ارتبط تأسيس تنظيم “داعش” بالاحتلال الأمريكي للعراق، أي باعتباره فرعا لتنظيم القاعدة في منطقة الشام يضاف إلى باقي الفضاءات النزاعية التي خلقها هذا التنظيم لاستهداف المصالح الأمريكية والغربية بصورة عامة، ومع ذلك يلاحظ أن هناك تطورا مهما قد حدث في هذا التنظيم سواء من حيث طبيعته، أو من حيث سلوكه النزاعي، أو من حيث أهدافه الإستراتيجية، وهذا لا يتعلق فقط بشخصية أبو بكر البغدادي أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة بغداد سابقا، ولكن أيضا بمجموعة من التحولات الإستراتيجية التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط، ومنها الصعود الشيعي المعتمد على الإستراتجية الإقليمية الجديدة لإيران، والتي هدفت إلى استغلال الفراغ الاستراتيجي الذي خلّفه الفشل الأمريكي في العراق، ومن جهة أخرى مراجعة الولاياتالمتحدة لسياستها اتجاه منطقة الشرق الأوسط، والتي توجت باعتماد مبدأ القيادة من الخلف، والذي يعكس رغبة الولاياتالمتحدة في اعتماد إستراتيجية تدخل غير مباشر اتجاه قضايا المنطقة، ثم يضاف إلى ذلك الحراك الثوري العربي، وما خلفه من حالة فشل في العديد من الدول. هذه التغيرات أحدثت تأثيرا كبيرا في تنظيم “داعش” توج بطرح نسق جديد، سواء على المستوى العقيدي أو التنظيمي أو السلوكي، وذلك من حيث: أولا- تحوّل ثقافي: فتنظيم القاعدة كان يعتبر أن العدو الأول هو الحضارة الغربية، والتي يدركها باعتبارها تهديدا للوجود الإسلامي في حد ذاته وخاصة ما تعلق بالسياسات الأمريكية، وهذا ما كان يتبناه تنظيم “داعش” بنسخته القديمة. أما تنظيم “داعش” الجديد فيرى أن العدو موجود داخل الحضارة الإسلامية نفسها، وتحديدا الإسلام الشيعي الذي يعتبره أخطر على الوجود الإسلامي من الحضارة الغربية نفسها، وهذا بقدر ما يرتبط بجوانب إستراتيجية فإنه يعكس تحوّلا ثقافيا عميقا في هذا التنظيم. ثانيا– تحوّل مؤسسي: فتنظيم “داعش” سابقا كان يعتمد طابعا مؤسسا يعتمد شكل تنظيم مسلح، أما في الوقت الحالي فإن تنظيم “داعش” يصرّ على تعريف نفسه باعتباره دولة قائمة الأركان، سواء من حيث رفع شعار الخلافة أو من حيث الحرص على الاستيلاء على أكبر قدر من المساحات داخل الدول التي يوجد بها. ثالثا- تحوّل سلوكي: فتنظيم “داعش” الذي كان يعلن ولاءه لتنظيم القاعدة كان يحرص على تعريف نفسه، باعتباره فاعلا نزاعيا غير نظامي يتبنى ما يسمى في علم النزاعات بإستراتيجية النزاعات اللاتماثلية، أي تلك التي تقوم بين جيوش نظامية وبين فواعل غير نظامية، أما السلوك النزاعي لتنظيم “داعش” الحالي فهو أقرب لسلوك الجيوش النظامية، فهو يتصرف باعتباره جيشا نظاميا لدولة وليس باعتباره فاعلا غير نظامي. باختصار فإن إستراتيجية تنظيم “داعش” الحالي لا تعكس تكيفا لتنظيم إرهابي قديم مع تحوّلات جديدة في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها تفتح الباب لتأسيس ظاهرة إرهابية جديدة لا تستدعي المتابعة الإعلامية فقط، ولكن أيضا الإحاطة الأكاديمية، خصوصا داخل حقل الدراسات الأمنية. *جامعة الجلفة