مع بدء العد التنازلي لامتحانات نهاية السنة الدراسية، وفي مقدمتها البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط، يقبل التلاميذ المترشحون على اقتناء المشروبات الطاقوية، ظنا منهم بأنها توفر لهم القدرة الذهنية والبدنية التي تساعدهم على تجاوز الأسئلة. وما لا يعرفه بعض هؤلاء وأولياؤهم أن المواد التي تحويها هذه المشروبات، مثل الكافيين والجنكة الصينية، تؤثر سلبا ومباشرة على الدورة الدموية للإنسان وتؤدي في كثير من الأحيان بالنسبة لحديثي السن، مثل مترشحي "الباك" و"البيام"، إلى السكتة القلبية المفضية إلى ما يعرف ب"الموت المفاجئ". يقول الدكتور ناجي عطّاب، اختصاصي أمراض القلب، إن تناول مشروبات الطاقة بكميات كبيرة وما تحويه من مادة الكافيين، من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وفي حالات أخرى إلى الموت المفاجئ. يزداد الإقبال عشية امتحانات نهاية السنة الدراسية على مشروبات الطاقة، ويعمد الكثير من المترشحين إلى الاستعانة ببعض المنشطات في هيئة مشروبات، ظانين أنه من شأنها أن تمدهم بالطاقة الجسمية والذهنية التي تزيد من القدرة على استيعاب الدروس وحفظها وبالتالي دخول الامتحان بمعنويات أعلى. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، هل يعرف هؤلاء التلاميذ والطلبة مكونات هذه المشروبات؟ وهل هم على اطلاع على مضاعفاتها الثانوية التي من شأنها أن تؤثر سلبا على صحتهم؟ أم أن الترويج الخرافي للمشروب القادر، حسب المروجين له، على إعطاء القوة لمستهلكه، كان كافيا لكي يقبلوا عليه ويستهلكوه وربما بكميات كبيرة دون النظر لخطورته؟ مكونات خطيرة وعن رأيه في تأثير هذه المشروبات على صحة مستهلكها، يقول اختصاصي أمراض القلب، الدكتور ناجي عطّاب، إن أول ما يسترعي الانتباه هو مكونات هذه المشروبات والمتمثلة في مزيج من المواد على رأسها مادة الكافيين الموجودة بكميات كبيرة ومركزة، حيث تحوي العبوة الواحدة من مشروبات الطاقة ما بين 154 و505 ملغ من الكافيين، في الوقت الذي لا تتجاوز كمية ذات المادة في كأس من القهوة ال80 إلى 120 ملغ، مضيفا أنه من شأن الاستهلاك اليومي لكميات كبيرة من الكافيين أن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والموت المفاجئ. ويضيف عطاب أن هذه المشروبات تحتوي على كميات كبيرة من السكر “ما بين 21 و34 ملغ” لكل عبوة من سكر الغلوكوز والفريكتوز، وهي الكمية التي تعادل أربعة أضعاف الكمية المسموح بها يومياً من ذات المادة، ما ينجر عنه عديد المشاكل الصحية وعلى رأسها السمنة التي تعتبر بوابة كل داء. مادة أخرى تدخل في المكونات وهي “الجنكة الصينية” التي تساعد على تعديل المزاج لكنها في المقابل تسبب اضطرابات في النوم وكذا ارتفاع في ضغط الدم، إلى جانب الصداع والقلق، وهو ما أثبتته آخر الدراسات التي أجريت حول مشروبات الطاقة، كما بينت الدراسات ذاتها أن كل هذه المواد تؤدي على المدى القصير أو الطويل إلى أعراض خطيرة مثل ازدياد دقات القلب بشكل غير طبيعي وألم في الصدر، إلى جانب حركات لا إرادية وصدمة في الأعصاب نتيجة زيادة تدفق الدم في العضلات وتنمل في الأطراف، مع عصبية زائدة وعدم القدرة على الاسترخاء، ناهيك عن الإدمان على تلك المشروبات وعدم القدرة على القيام بالوظائف اليومية دون استهلاك الجرعة اليومية، ليصل الجسم إلى مرحلة متقدمة من التعب والهزال. أضرارها كثيرة ومنافعها قليلة من جهته، اقترح الدكتور سمير عويش، اختصاصي أمراض السكري، بديلا عن هذه المشروبات التي قال إنها جد مضرّة بصحة الإنسان، مؤكدا أنه يعمد دائما إلى نصح مرضاه بعدم استهلاكها، حيث قال “حققنا من قبل أحسن النتائج في الدراسة سواء في الثانويات أو الجامعات دون أن نستهلك مثل هذه المواد، فكيف ترد أهميتها حاليا؟”، مضيفا أن كثيرا من طلبة الطب وغيرهم يستهلكونها معتقدين أنها تنمّي الطاقة الذهنية، ووجه نداءه إلى الطلبة بالتوقف عن استهلاكها لأن مضاعفاتها تظهر، حسبه، على المدى الطويل، ويحثهم إلى اتباع نظام غذائي صحي يرتكز على الخضر والفواكه، مع الحرص على استهلاك كمية من الماء خاصة أن فترة الامتحانات تتزامن مع الحرّ. الإرهاق وقلة النوم هاجس مترشحي “الباك” و”البيام” مشروبات الطاقة ثاني سلاح بعد مراجعة الدروس إذا كان من المعروف أن التحضيرات لامتحان البكالوريا وشهادة التعليم الأساسي تكون بتكثيف المراجعات الجماعية وتلخيص الدروس وقضاء ساعات طويلة أمام الكراريس وما يرافقها من اضطرابات في عملية تخزين المعلومات، فإنه من غير المألوف مشاهدة الكثير من المترشحين “يستقوون” على الإرهاق والنسيان بالإدمان على مشروبات الطاقة، معتقدين أنها تزيد من القدرة الذهنية والبدنية لمواجهة “سلطان النوم” وشبح الإرهاق والتخلص من حالات الارتباك والضعف النفسي. قال وليد، وهو قابض سابق في مركز تجاري التقينا به ببن عكنون، بأنه “مع اقتراب موعد البكالوريا و«البيام”، يتوافد علينا المئات من التلاميذ لشراء مشروبات الطاقة، وخاصة أصحاب الأقسام النهائية الذين يدفعهم الخوف والارتباك إلى الاستعانة بمشروبات طاقوية لاجتياز امتحانات مصيرية تسبقها ضجة كبيرة في وسائل الإعلام والمحيط الدراسي، ما يوسع من هاجسها”. ولم يخف محدثنا شكوكه حول التداعيات السلبية التي من المحتمل أن تخلفها هذه المشروبات على صحة التلاميذ على المدى المتوسط والبعيد. أما إبراهيم، وهو مُتابع لهذا الشأن، فأخبرنا أن الكثير من الشباب يستعينون بهذه المشروبات الطاقوية، مضيفا بأنهم في غنى عنها، لأن أجسامهم في أوج العطاء والقوة. “الريدبول” والاستدعاء وبطاقة الهوية في “باك سبور” التقينا أمام ثانوية المقراني ببن عكنون في الجزائر العاصمة بمجموعة من تلاميذ الأقسام النهائية المقبلين على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، طرحنا عليهم الموضوع، فقال نسيم الذي خرج لتوّه من امتحان العربية (بكالوريا بيضاء) ساخرا، بأن هذه المشروبات “أنثوية بامتياز”، فالبنات، على حد تعبيره، يخرجن من البيت بثلاثة أشياء إجبارية، الاستدعاء وبطاقة الهوية و”كانيت” لمشروب الطاقة، خاصة في امتحان مادة التربية البدنية، إذ يستعنّ بها لأنهن لا يمارسن الرياضة بشكل مستمر، وألفن مشاهدة التلفاز. فيما أضاف صديقه بأن الكثير من البنات يشربن هذه المشروبات قبيل امتحان مادة التربية البدنية، وأنها تقوي فقط الجانب البدني، أما المعنوي فيتطلب أخذ مقويات وفيتامينات مفيدة وصحية. أما الطالب رؤوف، بكلية العلوم الاقتصادية بدالي إبراهيم، فروى تجربته العام السابق مع هذه المشروبات، إذ قال إنه من اللازم أن يتبع تناولها مجهود بدني كبير، مضيفا “عندما تناولتها في أول يوم امتحان، لم يلازمني حينها أي إرهاق أو فشل، وهذا بعد ساعتين من تناولها”. وبسؤالنا لأحد التلاميذ المترشحين لامتحان “البيام”، التقيناه في الترامواي، عن موضوع تناول مشروبات منشطة، قال لنا إنه وزملاءه لا يتناولون هذه المشروبات، وهم في غنى عنها. دول تحظر بيع مشروبات الطاقة تسبب الاستهلاك الواسع لمشروبات الطاقة عبر العالم في تدفق عدد من المرضى على مصالح الاستعجالات في مستشفيات مختلف الدول التي تشهد استهلاكا كبيرا لهذه المشروبات، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية والعربية السعودية، حيث أكدت معطيات صحية أن مصالح الاستعجالات عبر العالم استقبلت بين 2007 و2011 حوالي 2000 شخص إثر تناولهم مثل هذه المشروبات، إضافة إلى ارتفاع أعداد من ماتوا بشكل مفاجئ ومعظمهم من المراهقين، كما غصّت المحاكم الأمريكية بقضايا ضد الشركات المصنّعة لهذه المشروبات، رفعها آباء فقدوا أبناءهم بعد تناولهم مشروبات الطاقة، علما أن هناك عديد الدول ومنها فرنسا والدنمارك قررت حظر بيع مشروبات الطاقة، كما عمدت دول أخرى إلى سنّ قوانين تنص على عدم بيع تلك المشروبات لمن هم أقل من 18 سنة. مختصون يحذرون قال رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة، البروفيسور خياطي مصطفى، إن هيئته طالبت بوضع علامات خاصة تمنع تناول هذه المشروبات للشباب أقل من 16 سنة، أو عدم الإكثار منها بالنسبة للبالغين، لما لها من آثار على عمل القلب، إلا أن الوزارة لم تلتفت لهذا الطلب، مرجعا الأمر إلى معايير أخرى تتحكم في العملية التجارية، وتضع صحة الإنسان في الدرجة الثانية. “مشروبات الموت” تحقق أرباحا ضخمة أكد التقرير الأخير لمؤسسة دولية مختصة في استشارات الطعام والشراب صدر العام 2012 أن معدل استهلاك مشروبات الطاقة يزداد سنويا بمعدل 14 بالمائة، حيث بلغت نسبة إنتاجها 61 بالمائة، كما حققت مبيعات ضخمة، حيث بلغت مبيعاتها خلال سنة 2013 أكثر من 200 مليار دولار، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وكذا الفيتنام وتايلندا والمكسيك إلى جانب أستراليا والسعودية، تعتبر الأعلى بالنسبة للاستهلاك الفردي لهذه المشروبات، علما بأن الفئة العمرية الأكثر إقبالا عليها هي ما بين 18 و25 سنة، كما تعتبر مشروبات الطاقة ذكورية، حيث إن الذكور أكثر استهلاكا لها من البنات.