لم أحبذ يوما إطلاق تسمية الصحراء على جنوبنا الكبير. فهذه المنطقة من وطننا الغالي أثبتت ومازالت تثبت في كل زمان أنها جنة خضراء، وأنها منطقة غنية بسكانها العقلاء الحكماء، وبثرواتها وخيراتها الوفيرة، وظلت منذ سنوات مصدر تمويل لاقتصادنا وتحريك عجلة التنمية والحياة، رغم كل ذلك فلا يخفى على أحد أنها لم تنل حقها المستحق من التنمية، ليس بسبب جهوية الحكومة، ولكن لأسباب عديدة، منها سوء التخطيط وسوء التسيير والبيروقراطية وعدم وجود إستراتيجية تنموية ذكية. مخطئ من يظن أن جنوبنا الكبير رغم أجوائه المناخية الصعبة هو مصدر للغاز والبترول فقط، بل إن هذه البقاع المباركة تستطيع أن تخرجنا اليوم من أزماتنا الاقتصادية ويمكنها إذا توفرت الإرادة والعزيمة وحسن التدبير والتخطيط أن تخلصنا من التبعية المفرطة للريع النفطي، ويمكنها أن تغنينا عن الكثير من المصادر الطاقوية الزائلة والملوثة للبيئة بفضل الطاقات النظيفة والمتجددة التي تتوفر عليها. ففي الوقت الذي تحدث الكثيرون عن قرب نضوب مخزون النفط والغاز في بلادنا ها هي الدراسات تشير إلى أن الجزائر قد تكون صاحبة ثالث احتياطي للغاز والبترول الصخريين طبعا، بغض النظر عن التكاليف الباهظة والأضرار التي تنجم عن استغلال هاذين الموردين في وقتنا الحالي وبالتكنولوجيا الحالية. وهنا بالمناسبة لابد أن نحيي المواطنين الذين طالبوا وبطريقة حضارية سلمية الحكومة بالتوقف عن أي دراسة أو استغلال للطاقات الصخرية لِمَا ثبت من أضرار بيئية لها خاصة على المياه الجوفية، وهنا لابد أن نؤكد على نقطة ايجابية وهي أن المهم حاليا هو توفر هذه الثروة في بلادنا، والتي بلا شك سنحتاجها يوما ما وستكون ذخرا للأجيال المستقبلية ولا شك أن التقنيات التكنولوجية المستعملة في الاستغلال ستتطور مع مرور الوقت وما هو ضار اليوم قد يزول ضرره في الغد، فالضرر والتلوث ليس صادرا من هذه الطاقة الجوفية في حد ذاتها ولكن من التقنية المستعملة في الاستخراج، ونذكر هنا على سبيل المثال التكنولوجيا النووية التي كانت حين اكتشافها لا تتعدى الاستخدامات العسكرية التدميرية الشاملة، ثم ما لبثت مع التطور العلمي حتى أصبحت في خدمة البشرية وتم استغلالها للأغراض السلمية كإنتاج الكهرباء وغيرها من الاستخدامات. ومما يؤكد أيضا أن جنوبنا الكبير جنة خضراء فيها من النعم ما لا يحصى ولا يعد تلك الشمس الساطعة الحارة، التي كان يظن بعض قاصري النظر أنها فقط مصدر للحرارة الخانقة، ولكن الحقيقة تقول غير ذلك فلو انطلقنا في مشاريع الطاقة الشمسية في صحرائنا الشاسعة فإننا نستطيع أن نوفر من الكهرباء النظيفة المتجددة ما يمكنه أن يمول الشمال الإفريقي بأكمله وأوروبا الغربية طوال السنوات القادمة، ويمكن لمشروع مثل هذا أن يعزز مداخيل اقتصادنا الوطني بالطبع خارج إطار المحروقات ويمكنه أن يوفر الآلاف من مناصب العمل. وإذا عدنا إلى مستقبلنا الاقتصادي التنموي الذي أثبتت الأزمة البترولية الأخيرة أنه مبني على أساس هش ومعرض للهزات الخطيرة، فلابد أن نعرج أيضا على قطاع مهم يستطيع أن يساهم في إنهاء تبعيتنا للنفط وهو القطاع الفلاحي الزراعي، وهنا يبرز الدور الذي كان من المفروض أن تلعبه صحراؤنا الشاسعة التي أثبتت منذ سنوات أنها ميدان خصب للفلاحة إذا تم استصلاحها وتوفير الإمكانيات لها. ولا يخفى على أحد الآن أن الكثير من المحاصيل الفلاحية يتم إنتاجها في مزارع الجنوب، ومازالت الفلاحة تقدم الكثير في ظل الدراسات التي تشير إلى أن جنوبنا ينام على بحيرة عظيمة من المياه الجوفية وتقدر احتياطاتنا في المرتبة الثانية عالميا بعد ليبيا، ولو أن المسؤولين في بلادنا توجهوا إلى تنمية هذا القطاع واستثمار هذا المخزون المائي الهام في الفلاحة وتوجيهها نحو الشمال لسقي الأراضي الفلاحية الخصبة فدون شك سننجح في حماية أمننا الغذائي وليس فقط تحقيق اكتفائنا الذاتي بل يمكننا التصدير للخارج. ولن نزيد هنا للشعر بيتا إذا قلنا أن صحرائنا تتوفر على مصادر أخرى يمكنها أن تساهم في تنمية وطننا جنوبا وشمالا شرقا وغربا وتوفير مداخيل هامة لاقتصادنا خارج إطار المحروقات، وهنا نذكر السياحة وما أدراك ما السياحة الصحراوية التي هي حلم كل أوروبي يطوق لأشعة الشمس الدافئة، ولو توفرت الهياكل والمرافق والظروف لاستطاع جنوبنا أن يكون منطقة جذب سياحي عالمي، لكن للأسف حتى هذا المورد المهم ضاع منا لعدة أسباب يطول ذكرها. كما لا ننسى ما تزخر به مناطقنا الجنوبية من مناجم للذهب والمعادن النفيسة ومن توفر للمواد الطاقوية الثمينة على غرار اليورانيوم والبلاتينيوم. نعم، صحراؤنا الغالية العزيزة لم تكن يوما صحراء إلا في عيون قاصري النظر الذين استنزفوها، ولكنها في الحقيقة جنة خضراء لبعيدي النظر وأصحاب التفكير المنطقي والتخطيط الاستراتيجي، ولولا تلك العقول تقليدية التفكير التي فشلت في التخطيط للتنمية المستديمة في بلادنا لكنا اليوم أفضل حالا ولما وقعنا في أزمة سببها انهيار أسعار منتوج تتحكم فيه البورصات العالمية بما يخدم مصالحها، ولولا تلك العقول المتأخرة الفاشلة لما وضعنا مصير شعب بأكمله في يد دول وقوى عالمية تتطاحن من أجل مصالحها على حساب لقمة الأمم الضعيفة المستضعفة. وفي الأخير لا يسعنا كمواطنين نريد الخير لوطننا إلا أن ننادي بأعلى صوت كفانا من الفشل وسوء التخطيط والتسيير. [email protected]