إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاضي في الجزائر.. رحلة بلا نهاية في المحاكم
في ظل غياب الوساطة القضائية وتراجع دور "الجماعة"
نشر في الخبر يوم 09 - 05 - 2014

أصبح التقاضي يكاد يكون سلوكا عاديا لدى العائلات الجزائرية، وبات عدد القضايا المطروحة أمام قضاتنا يعدّ بمئات الآلاف، وهو تقريبا العدد نفسه الذي يصل إلى أعلى هيئة قضائية في الجزائر (المحكمة العليا). وإذا كانت الأرقام تلك، في نظر بعض أهل الاختصاص، تعني تأكيد تطور "حقوق الإنسان" وتطور القضاء، فإن آخرين يؤكدون أنها مؤشر على انحلال العلاقات الاجتماعية، في وقت كانت كل منازعات المجتمع الجزائري تحلّ في إطار ضيق، لا تتعدى العائلة الكبيرة أو العرش، وإن كبرت القضايا، تتدخل الجماعة لفكّ النزاع.
في الوقت الذي تسعى بعض الدول العربية والغربية لإيجاد وتطبيق طرق بديلة لحلّ النزاعات بعيدا عن المحاكم، وما تخلّفه من تشوّهات على مستوى العلاقات الإنسانية، تضاعف عدد القضايا في الجزائر 6 مرات في العشرية الأخيرة، ما يدُلُّ على أن الجزائريين يقذفوا بكل نزاعاتهم إلى المحاكم دون تردد. وهذه بعض الأرقام.. 276 ألف قضية في المحكمة العليا سنة 2012، و55 ألف منها تم الفصل فيها، و221 ألف متبقية للفصل فيها، في حين كان عدد الملفات سنة 2000 قرابة 57 ألف ملف.
أن تكون متقاضيا في الجزائر، يعني أنك ستبدأ رحلة بلا نهاية في أروقة المحاكم، سترى، حيثما وَلّيت البصر، ملفات كثيرة متراكمة أمام القضاة.. تُهَمٌ وتقارير، مجموعات المحامين بجُبَبِهم السوداء، قاعات الجلسات تضيق بما رَحُبَت بالمواطنين الذين يتجشّمون عناء التقاضي.. متهمون وضحايا، شاكون ومُشتكى منهم، مُدَّعُون ومُدَّعى عليهم، شهود عيّان، ومشاهدون فضّلوا المحاكم على شاشات التلفزيون، لسماع القصص التي تروى على لسان المتخاصمين.
تكاثر عشوائي لعدد القضايا أمام المحاكم
لغة الأرقام لا تهديك إلى سرّ التكاثر العشوائي، ولا تشفيك من قلق وإلحاح التساؤل، ولا تعطيك إجابات عن أسباب ”الانفلات الرقمي”. هذا ما دفعنا إلى استقصاء الحقائق من الميدان ومن ذوي الاختصاص، حول مصدر كل هذه النزاعات، وحول قدرة عقل القاضي على معالجتها، ناهيك عن المصاريف والنفقات التي ترهق المواطن البسيط، نتيجة لجوئه إلى العدالة، في ظل غياب طرق بديلة لحلّ نزاعاته.
وفي الوقت الذي يعمل الغرب وبعض الدول العربية، على تخفيض عدد الملفات أمام القضاة، عن طريق تفعيل الوساطة القضائية التي أخذت مُسمى ”العدالة الليّنة”، وغلق منابع تدفق آلاف القضايا؛ يجتهد الجزائريون لعصرنة جهاز العدالة، وتسهيل عملية التقاضي، حيث أضحت قاعات الجلسات تعُجُّ بالمواطنين وتطفح بالملفات، وأصبحت محاكمنا تتغذى بمئات الآلاف من الشكاوى والجرائم الواردة من رجال الضبطية القضائية، لتبدأ رحلتها في فلك القضاء؛ قليل منها يُداوى في المحكمة، والكثير يواصل رحلته المكوكية إلى المجالس القضائية، ومنها إلى المحكمة العليا. وعليه اتّسعت قاعات الجلسات وأروقة المحاكم، وضاقت بالمقابل قلوب المتخاصمين، لما يخلّفه التنازع من حقد ومكر وكراهية بين الناس، يمتد في أحايين كثيرة إلى الأبناء والأهل، بل قد يتّسع الخلاف ليشمل الحي والقبيلة في بعض المناطق، لتتحوّل أخرى إلى ”حرب شوارع”، والأمثلة على ذلك عديدة.
وحين ترجع بالزمن إلى الوراء باحثا عن أصل الخِلاف، ستكتشف أن سبب النزاع، في غالب الأحيان، تافه جدا، قد يكون زلّة لسان أو نظرة عابرة أو حتى دجاجة مسروقة، يفعلها شخص واحد تدفع الكثيرين في رحلات لا تنتهي في أروقة المحاكم، إن لم تزجّ بهم في غياهب السجون. حُزمة من الأسئلة حملناها معنا لاستطلاع رأي المحامين والقضاة والأساتذة الجامعيين والوسطاء والطلبة، لنسترشد بهم طريقنا لمعرفة سبب اللجوء المفرط للعدالة، حتى في أتفه النزاعات، وكيف سادت ثقافة التنازع في المجتمع الجزائري؟ ولماذا لم يتمكن قرابة 2000 وسيط قضائي من تخفيف الضغط على المحاكم، باعتبارها (الوساطة القضائية) آلية تساعد الخصوم على صناعة الحكم بإرادتهم؟ وأسباب تراجع دور ”الجماعة”، أو ما يعرف ب«تاجمعت” لدى الجبل الجديد؟
فيما تُسمى في الغرب ”العدالة اللَّينة”
الوساطة القضائية في الجزائر.. طريقة جديدة لإطالة عمر النزاع
الوساطة القضائية لم تستطع التموقع في جغرافيا الجسم القضائي الجزائري، منذ إقرارها في 12 فيفري 2009، بسبب نظرة المتقاضي لها كإجراء لا فائدة تُرجى منه، بينما يلجأ إليها المواطن في الدول المتقدمة نظرا لمرونة إجراءاتها، وانخفاض نفقاتها وتكاليفها، وبلغت نسبة الإقبال عليها في بلدان الشرق الأقصى 37%.
ويلاحظ في الأوساط القضائية أن هذه الآلية أصبح يستخدمها المواطنون لإطالة أمد النزاع، في حالة ما إذا كان عامل طول الوقت في صالح أحد الطرفين، خاصة أن إجراءاتها تكون بالتوازي مع سير الملف في العدالة.
الأستاذ بوخنفرة جمال يرى أن الوساطة القضائية غير مجدية بصيغتها الحالية، لأنها لم تقم بدورها في الإنقاص من التوالد والتكرار للقضايا في المحاكم، ويتوجب إعادة بعث المشروع من جديد، بجعل الوساطة القضائية إجراء مستقلا يسبق رفع الدعوى، لتكون أكثر إقبالا، وأكثر فاعلية في تسوية النزاعات دون اللجوء إلى القضاء، مستدلا في ذلك بقضايا الاجتماعي والعُمّالي، التي تعقد جلسة صلح بمفتشية العمل بمقر البلدية، ومنها اللجوء إلى القضاء في حالة عدم الصلح.
كما تطرّق الأستاذ عمر خبابة، في هذا الصدد، إلى ”وجوب إعادة النظر في هذه الآلية، وجعلها قبل دخول المعترك القضائي، مبررا رأيه بأن المواطن إذا طرق باب العدالة فإنه وصل إلى نقطة اللاعودة، خاصة أن الكثير من المتقاضين طغت عليهم ثقافة التدخلات ومحاولات شراء ذمم القضاة، ويقصدون المحامون الذين يُرَوّج عنهم امتلاكهم علاقات مع القضاة ظنا منهم أنها حقيقة”.
الفصل في أكثر من 730 قضية بالمحكمة العليا
خلال الفترة الممتدة من 1964 إلى 2013
فصلت المحكمة العليا في أكثر من 730 ألف قضية خلال الفترة الممتدة من 1964 إلى 2013، حسب ما كشف عنه، مؤخرا، عبد السلام ذيب، رئيس الغرفة التجارية والبحرية. وأوضح ذيب، خلال مداخلته بعنوان ”المحكمة العليا في كلمات وأرقام” خلال الندوة العلمية التي نظمتها المحكمة العليا، بمناسبة إحياء الذكرى ال50 لتأسيسها، أن المحكمة العليا فصلت في 734.247 قضية خلال الفترة 1964-2013، وسجلت خلال الفترة نفسها 981.087 قضية. وأبرز ذيب أنه تم الفصل في 52.866 قضية خلال الفترة 1964-1988، و681.381 قضية خلال الفترة 1989-2013، في حين سجلت المحكمة 71.735 خلال الفترة 1964-1988، و909.352 خلال الفترة 1989-2013.
وأشار المتحدث إلى أن المحكمة العليا استطاعت، إلى غاية سنة 2000، التحكم في التوازن بين عدد القضايا المسجلة والقضايا المفصول فيها، غير أن هذا التوازن اختل فيما بعد، بسبب ”تضخم غير منتظر لعدد الطعون في المواد الجزائية”. وأرجع ذيب أسباب هذا التضخم إلى ”ارتفاع المستوى المعيشي للمواطن، وسهولة الولوج إلى القضاء، وكذا عدم نجاعة الطرق البديلة لفض النزاعات، وعدم تقييد الطعن بالنقض إلا بشروط إجرائية”.
كما اعتبر ذيب أن معيار الآجال المعقولة للحكم يبقى هو الأساس لتقدير مدى توفر المحاكمة العادلة، وانطلاقا من هذا المنظور فإنه إذا كانت وتيرة الفصل مقبولة بوجه عام في المواد المدنية، فإن كل الجهود يجب أن تنصب على الجنح والمخالفات. وذكر أن العشرية الأخيرة شهدت تطوير مناهج العمل بإدخال الوسائل العصرية الكفيلة بالتمكن من تسيير عقلاني للملفات، من خلال نظام إلكتروني سمح بعقلنة تنظيم العمل من جهة، كما سمح هذا النظام للمتقاضي ومحاميه بتسجيل الطعن بالنقض عن بعد، والاطلاع عن بعد على سير ملف الطعن بالنقض وهو ضمان للشفافية من جهة أخرى.
وأج/ بتصرف
تسجيل أكثر من77
طعن خلال سنة 2013
سجلت المحكمة العليا أكثر من 77 ألف طعن خلال سنة 2013، حسب ما كشف عنه، مؤخرا، رئيس الغرفة التجارية والبحرية عبد السلام ذيب، الذي أوضح أن المحكمة سجلت 77046 طعن خلال سنة 2013، منها 62.108 طعن جزائي و14.956 طعن مدني، وأبرز أن المحكمة العليا بتسجيلها هذا العدد ”الهائل” من الطعون، خلال سنة واحدة، تكون قد سجلت عددا أكبر من القضايا الذي سجلته خلال 25 سنة (1964-1988، وبالنظر إلى الكم الهائل والمتزايد من القضايا، خاصة منها الجزائية، فقد أصبح ”المجهود المبذول من قِبل القضاة غير كاف لمواجهة هذه القضايا”، حسب ما قاله ذيب. ولمواجهة هذا الوضع، اقترح المتحدث ذاته اتخاذ جملة من الإجراءات المتعلقة بالطعون الجزائية، منها ”اللجوء إلى الوساطة لفضّ المنازعة الجزائية، وأيضا عدم الإفراط في الطعن بالنقض من قِبل النيابة العامة”.
”الجماعة” أو ”تاجماعت”.. طرق الأجداد في حلّ نزاعاتهم
في حنايا الماضي، كان الجزائريون في السابق يعتبرون اللجوء إلى العدالة عيبا، وتجاوزا للكبار والأعيان، وهذا بسبب النظام العائلي القائم على التسلسل العمري؛ فشيوخ المدينة وحكماؤها وِجهة المتخاصمين لحلّ مشاكلهم وخلافاتهم، وهم المعروفون بالاحتكام للجماعة في حالات تشنّج العلاقات بين الناس، بل أحيانا بين الرجل وزوجه، وهذا راجع لطابع المجتمع؛ القبلي في الكثير من مناطق الوطن. وفي منطقة القبائل، هناك ما يسمى ”تاجماعت”، التي روى بشأنها الأستاذ يوسف حاج، الذي تعود أصوله للجهة نفسها، حكاية شيخ كبير، لم يحضره اسمه، كان الناس يحتكمون إليه لحلّ نزاعاتهم خلال الحقبة الاستعمارية، وله مصداقية كبيرة وحلوله لا تقبل المناقشة، وله منهجية وحنكة كبيرتان في تشخيص موطن تشوّه العلاقة، من خلال تأمل سلوكياتهم وحركاتهم ونبرات صوتهم، واعتمادا على تلك الملاحظات كان الشيخ الحكيم يمنح الشخص المندفع والأناني امتيازا وهميا، ويطفئ نار الأنانية والطمع داخله، ويرغم في المقابل الطرف الهادئ على التنازل قليلا، انطلاقا من معرفته لهذا النوع من الشخصيات ذوي العقل الواسع ”قلب كبير”.
وأما في مدينة غرداية، عند الميزابيين، فهناك ما يعرف ب«عزابة”، وهي عبارة عن طرق بديلة تتمثل في جماعة من الأعيان، لهم سلطة معنوية، ينصاع لها المتخاصمون، بتنفيذ كل ما يصدر عنهم من حلول.
نظرة الجيل الجديد ل”الجماعة”
أثناء تواجدنا في كلية الحقوق ببن عكنون، لاستطلاع آراء الطلبة حول إمكانية تجنّب المحاكم في تسوية النزاعات عن طريق عمليات الصلح، التقينا بالطالب حمريط رفيق من ولاية المسيلة، وتحديداً من بلدية أولاد درّاج (سلمان)، الذي أخبرنا أن آلية ”الجماعة” في منطقته لها دور محوري وفعّال في حلّ معظم الخصومات، باعتبارها عُرفاً مهما في المنطقة، حيث تساهم في حلّ النزاعات.
ويسترسل الطالب بالقول ”إن الأشخاص الذين يقومون بهذا الدور في منطقتنا يحظون باحترام ومصداقية لدى الجميع، وعليه تُتوّج أغلب الخصومات، إن لم نقل كلها، بالصلح، ما أدى إلى تماسك النسيج الاجتماعي بالمنطقة”.
فكرة ”الجماعة” رافقت الإنسان منذ فجر التاريخ
شوشة محمد أسامة، طالب باحث من قسم التاريخ بجامعة الجزائر2، عاد بنا إلى بدايات ”الجماعة” عبر العصور، حيث كان الإنسان يعيش ضمن مجموعات سكانية، تمثلت في الأسرة ثم العشيرة فالقبيلة وصولا إلى المملكة والدولة باعتبارهما أعلى درجة من التنظيم الجماعي، وقد تماشى مع هذا التطور مجموعة من الضوابط لتسيير هذه التجمعات، من أهمها العرف الذي هو بمثابة قانون غير مكتوب بموجبه تسعى هذه التنظيمات لحل نزاعاتها بطرق سلمية.
وتنبع قيمة المجتمع الجزائري، حسب الحقوقي حسين زهوان، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، من سمة الصلح التي تميّز بها قبل وأثناء الفترة الاستعمارية، حيث إن القضاء الفرنسي لم يستطع إقناع الجزائريين بالانخراط في دواليبه لمعالجة نزاعاتهم، وفضّلوا الحفاظ على آليات اجتماعية قديمة، كطرق لحل الخلافات والنزاعات ك«تجماعت” و«الجماعة” و«مجالس الحكماء”، واصفين كل مواطن تعامل مع الجهاز القضائي الاستعماري بالمتمرد على الأهل، ومنها يتم عزله اجتماعيا، وبالتالي يخسر مكانته لدى أهله. ورغم تطور القوانين في تنظيم الحياة الإنسانية، إلا أن الأعراف لا تزال سائدة في تسيير شؤون الناس، لكن مع تزايد المعاملات والنشاطات وتقاطع مصالح المواطنين وتصادمها أضحى الجزائري يفتقر لثقافة التحاور والتسامح والاحتكام للأهل، ويقذف بكل نزاعاته إلى المحاكم.
الوسيط القضائي مساعد للمحامي أم منافس جديد له؟
أرجع بعض الوسطاء القضائيين فشل مهنتهم وعدم إيجاد مكان مستقر لها في الخريطة القضائية إلى المحامي، الذي يرفض على لسان موكله تعيين وسيط من قِبل القاضي، حيث أصبحت هذه المهنة مرهونة بالمحامي، أو بالأحرى تحت رحمته.
ويرجع الأستاذ لعروسي، الوسيط القضائي بمجلس قضاء الجزائر، أسباب فشل آلية الوساطة إلى عدم وجود بيئة ملائمة في الوسط القضائي كي تكبر وتصبح وجهة للمتنازعين. واتهم المتحدث نفسه المحامين بعدم القيام بدورهم إزاء الوسيط، لأنهم يرون فيه منافسا لهم ومهددا لوجودهم، وبالتالي قرروا وأده في مهده، لأن المحامي لا يجني ربحه في حالة تصالح الخصوم، وعليه يفضّل المختصمون، حسب المتحدث نفسه، توكيل المحامي باعتباره صاحب لسان فصيح ورجل تقني يمكنه توظيف النصوص القانونية واستعمالها لصالح موكله، مضيفا: ”أن عمل الوسيط يجب أن يتوسع ويتحول إلى مستشار، يساهم في إشاعة ثقافة الصلح كخيار مفضل لحل الخصومات، عن طريق عرض الصلح قبل القذف بالنزاع إلى المحكمة، التي قد تطيل في مدة النزاع، ومنه تتعقد الأمور أكثر، ويستحيل بعدها الصلح”.
بعض المحاكم والمجالس القضائية بلغة الأرقام
*المحكمة العليا: بلغ عدد الملفات بها قرابة 330 ألف قضية سنة 2012 (مسجلة ومتبقية للفصل ومفصول فيها)، بينما كان في سنة 2000 حوالي 57 ألف فقط.
*مجلس قضاء العاصمة: فصل في قرابة 157 ألف قضية، في ظرف ال 4 سنوات الأخيرة.
*مجلس قضاء أم البواقي: تجاوز 13 ألف قضية، خلال سنة 2012، 80 بالمائة منها جنايات وجنح ومخالفات.
*مجلس قضاء الأغواط: تدخل في اختصاصه الإقليمي محكمتا الأغواط وآفلو، أرقامه تشير إلى أنه عالج قرابة 1000 قضية سنة 2013.
*مجلس قضاء باتنة: نظر قُضاة مجلسها القضائي في قرابة 11 ألف قضية، للجنح والجنايات والمخالفات حصة الأسد فيها.
*مجلس قضاء المدية: بمحاكمه السبع صَفَّى حوالي 141 ألف قضية (140780 ملف) على مدار سنوات 2010 و2011 و2012.
*مجلس قضاء تيزي وزو: أحصى قرابة ألف قضية، يضم في اختصاصه 8 محاكم.
*محكمة تلمسان: لفتت انتباهنا بمعالجتها قرابة 19 ألف قضية خلال سنة 2013، بمعنى أنها تجاوزت عدديا كل المجالس المذكورة.
** المصدر: المواقع الإلكترونية الرسمية للهيئات القضائية
النظام القضائي الجزائري ساهم في تراكم القضايا وتأخر النظر فيها
تتبّع الجزائر النظام القضائي الأوروبي (النابليوني)، الذي يتّسم بثقل الإجراءات، وباعتماد هيئة المحكمة على الأدلة والبراهين، التي يأتي بها عناصر الضبطية والمحققون فقط، أو تلك التي يفتح وكيل الجمهورية تحقيقا بشأنها، عن طريق إذن بالتفتيش، بمعنى أن القاضي يختار وينتقي الأدلة التي تهديه إلى الحقيقة، رافضا كل ما يأتي به المواطن من دلائل، خاصة في القضايا الجزائية، مهما كانت تلك الدلائل صحيحة ودامغة.
وعلى النقيض من ذلك، يرتكز النظام القضائي الأنجلوساكسوني على الأدلة التي يقدمها المواطن من تلقاء نفسه لإثبات ادّعاءاته، نظرا للثقة الموضوعة في المواطن في البلدان التي تتبع هذا النظام، كبريطانيا والولايات المتحدة واستراليا، بغية تسهيل عملية التقاضي وتخفيف وطأة الإجراءات، اختصارا لمدة سير الملفات في أروقة المحاكم. كما يحتوي هذا النظام على آلية ”التفاوض” التي تتيح للمتقاضي مساومة العقوبة مع خصمه، عن طريق تعويضها نقدا مثلا، وهو الشيء الذي ترفضه بشدة الدول الإسكندنافية، لخرقه، حسبهم، مبدأ ”العقوبة بقدر الذنب”، أي أن الجرم المرتكب لا يعوّضه المال؛ وعليه يستنتج المتأمل أن النظام القضائي الأنجلوساكسوني يرمي بعملية التفاوض على عاتق طرفي النزاع، ليقتصر دور القاضي هنا على ملاحظة سير عملية التفاوض، وما يسفر عنها من حلول توافقية، بين ما يدّعيه ممثلو الضحية، وما يقدّمه محامي المتهم من مبررات ودفوع.
وفي هذا الخصوص، أفاد رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، حسين زهوان، في اتصال مع ”الخبر”، أنه يتوجب على البرلمانيين تشريع قوانين جزائرية محضة، وترك تلك الموروثة أو المستوردة من دول أخرى، للتخفيف من التزايد العشوائي للملفات وامتصاص ظاهرة تراكم الملفات، نظرا للبيروقراطية التي يتّسم بها قانون الإجراءات المدنية والجزائية الجزائري المستوحى من قوانين سنّت لمجتمعات أخرى.
رغم تشابه التهم.. الوقائع تختلف
التقاضي.. هوايةُ من لا هواية له
للقضاة رأي في هذا الشأن، حيث قال، ل«الخبر”، أحد القضاة، طلب عدم ذكر اسمه عملا بواجب التحفظ، إن ”الضمير المهني والأخلاق العالية تجعل القاضي يحظى بثقة المواطن واطمئنانه أثناء الاحتكام إليه، وأن هذه المهنة ليست تشريفا بقدر ما هي مسؤولية وتكليف على عاتق القضاة. أما الاشتغال على ملف قضائي ليس بالأمر الهيّن، كما يعتبره البعض، وليس باستطاعتنا التحقيق في مستندات الملفات، والتمعّن في الادّعاءات التي يطلقها المتخاصمون على بعضهم البعض، دون أخذ وقت كاف لبناء حكم أو قرار منصف وعادل يستند على القانون، ورغم تشابه عناوين الملفات، فإن الوقائع تختلف من قضية إلى أخرى، وعليه يتوجب علينا تشريح الملف جيدا”.

إن لم تكن الشاكي فأنت المشكو منه
رغم أن التقاضي هو مصدر دخل المحامين، إلا أنهم وصفوا عدد الملفات اللامتناهي ب«غير العادي”، وأن الجلسات أصبحت مُرهقة. هذا ما ردّ به المحامي خبابة عمار على أسئلتنا، حيث كانت إجابته ذات شقين: الأول مادي قال فيه ”إن المحاكم القليلة لم يعد بمقدورها استيعاب آلاف النزاعات المترتبة عن النشاط التجاري والإجرامي الكثيف”. وتساءل حينها عن سبب عدم بناء محاكم ببوزريعة والدار البيضاء والجزائر الوسطى بالعاصمة مثلا، رغم أنها موجودة كمشاريع على الورق منذ سنوات.
أما الجانب المعنوي، فأرجع فيه محدثنا سبب التراكم إلى قلة عدد القضاة بالمقارنة مع عدد الملفات والنزاعات، حيث أصبحوا يرغمون المحامين على اختصار مرافعاتهم، ما أدى إلى إهمال العناصر المهمة في الملف، وتضييق مساحة الدفاع عن الناس وفق مبدأ ”المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، وهذا ما يؤدي حتما إلى تَشوّه العلاقة بين المحامي الذي يؤدي في واجبه اتجاه موكله، والقاضي الذي تنتظره آلاف القضايا، وناهيك عن التأجيلات المتتالية والوساطة القضائية التي تحوّلت إلى أداة يحتال بها المتقاضون لإطالة عمر النزاع في حالة ما إذا كان الوقت في صالح أحد الطرفين”.
وأضاف المحامي، من زاوية أخرى، أنه رغم تزامن تزايد الملفات القضائية مع مشاريع عصرنة العدالة، إلا أن هذه الأخيرة لم تستطع، في جلّ الأحايين، احتواء الكم الهائل من الملفات المتوالدة، ولم يكن بمقدورها مسايرة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والأنشطة الإجرامية المتسارعة التي يترتّب عنها تصادم مصالح المواطنين.
كانت تصريحات الأستاذ مفيدة ومُغرية، تجذبك نحو معرفة المزيد من وجهات النظر، التي تسلّط الأضواء على ما هو مظلم في هذا الشأن؛ فكان سؤالنا هذه المرة موجها للأستاذة بن براهم، التي أبدت انزعاجا كبيرا من كثرة الملفات، واسترسلت بعدها في حديث فحواه ”أن الملفات ستظل تتوالد وتتكرر طالما أن الضبطية القضائية، باعتبارها القناة الأولى، لا تغربل القضايا وتحليها برمّتها على المحاكم، في حين يتوجب على رجال الأمن معالجة جزء منها عن طريق إجراء صلح بين الشاكي والمُشتكى منه، لتجنّب اللجوء إلى العدالة التي قد توسّع من دائرة الكراهية والحقد بين الأشخاص، بل أكثر من هذا أصبح بعض المواطنين يهدّدون بعضهم البعض بعبارة ”سأدفعك للعدالة”. وأضافت محدثتنا ”أن القناة الثانية تتمثل في وكيل الجمهورية الذي لا يقوم إلا قليلا بحفظ القضايا التافهة، التي لا تستحق دخول الجهاز القضائي أصلا، باعتبارها مصاريف وأعباء زائدة على المحكمة، سواء تلك الواردة من الضبطية القضائية أو المودعة على مستوى وكيل الدولة، حيث يحيل الكثير منها على المحاكم انطلاقا من صلاحياته”. وتابعت حديثها مشيرة إلى ”أن ممثل النيابة يستأنف معظم الأحكام، ويطعن في جلّ القرارات، حتى التي تتوفر على قرائن مقنعة ببراءة المتهمين، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب القضايا”. وخَلُصت القانونية إلى أن الحدّ من ظاهرة الإجرام ليس رهينا بعدد الملفات المعالجة، بل بتحديد أصل الظاهرة واجتثاثه، و«إذا بقينا على المنوال نفسه سيصبح كل المواطنين مسبوقين قضائيا، ويجدر بالضبطية القضائية الإطاحة بالرؤوس الكبار، وليس بالضعفاء، الذين أرغمتهم ظروفهم القاسية على استهلاك المخدرات أو ارتكاب الجرائم”.
من جانبه، أوضح الأستاذ يوسف حاج، محاضر في مقياس الإجراءات الجزائية بكلية الحقوق جامعة الجزائر، أن القاضي ليس آلة، وكثرة الملفات أمامه تجعله يشكّل أحكاما مسبقة حول القضايا، دون تفحصها والتمعن في ملابسات وظروف الوقائع، وهذا قصد الانتهاء منها. وألحّ الأستاذ، في معرض حديثه، على الأخذ في الحسبان البعد الإنساني للمتقاضين والمتهمين، حتى المساجين منهم، وليس الاعتماد فقط على الردع بالقانون، معتبرا أن المتهم سيبقى في نظر المجتمع مذنبا رغم انقضاء العقوبة، وأن هذه في حدّ ذاتها عقوبة ثانية له.
وأشار برلماني، وهو محامي سابق، طلب عدم ذكر اسمه، إلى اتساع الفجوة بين المواطن والجهاز القضائي، وتنامي الشك في مصداقية بعض القضاة، ما أدى بالمواطن إلى استئناف كل الأحكام والقرارات آليا، معتبرا إياها مجحفة وغير منصفة، بيد أنها قد تكون في حقيقة الأمر عادلة.
أما بخصوص الوساطة القضائية، باعتبارها طريقة أخرى لحلّ النزاعات، قال القانوني إن الجهاز القضائي الأمريكي أصبح يتوصل إلى حل ودي في 80 بالمائة من القضايا، نافيا وجود آلة قضائية باستطاعتها استيعاب كل النزاعات، مهما كانت درجة تنظيمها، وعليه أصبحت فكرة الصلح تطرح نفسها أكثر من أي وقت مضى لامتصاص هذه الملفات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.