تكاد تكون ملامح الرئاسيات القادمة مكتملة، إلا إذا حدث طارئ وانقلبت الموازين في الأيام التي تفصلنا عن موعد غلق قائمة معتزمي الترشح، وقد اكتمل غياب المعارضة الإسلامية عن الموعد الرئاسي في انتظار اكتمال غياب المعارضة الديمقراطية المؤجل بفعل صمت الأفافاس. وما عدا سيناريو العهدة الرابعة، فإن أي رئيس جمهورية سيأتي بعد 17 أفريل المقبل سيكون بحاجة إلى إشراك المعارضة في الحياة السياسية، إلا إذا كانت إرادة العودة إلى الحزب الواحد مستمرة عند أصحاب القرار. وهذا الاحتمال مستبعد بالنظر إلى خطاب معتزمي الترشح، من جيلالي سفيان ولويزة حنون المترشحين بإسم حزبيهما إلى علي بن فليس وأحمد بن بيتور اللذين ترأسا الحكومة سابقا... حيث يؤكد كل هؤلاء على ضرورة الانتقال الديمقراطي. وكيف سيكون مستقبل المعارضة الديمقراطية وفق هذا السيناريو؟ رغم تعدد الأصوات المتحدثة بإسم التيار الديمقراطي، فإن حزبي الأفافاس والأرسيدي يبقيان الإطارين السياسيين اللذين يعكسان التجاذبات الحاصلة داخل هذه العائلة السياسية. ولأن كلا الحزبين حصرت السلطة تمثيلهما تقريبا في منطقة القبائل، فمن واجب الديمقراطيين اليوم أن يلتفوا حول الأفافاس والأرسيدي لإخراجهما من الخندق القبائلي بعدما فشلت السلطة في جعل الأرندي قوة سياسية تمثل الصوت الديمقراطي في الجزائر وجعلته مجرد شركة إدارية تصفى من خلالها صراعات النظام مثله مثل الأفالان. كما فشلت مساعي جمع الأفافاس والأرسيدي في حركة سياسية مشتركة، كون التنافس بين الحزبين هو مرآة للتعددية الفكرية والسياسية التي يفترض أن تسود في مجتمع ديمقراطي. لكن في مجتمع خرج من الأحادية الحزبية والأحادية الفكرية، وجد الديمقراطيون أنفسهم في جزيرة معزولة اسمها منطقة القبائل يتنافسون فيها على ما لا يتجاوز 20 في المائة من الهيئة الناخبة الإجمالية الموجودة في الجزائر. ولا داعي للحديث عن مستقبل التيار الديمقراطي إذن إذا غابت الإرادة لدى السلطة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في الجزائر. أما إذا توفرت هذه الإرادة بعد أفريل 2014، فيمكن أن تتحول القطبية الثنائية بين الأفافاس والأرسيدي من عامل ضعف إلى عنصر قوة يمكن بناء تجربة ديمقراطية نموذجية على أساسه. والمساعي التي يقوم بها الأرسيدي حاليا مع مجموعة من الأحزاب والشخصيات الوطنية كفيلة مقابل صمت الأفافاس حيال كل ما يجري حول الانتخابات الرئاسية القادمة، تحت شعار ”البحث عن الإجماع الوطني” قد تسمح بتجاوز التصنيف التقليدي للطبقة السياسية الجزائرية لتظهر تصنيفات جديدة قائمة على المصالح التي تمثلها كل عائلة سياسية والأفكار التي تقدمها للمشاكل الملموسة كمشكل الملكية ومشكل دور الدولة في الحياة الاقتصادية... وليس على أساس ما يدور في قلوب الناس من نوايا حسنة أو سيئة وانتمائهم الجهوي والعشائري.