لا تزال إشكالية الأمن في البرازيل تثير الجدل، قبل أيام قليلة عن موعد انطلاق أكبر تظاهرة كروية في العالم، لاسيما بعد أن تعالت أصوات من مختلف الجنسيات تحذّر السلطات الأمنية هنا ببلد السامبا من هذا الهاجس الذي تشعر به وأنت تتجول بشوارع مدينة ساوباولو ليلا. صنع تصريح البرلماني الألماني شتيفان ماير، الذي قام مؤخرا بجولة تفقدية للأوضاع الأمنية في البرازيل ضمن لجنة تابعة للبرلمان الألماني، والذي حذر السلطات البرازيلية من معضلة الأمن، قائلا “إن الجريمة وغياب الأمن مقتصر فقط على العشوائيات، ولا يشمل الفضاءات التي من المفترض أن تشهد تجمعات المشجعين مثل المطارات والفنادق ومراكز المدن”، الحدث هنا بالبرازيل، وأربك حكومة الرئيسة ديلما، التي قامت بتجنيد وسائل الإعلام، وخاصة السمعية البصرية، للتأكيد على أن البرازيل قادرة على توفير الأمن لكل المنتخبات المشاركة في هذا العرس الكروي، ولكل الزوار الذين سيحجون إلى بلد السامبا من كل أرجاء المعمورة لمعايشة المونديال عن قرب. “بلاتوهات” أغلبية الحصص التلفزيونية في مختلف القنوات العامة والخاصة هنا بالبرازيل، وحتى صفحات الجرائد، تنقل يوميا تطمينات المسؤولين “ومجندون جميعا”، تحت شعار “لا خوف في المونديال”. الكلام.. بالأسلحة النارية بالرغم من إعلان السلطات البرازيلية عن مخططها الأمني بنشر أكثر من 170 ألف عنصر من قوات الجيش والشرطة وقوات الحماية الخاصة لتأمين الملاعب التي ستحتضن المنافسة الرسمية وكافة المنتخبات المشاركة والفنادق والملاعب والطرقات، مع إقامة مركز استخبارات متكامل في كل ملعب يضم عناصر الشرطة وهيئة الدفاع المدني وهيئات أمنية وطبية، إلا أن المتجول في شوارع أكبر مدينة في البرازيل، ساوباولو التي اختار فيها 15 منتخبا، من بينها المنتخب الوطني، الإقامة فيها، يشعر بذلك الإحساس الغريب الممزوج بين الخوف والرغبة في المعرفة، وهو ما نعيشه منذ أن وطأت أقدامنا بالبرازيل. صحيح أن الأمن متوفر في المتاجر الكبرى (كارفور، كيميتي..) والفنادق المصنفة، لكن بمجرد خروجك من هذه المتاجر والفنادق تشعر بالخوف، سواء سيرا على الأقدام أو من خلال تجوالنا بالمركبات، وهو ما أكده لنا فاروق “الخنشلي” المقيم بساوباولو منذ خمس سنوات، قائلا: “أنصحكم ألا تتجولوا ليلا في شوارع ساوباولو وبالأخص فرادى، لأن معدل الجريمة هنا مرتفع للغاية”، مضيفا “هنا المجرمون يستعملون الأسلحة النارية وليس الأسلحة البيضاء، وعليه إذا طلب منكم أحد الأموال فلا تترددوا في منحه ما تملكون، لأنه ببساطة إذا رفضتم فستلقون حتفكم”. زجاج السيارات مستر لتفادي السطو في البداية اعتبرنا تحذيرات فاروق الذي يشتغل في شركة “سامسونغ” الكورية مبالغا فيها، لكن عندما تحدثنا إلى عون أمن في متجر تجاري يدعى بارزيتالو، كرر لنا تحذيرات فاروق نفسها، والأكثر من هذا قال لنا بالحرف الواحد “في السيارات لا تفتحوا المنافذ، لأن اللصوص ينتهزون فرصة توقف المراكب عند الإشارات المرورية، لإشهار أسلحة نارية في وجوهكم لمطالبتكم بالأموال.. وهنا من الأفضل (قالها وهو يضحك) أن تعطوه معروفا لعله يقتنع ويترككم في حالكم..”. وما زاد من اقتناعنا أن الأمور جادة، هو أن جلّ السيارات التي رأيناها في البرازيل تملك زجاجا مستر بالأسود أو بالبني (فومي). وعند استفسارنا لدى سائق أجرة، قال لنا “أغلبية المراكب زجاجها مستر، حتى لا يعرف من يكون خارج المركبة ما بداخل السيارة، وهو ما يقلل نوعا ما من حوادث السرقة”. ويلقى في البرازيل، سنويا، حسب إحصائيات حديثة للأمن البرازيلي، نحو 50 ألف شخص حتفهم، بسبب الجريمة المنظمة. وخلال الأسابيع الأخيرة كان عددهم في مدينة سالفدور دي باهيا وحدها 40 شخصا، وهي المدينة التي يوجد فيها مقر إقامة المنتخب الألماني. هذه الأرقام تحاول السلطات البرازيلية هذه الساعات بكل ما لديها من قوة إخفائها، وهو ما جعلها تركّز على توفير الأمن في المطارات والفنادق الكبرى، وخاصة في مقرات إقامة المنتخبات، كما هو الحال بالنسبة لمقر إقامة “الخضر” في مدينة سوروكابا التي تبعد عن ساوباولو بحوالي 150 كلم. “الخضر” في أمان مدينة سوركابا، المعروفة بصناعة الغزل والنسيج، حتى وإن كانت تبدو هادئة مقارنة بالمدن الأخرى كساباولو، إلا أن السلطات هنا تحاول جاهدة على توفير الأمن للمنتخب الوطني أولا وللصحفيين ثانيا، وحتى للأنصار في حالة توافدهم إلى مقر إقامة “الخضر” التي تبعد عن وسط المدينة بحوالي 5 كلم، كما أنه يمنع منعا باتا التقرب من مقر الإقامة إذا كنت من غير الرسميين. وبالرغم من المظاهرة التي كسرت هدوء هذه المدينة أمس، إلا أن رمييراز، من الشرطة هنا بسوركابا، طمأن خلال حديثه معنا الجميع، قائلا “استمتعوا بوقتكم هنا بالبرازيل، ولا تشغلوا بالكم بهذا الأمر، فالأمن البرازيلي قادر على حماية كل زائر”، قبل أن يضيف فيما يخص مقر إقامة المنتخب الوطني: “قمنا بعد التشاور مع اللجنة المنظمة للمونديال وكذا لجنة من الاتحادية الدولية لكرة القدم وحتى أعضاء من الاتحادية الجزائرية على تسطير برنامج أمني محكم، سنحاول خلاله توفير كل مستلزمات الراحة للوفد الجزائري الذي ننتظره بفارغ الصبر”، خاتما حديثه معنا بالمزاح “حتى أنتم الصحفيين لا تخافوا، فلكل واحد منكم شرطي يؤمّنه، لكن عليكم أن تساعدونا في مهامنا”. أنشر على