبية" وفق شعار "الثقافة متوكلش الخبز" ظلّت "الثقافة" منذ استقلال الجزائر، في آخر اهتمامات الرؤساء والحكومات، فحتى فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لثلاث عهدات، لم تحقق برأي العديد من المنشغلين في الحقل الفكري والأدبي الجزائري شيئا، بل كرّست سياسة "تبديد المال العام" على مشاريع ثقافية "وهمية". وبالمقابل يبقى لسان حال الحملة الانتخابية الرئاسية التي تدخل يومها الحادي عشر يردد حقيقة "الثقافة آخر انشغالنا" دون توقيع حضور يعكس اهتمام المرشحين الستة بالملفات الثقافية الثقيلة. “نريد أن تكون الجزائر دولة نووية” قالها المرشح عبد العزيز بلعيد، وهو يستعرض برنامجه الانتخابي، بينما قال المرشح موسى تواتي أن حملته الانتخابية تعتمد على “التركيز على أهم المجالات التي تهم المواطن” متجاهلا الحديث عن المجال الثقافي والأدبي والفكري في تقويم “المواطن”، وقد توجهت المرشحة لويزة حنون للحديث عن مشروع تأسيس الجمهورية الثانية واختارت شعار “الجرأة من أجل تأسيس جمهورية ثانية”، وهي الجرأة التي لا تجد لويزة حنونا بدا لها من الاهتمام بالشؤون الثقافية للبلاد. يبدو أن مرشحي الانتخابات الرئاسية الجزائرية، تناسوا دور المثقف الفرنسي التي قادها جون بول سارتر في فرنسا عام 1986، إلى حد أن جعلت من الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول يستسلم للمثقف قائلا: “سارتر هو فرنسا، وفرنسا هي سارتر” كلمة قوية قالها ديغول في حق المثقف، تعبيرا عن دور الثقافة والمثقفين الرائد. إلا أن تعامل البرامج السياسية في الجزائر مع المثقف جاء وفق المفهوم الذي طرحه إدوارد سعيد في كتابه “المثقف والسلطة” الذي قال أن الأنظمة العربية تدفع نحو تهميش المثقّف وتجعل دوره هامشيّا، وتضعه سواء في ناصية “نعم” أو ناصية “لا”، فحديث برامج مرشحي الرئاسة في الجزائر يدفع المثقفين نحو البحث عن مزايا “التكريمات”، كما يقول إدوارد سعيد في كتابه، مشيرا إلى أن وظيفة المثقف في المجتمع لا يقوم بها كلّ النّاس، وهو ما يفسر إجابة الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان عندما سئل يوما ما: “هل توجد في فرنسا سلطة تخشاها هي فوق سلطتك؟ ليجيب: “إنهم كبار المثقفين”، وهي لغة لا نشهدها في جميع خطابات مرشحي الرئاسة في الجزائر”. فلم يكلف أي مرشح نفسه للقاء النخبة المثقفة ومحاورتها، فيما بدا أن الكتّاب الجزائريين والأدباء في اتجاه واحد نحو “العزوف” تجاه المشهد الانتخابي وكأن الأمر لا يعنيهم، بينما ظلت برامج مرشحي الرئاسة تتجاهلهم، فحتى المرشح السابق للرئاسة الكاتب محمد مولسهول “ياسمينة خضرا” الذي فشل في الدخول رسميا في المعركة الانتخابية، قرر فيما بعد “الاعتكاف” وتجاهل التعليق للصحافة الجزائرية على المشهد الانتخابي المتخم هذه الأيام بصراعات التخوين والتشكيك والطعن حتى في “أخلاقيات” بعضهم البعض، كما قال. فلسان حال كل المرشحين ينطق صراحة اليوم بما قاله عبد المالك سلال مدير حملة المرشح عبد العزيز بوتفليقة عندما خاطب المثقف بلغة “أن الأدب ما يوكّلش الخبز”. موجها كلامه للشعراء. ودعا الشباب إلى هجرة “الفروع الأدبية”، حدث هذا بينما لا تزال الساحة الفنية والثقافية تشهد فوضى، بعد أن حادت كلمة فنان عن مفهومها وحام البعض منهم حول “الخبزة”، وسجلوا مواقف تأييد للعهدة الرابعة، وهو ما يعكس غياب المثقّف التّنويري في الجزائر، الذي تحدّث عنه المفكر روجيه دوبريه يوما بما وصفه “الذي لا يخون نصّه الإبداعي”. فحتى صفحات المرشحين على مواقع التواصل الاجتماعي لا نجد فيها إلا صورا للمرشحين يتباهون بزيارة الأحياء الشعبية والتقاء العمال والبطالين، بينما لا نجدهم يحاورون المثقف أو يوقّعون زيارة إلى مقر اتحاد الكتاب، الذي انعكست عليه الأزمة السياسية وجعلته يتخبط في صراعات كبيرة، فلم تسجل الجزائر كثيرا من الوقفات الحقيقية والنقاشات الجادة بين النظام والمثقفين لإحداث تغيير، إلا من قليل المواقف التي وردت ربما في عهد الرئيس الراحل علي كافي، الذي قام بحوار مع مثقفي المشرق والتقى بهم لتفسير ظاهرة الاغتراب الثقافي الفكري الجزائري.