تباينت آراء عدد من المثقفين الجزائريين، من أجيال مختلفة بخصوص ما ينتظرونه من العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فبين متشائم لا ينتظر أي شيء، ومن يدعو إلى ضرورة الاتفاق بين المثقف والسلطة، ضمن دعوة ”تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة”، يعتقد آخرون أنه حان الوقت لتفعيل دور المثقف النقدي وخلق فضاءات ثقافية مستقلة فعلا، تضمن حركية فكرية، دون أن تكون لها توجهات سياسية أو حزبية، بقدر ما تسعى لتحويل الفعل الثقافي إلى فعل يومي، في إطار ما أسماه البعض ”إعادة الاعتبار للمكوّن الثقافي والجمالي والمعرفي في حياة المواطن”.
الحبيب السايح ”نعيش حالة من السوريالية” قال الروائي الحبيب السايح، إنه لا ينتظر شيئا من العهدة الرابعة. وذلك ليس إحباطا منه ولا يأسا. إنما هو أوقف عدّاد إحساسه بالزمن، ليتأمل فيما وصفه بالسريالية التي فاقت السرياليات جميعا. وأضاف: ”للحقيقة، فإن سرياليتنا نحن الجزائريون أضخم من أن يستوعبها الخيال، وأقوى من أن تحيط بها الكلمات. أنا عاجز. أنا في حال ذهول أمام مشهد سياسي لا نظير له في ما عرفته البشرية من سياسات. إنها العبثية الجديدة في أقصى صورها وأقساها. إنها حال تدمّر الانتظار نفسه وتهجّر الصبر خارج الذات. لا شيء أنتظره. بعد الخيبة الساحقة، هل سيكون بقي في الروح ما يسعف على التأمل، التأمل فقط؟”. وختم صاحب رواية ”تلك المحبة” قوله: ”أحس أنني صرت بلا كلمات، كأني لم أعرف اللغة أبدا. لا أعتقد أن في العالم كاتبا أو مثقفا يخجل من لغته كما يخجل بها نظيره، الآن، في الجزائر. فلا شيء يبدو لم يفسد ولم يتدنس، حتى اللغة”. ح.ع
لونيس بن علي أيّ حديث عن دور للمثقف في المستقبل هو يوتوبيا يعتقد لونيس بن علي، أن الجزائر تعاني من أزمة مثقف، ولذا فإنّه من الصعب أن نأمل الكثير من الطبقة المثقفة لتلعب دورا حاسما في المستقبل طالما أنّها النخبة ذاتها التي ظلّت في دائرة الصمت منذ أكثر من عشرية. وقال لونيس بن علي، في تصريح ل”الخبر”: ”لم نلاحظ نقاشا حيويا حول السياسة، ولا قراءات تنفذ في البنيات الخفية للخطاب السياسي للسلطة أو حتى للمعارضة، لأنّ هذا هو دور المثقف في نظري، أن يحلل لا أن ينتج خطابا سياسيا، أن ينخرط في السياسة لا كفاعل سياسي لأنه هنا سيتخلص من هويته الثقافية، بل أقصد أن ينخرط من خلال التفكير والنقاش وممارسة النقد المعرفي للخطابات السائدة”. من هذه الزاوية، لم تتحرر النخبة المثقفة، حسب بن علي، من عصابها المزمن وهو فهمها المنحرف للسياسة. وقال: ”أن تنخرط في السياسة لا يعني أن تؤسس حزبا سياسيا، وترتدي قناع رجل السياسة، بل أن تفكر من داخل الخطاب السياسي لأجل تفكيك قواعده الخطابية والرمزية والمعرفية، هنا يمكن أن نكتشف الهشاشة كما يمكن أن نكتشف النضج. وفي المقابل، نطالب الطبقة السياسية أن تثقف خطابها وتطعّمه بالمعرفة وبالفكر وبوضوح التصور بدل اجترار شعارات جوفاء كتلك التي نسمعها بسأم يوميا”. وأضاف أن الدور الذي من المفروض أن يلعبه المثقف، ليس أن يقول الحقيقة في وجه السلطة كما قال إدوارد سعيد، ولا أن يدخل في عراك مباشر بالأيادي، لكن أن يبدأ أوّلا من القاعدة ويتدرج منهجيا نحو القمة، بمعنى أن يبدأ في محاربة الجهل في أوساط الجماهير وانتشالها من عمائها التاريخي والاجتماعي والأخلاقي، وإعادة الاعتبار للمكوّن الثقافي والجمالي والمعرفي في حياة المواطن. الجزائر: ح.ع
سعيد بوطاجين ”لست مطمئنا” لا يبدو الكاتب والمترجم سعيد بوطاجين، مطمئنا على مستقبل الثقافة في الجزائر في ظل ”العهدة الرابعة”، بالنظر إلى مستوى الخطاب الذي تم تسويقه خلال الحملة الانتخابية، الذي جعل معرفة آفاق البلد ”أمراً صعب”. وقال بوطاجين: ”لا أعتقد أنه يوجد تغيير حقيقي في الجزائر يكون مؤسسا على معطيات مشتركة وعالمية، وذلك بالنظر إلى خطاب الحملة الانتخابية الذي لم يأخذ في الحسبان الثقافة والكتابة والجامعة والعقل التي تعدّ أساس الانطلاقة الفعلية لأي مجتمع”. وأوضح بوطاجين، أن وزارة الثقافة كما بقية الوزارات مطالبة بالاستثمار في الذكاء في المجتمع الجزائري الذي يتعذر من دونه تغيير حقيقي في سلوك البلاد، سواء في الاقتصاد أو السياسة. مشيرا إلى أن ”الذكاء” يعني بالضرورة الحفاظ على العبقرية الجزائرية من خلال العمل بجدية على التنسيق مع الكفاءات التي اضطرت إلى الهجرة. الجزائر: م.ع
فارس كبيش ”ننتظر الخروج من عقلية الثقافة الفولكلورية” تساءل الكاتب الشاب فارس كبيش عن جدوى تنظيم تظاهرات ثقافية كبرى لا تقدّم شيئا للمجتمع والمثقف الجزائري. وقال كبيش في معرض حديثه عن ماذا ينتظره المثقفون من ”العهدة الرابعة”: ”حقيقة لم أتوقّع أن تكون هناك عهدة رابعة، لذا لا أنتظر منها شيئا مهمّا على المستوى الثقافي” وأضاف: ”هناك تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015 ولا أتوقّع لها النجاح”. وشدد كبيش، على ضرورة الخروج من عقلية ”النشاطات الفلكلورية، والملتقيات ذات الشعارات الكبيرة، والتي تقوم بتكريس نفس الأسماء”. مشيرا إلى أن هناك شعار الحملة الانتخابية الذي ركز على”الاستمرارية والاستقرار” يحمل أيضا ”دلالات قطعية على توجّه النظام للحفاظ على نفس الوجوه الفاعلة في المشهد الثقافي”. الجزائر: م.ع
خالد ساحلي ”الثقافة آخر شيء يفكرون فيه” أوضح خالد ساحلي، أن المثقف الحقيقي متفائل على الدوام رغم الهزائم والنكبات والنكسات بما يملك من وعي ومسؤولية ومواقف، لأنه يصنع الطمأنينة في قلبه قبل زرعها في قلوب وعقول الآخرين، ولذا فهو يمضي قدما نحو هدفه دون انتظار ما تقدمه السياسة للثقافة بقدر ما يطمح أن يصبغ على السياسة ما يملكه من فكر وثقافة وتنوير. وقال ساحلي: ”تعريف الثقافة في الأساس هي طريق ونهج للاختلاف، وأراني أسير في هذا النهج لأنه لا جديد حدث من قبل استثنائي رغم الأموال الكثيرة التي صرفت وربما قد يحدث شيء في المستقبل، أنا أترقب راميا الجملة في مربع شطرنج: الثقافة آخر شيء يفكر فيه رغم كونها ركيزة هوية المجتمع”. الجزائر: ح.ع
محمد الزاوي السلطة تواصل تهميش المثقف شن المخرج محمد الزاوي ”هجوما” حادا على واقع السياسة الثقافية المنتهجة في الجزائر، مشيرا إلى أنه ”شخصيا لا ينتظر شيئا من العهدة الرابعة” التي تأتي بعد 15 عاما من”تغييب دور المجتمع والمثقف في الجزائر”. وقال الزاوي إن سياسة النظام الحالي تواصل مسيرة تهميش مثقف الداخل والخارج على حد السواء، وتتجاهل آرائهم وأفكارهم، في المقابل شجعت على سياسة ”شراء الذمم” التي انتهجها النظام الحاكم في الجزائر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وهنا تزداد نبرة ”التشاؤم” لدى محمد الزاوي تجاه ”العهدة الربعة”التي تأتي حسبه بعد عملية واسعة” لشراء سكوت المؤسسات الثقافية في الجزائر بوضع ”أصدقاء النظام” على رأس مديريات الثقافة عبر الوطن. الجزائر: م.ع
الصديق حاج أحمد (الزيواني) أنتظر أن يقع الاتفاق بين السلطة والمثقف أوضح الدكتور الصديق حاج أحمد، أنه من المصطلحات التي يتعدد توظيفها وفهمها، ضمن السياقات الابستمولوجية المعرفية والاجتماعية التاريخية، هو مصطلح المثقف. وقال: ”بيد أن المثقف الذي نرومه بالقصدية في هذا الاستشراف، هو المثقف الواعي، الذي يشكل الإسمنت العضوي، الذي يربط البنى الاجتماعية بالفوقية، حسب تنظير أنطونيو غرامشي، الموصوف برؤية معينة أو موقف محدد من أحداث المحيط الذي يعيش فيه، فارتباط المثقف بالوعي، ظل هو الهاجس المخيف للسلطة. ومن زاوية ما ينتظره المثقف من العهدة الرابعة، يرتبط بمسألتين حسب اعتقاد صاحب رواية ”مملكة الزيوان”، وقال: ”الأولى تتعلق بمدى احتفاء البرنامج الانتخابي للرئيس المنتخب بالثقافة واهتمامات المثقفين، وقد لاحظنا تذمرا كبيرا في أوساط المثقفين إبان الحملة الانتخابية، مرد هذا التذمّر خواء البرامج الانتخابية للمترشحين من اهتمامات وتطلعات النخب المثقفة في المجتمع، والمسألة الثانية تتعلق بمدى قلّة ثقة المثقف في السلطة”. وأضاف: ”كما أن استشراف أفق انتظار المثقف من العهدة الرابعة، يمكن رصده بناء على العهدات الثلاث السابقة للرئيس المنتخَب، وقد لمسنا فيها اهتماما ملحوظا بالجهاز الحكومي الوصي على الثقافة، بما في ذلك غدق ميزانية الدولة عليه، لكن يظل ذلك ناقصا في اعتقادي لفقره لخريطة مدروسة تستوعب الفعل الثقافي الصحيح”. وختم الصديق حاج أحمد قائلا: ”ما أنتظره وأتمناه من العهدة الرابعة، أن يقع الاتفاق بين السلطة والمثقف”. الجزائر: ح.ع
رابح خدوسي: أين هي مشاريع وزارة الثقافة؟ اعتبر الأمين الوطني السابق لاتحاد الكتّاب الجزائريين رابح خدوسي، أن النظام الحاكم قام في ظل غياب دور حقيقي للمجتمع المدني ب ”إدخال المجتمع في غيبوبة ثقافية”، كما تساءل خدوسي عن مصير المشاريع الثقافية التي تتحدث وزارة الثقافة عن إنجازها، وقال: ”يتحدثون عن مكتبة في كل بلدية، ولكن ما نلحظه على مستوى ولاية البليدة هو غياب مكتبة ولائية واحدة أو دار للثقافة بمعنى الكلمة”، وأضاف في معرض حديثه عن مشاريع الطباعة والنشر في الجزائر ”لا يمكن اعتبار عملية” تكديس”الكتب، طباعة ونشر للكتاب. الجزائر: م.ع
الروائي سعيد خطيبي علينا تشكيل ثقل ثقافي يعتقد الروائي سعيد خطيبي، أن الرئيس المٌنتخب لعهدة الرابعة لم يستغل في حملته سوى على بعض المثقفين المتحزبين، الطامحين إلى مناصب مستقبلية، مستبعدا المثقف النقدي المستقل. وتساءل خطيبي قائلا: ”فلماذا إذا ينتظر منه المثقفون الفعليون جديدا؟ في عهدته الثالثة، شاهد المتتبع عددا من الكتّاب والشعراء وهم يحاولون التقرّب منه، بكتابة قصيدة، وإصدارها في شكل قرص مضغوط، أو التوسط له لنيل جائزة ابتكرت على مقاسه في باريس، سميت ”راعي الثقافة العربية”. ماذا تحقق بعدها؟ منع لكتب وأفلام (محمد بن شيكو ومرزاق علواش مثلا)، تضييق فضاء التعبير الحرّ وتحويل الفعل الثقافي إلى فعل فلكلوري”. وأضاف خطيبي : ”إرث محمد أركون ما يزال غير مرغوب فيه وآسيا جبار ينظر إليها بعين الريبة والشّك، والمؤسسات الثقافية تجد نفسها مكبّلة بالتنظيمات الرسمية”. ويتمثل الشيء الأهم الذي يمكن المراهنة عليه في المرحلة المقبلة، حسب صاحب رواية ”كتاب الخطايا” هو ”تحقيق قطيعة فعليّة مع النّظام، وتشكيل ثقل ثقافي مواز لوزارة الثقافة، وهو تطلّع لن يتحقق سوى بتحمّل مشقة الخيار الصعب والتزام كل طرف من الأطراف الفاعلة بمسؤولياته، والتبرؤ خصوصا من الأسماء والرموز المتورطة في النظام، والتي ساهمت سنوات طويلة في تمييع المشهد الثقافي، ثم ضرورة تغيير النظرة السائدة للفعل الثقافي، وعدم حصرها في الكتابة أو المسرح أو السينما”. وختم خطيبي قوله: ”الجزائر اليوم بحاجة ماسة إلى مثقف عضوي وفق المفهوم الغرامشي للكلمة. مثقف يمارس الثقافة كفعل يومي، ينقل الفكرة إلى الحياة اليومية، ينشرها في الشارع، في الأسواق وفي كل الأماكن العمومية الأخرى، أن يخرج المثقف من عزلته فهو يجدّد الثقة في نفسه ويتصالح مع الآخر”. الجزائر: ح.ع