قال اللّه تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً إِنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} الآية:17-19. يقول الأستاذ راتب النابلسي: قال اللّه تعالى: {فَكَيْفَ تَتّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} الشّيء المألوف أن يظهر الشّيب في الأربعين أو الخمسين أو الستين؛ أي في السن المتقدّمة، أمّا طفل فمن غير المألوف أن يشيب، لذلك قالوا: هذا أمر يشيب له الوِلدان، وقد رئي في شعر النّبيّ بعض الشّيب، فقال: شيّبتني هود، فمَن هي هود ؟ إنها سورة هود، وما الّذي شيّبه فيها؟ إنّه قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} هود:112. {فَكَيْفَ تَتّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} هذا اليوم يوم يقوم النّاس فيه لربّ العالمين، فيحقّ فيه الحقّ، وتسوّى فيه الحسابات، ويأخذ فيه المظلوم حقّه من الظّالم، ويأخذ المغصوب حقّه من الغاصب، وتقوم فيه العدالة الإلهية المطلقة، هذا يوم الدّين. وقوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} إنّ السّماء الّتي خلقها اللّه تعالى وما فيها من مجرات وكواكب تتصدّع من هول هذا اليوم، فكيف بالإنسان؟ وهذا يذكّرنا بقول اللّه تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللّه} الحشر:21. {إِنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} وما أكثر السُّبل إلى اللّه عزّ وجلّ، إنّ التّوبة سبيل، وضبط الأعضاء واللّسان سبيل، وبرّ الوالدين، وتربية الأبناء، وخدمة الزّوجة زوجها، ورحمة الرّجل بزوجته، وإتقان العمل، والصّدق والأمانة، وخدمة الحيوان، والصّلاة والصّيام والصّدق والدّعوة إلى اللّه والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.. كل هذا من السُّبل الموصلة إلى اللّه تعالى.