كشفت سياسة الاتحادية الجزائرية لكرة القدم عن محدوديتها في استمالة اللاعبين الجزائريين الناشطين في مختلف البطولات الأوروبية، خاصة الذين يملكون الجنسية الفرنسية، بعدما تبيّن أن أبرز النجوم من حاملي الجنسية المزدوجة يفضّلون ألوان المنتخب الفرنسي على الالتحاق ب"الخضر". طرحت قضية اللاعب الفرانكو جزائري نبيل فكّير، من جديد، السؤال عن مدى فعالية إنجاز ”الفاف” في وقت سابق، حين نجحت في تمرير ”قانون الباهاماس” الذي يمنح الفرصة للاعبين مزدوجي الجنسية باللعب لمنتخبات بلدانهم الأصلية، في حال عدم حمل ألوان منتخب ”البلد الثاني” بعد سن ال21 عاما، كون ذلك لم يقض نهائيا على التساؤل القائم حول مدى تعلّق هؤلاء اللاعبين بمنتخب بلدهم الأصلي، وعمّا إذا كان خيارهم هو ”خيار القلب” أم أنه يستند إلى جملة من المعايير الأخرى التي تغلّب الجانب ”البراغماتي” على العواطف والوطنية. فكير يُجسّد أفضلية فرنسا على المنتخبات الإفريقية تمديد نبيل فكّير، لاعب نادي ليون الفرنسي، فترة الترقّب إلى ”الوقت الإضافي” واحتفاظه بالقرار الحاسم لنفسه وإرجاء الإعلان عنه في الوقت الذي يُقدّر بأنه مناسب، مؤشّر قوي على أن المنتخب الجزائري بالنسبة لعدد من اللاعبين المغتربين الذين يجدون نفسهم في موضع للفصل والاختيار، يأتي حتما في المقام الثاني مقارنة بالمنتخب الفرنسي، بدليل أن فكّير ”أطلق” بعض المؤشرات التي تكشف بأنه اختار رسميا منتخب ”الديكة” حين قطع الشك باليقين بأن قراره لا علاقة له بخيار القلب وبأنه منح الأفضلية للمنتخبالذي يمنحه فرصا أكبر للتألق والبروز. ورغم أن ”الفاف” في عهد رئيسها محمّد روراوة نجحت في الاستثمار في عدة لاعبين مميزين حملوا ألوان المنتخب الفرنسي ضمن الفئات الشبانية وجلبتهم إلى المنتخب الجزائري قبل سن ال21 عاما، ونجحت أيضا بعدها في الاستفادة من خدمات لاعبين آخرين تجاوزوا سن ال21 عاما وحملوا في الفئات الشبانية ألوان منتخب فرنسا، إلاّ أنها (الفاف)، لم تنجح في الإطاحة بالاتحادية الفرنسية لكرة القدم بالضربة القاضية، كون المنتخب الفرنسي احتفظ بأفضلية التواجد في مقدّمة اهتمامات واختيارات كل اللاّعبين مزدوجي الجنسية سواء من الجزائريين أو غيرهم من القارة السمراء، وهو موقف ضمن لمنتخب ”الديكة” انتقاء أفضلهم وترك البقية لمنتخبات بلدانهم الأصلية، ما يُجسّده اليوم نبيل فكّير المتواجد في وضع نجوم سابقين للفصل من موقع قوة ودون ضغط بين فرنساوالجزائر. زيدان وبن زيمة وناصري ومريم اختاروا منتخب ”الديكة” وإذا كان في السابق أمرا مفهوما التماس الأعذار ل”الفرانكو جزائريين” لتبرير عدم تحمسهم ل”خيار القلب” بحجة فوضى التسيير على مستوى ”الفاف” في تلك الفترة وقلّة الإمكانات والأموال وغياب التنظيم والتأمين وحتى الظروف الصعبة التي مرّت بها الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي، فإن ما يحدث اليوم مع نبيل فكّير لا مبرّر له على الإطلاق، كون ”الفاف” أصبحت من أكبر وأقوى الاتحادات قاريا ويمكن أن تضاهي من خلال الأموال التي تملكها واحترافيتها في التنظيم كبار الاتحادات العالمية، ونجحت في قيادة ”الخضر” خلال السنوات الأخيرة إلى ”العالمية”، ما يعني أن عذر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة الذي جعل نجوما من طراز زين الدين زيدان وكريم بن زيمة وسمير ناصري وكمال مريم يختارون فرنسا، حجب الرؤية عن الواقع وعن الحقيقة وهي أن المنتخب الفرنسي أصبح يزاحم نظيره الجزائري، عند بعض اللاعبين المغتربين، حتى في خيار القلب. وحتى إذا كانت ”الفاف” براغماتية في سياستها لضمان أفضل اللاّعبين للمنتخب الوطني، من خلال استمالة هؤلاء بالوطنية و«خيار القلب” أو باحترافيتها وتنظيمها الجيد وبتأمين كل لاعبيها الدوليين أو حتى بالأموال وعقود الإشهار، إلاّ أن ذلك لا يمكن أن يغطي حقيقة العلاقة بين عدد من اللاّعبين المغتربين مع المنتخب، كون هؤلاء ينظرون إلى القضية من زاوية رياضية وبراغماتية محضة، إلى درجة أن المنتخب لم يعد يختلف عن الفريق عند هؤلاء، كون أي اختيار يجب أن يستند إلى معايير تتعلّق بالمادة وليس العاطفة. ولا يمكن أن نغفل بأن لاعبا مثل علي بن عربية أجبر المنتخب الجزائري على انتظار نهاية الوقت بدل الضائع ليقول له ”نعم” وهو في سن ال32 عاما، حين تأكد بأن أبواب منتخب فرنسا أغلقت نهائيا في وجهه، بينما تردّد عدد من الدوليين الحاليين والسابقين في تلبية دعوة ”الخضر” تحت غطاء مبررات مختلفة، وكل ذلك يخدم الطرح القائم بأن الحديث عن المنتخب الفرنسي فقط من شأنه أن يسيل لُعاب أغلب اللاعبين مزدوجي الجنسية، إلى درجة أنه يغتال حتى اختيار القلب لديهم.