حظيت رئاسيات أفريل 2009 باهتمام الصحافة الفرنسية، حيث وجدت في هذا الحدث السياسي الهام، مادة إعلامية غنية، خصصت لها، على مختلف توجهاتها السياسية والفكرية، أكثر من تعليق وتقرير وكعادتها لعبت هذه الصحافة على كل الحبال، لتخلص في النهاية إلى أن المقاطعة ستكون كبيرة، بالمقابل كانت الانتخابات فرصة سانحة لها للعودة إلى فتح ملفات أغلقتها الجزائر منذ وقت طويل على المستوى الرسمي والشعبي. الوجه الآخر لحرية التعبير كثيرا ما تتغنى الصحافة الفرنسية بحرية التعبير والحيادية والموضوعية وفي كل مرة تحاول أن تعطي للجزائريين دروسا في ذلك، سواء بنقد الطبقة السياسية أو النظام أو نقد الطبقة المثقفة أو النخب التي لا تميل ميلها وقد أثبتت هذه الصحافة بما لا يدع مجالا للشك أنها بعيدة كل البعد عن حرية التعبير، خاصة إذا تعلق الأمر بالخطوط الحمراء الممثلة في الاستقرار السياسي للوطن ووحدة ترابه وسياسته الخارجية، مهما تعارضت مع المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية. ما يثبت ما سبق تجاهل هذه الصحافة للعدوان الإسرائيلي على غزة وموقفها المفضوح من الجرائم المرتكبة التي عارضها حتى بعض اليهود المعتدلين، بينما لم تحرك هذه الصحافة التي تدعي حرية التعبير ولو نقاشا بسيطا حول الأحداث وفظاعة جرائم إسرائيل ولو على المستوى الأخلاقي، الإنساني وحتى المهني. نفس الصحافة الفرنسية لا تتوانى أن تحشر أنفها في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص السياسات الخارجية لبعض الدول، كتدخلها في الشأن اللبناني، لكن أكثر ما تحرص على تناوله بالتحليل والنقد هي السياسة الجزائرية وكل ما يتعلق بالجزائر، طبعا إلا إذا تعلق الأمر بالمظاهرات الحاشدة الدّاعمة لغزة، فهذا ليس حدثا مهما بالنسبة لها. الانتخابات الرئاسية الجزائرية على الأبواب ومجهر الصحافة الفرنسية سلّط هذه المرة على جهات مختلفة، فالمادة الإعلامية غنية وتستحق أكثر من تعليق وتقرير وكعادتها لم تقدم الصحافة الفرنسية التي تحترم مبادئ الخبر نظرة متوازنة للحدث، فإن كان بعضها يرى أن بوتفليقة لم يقدم شيئا للجزائر طيلة السنوات الماضية، فهي لم تقدم جوابا عن كيفية توقف حمام الدماء الذي أفردت له صفحات وصفحات وملفات وحصص وتحاليل سابقة، لم تشرح لنا ما هذه المعجزة التي أوقفت القنابل التي كانت الحدث اليومي للجزائريين والمادة الدسمة للإعلاميين في العالم أجمع، بل لم تجبنا وهي التي أطلقت شعار "من يقتل من"، كيف وصلت الجزائر إلى الحل وأغلقت هذا الملف والتفتت إلى ما هو أهم ألا وهو التصالح بين الجزائريين والانطلاق في مرحلة البناء والتشييد. "لوموند" والرقص على كل الأوتار المتصفح للصحافة الفرنسية هذه الأيام والجزائر مقبلة على انتخابات رئاسية هامة وتسعى بكل الطرق إلى تكريس الاستقرار والتوجه إلى طريق واضح الرؤى والمعالم، لا يهم فيها الفائز، المهم أن يدرك الجزائري أن ما يقرر في هذه الانتخابات هو مصيره، كما أنها تعبيرا عن إرادته في اختيار من يقوده في مسار التنمية وإعادة الثقة بالدولة وهياكلها، هي بالنسبة للصحافة الفرنسية الفرصة السانحة للعودة إلى فتح ملفات أغلقتها الجزائر منذ وقت على المستوى الرسمي والشعبي. انطلاقا مما سبق لم تخف جريدة "لوموند" موقفها من الانتخابات الرئاسية ليوم 09 أفريل، فقد خرجت بمقال في اليوم الموالي لإعلان بوتفليقة ترشحه، عن مقاطعة بعض الأحزاب للرئاسيات منها الأفافاس، حيث ترى الجريدة أن اختيار هذه الأحزاب للغياب عن اللعبة الانتخابية يعود إلى إدراكها وتيقنها من أن اللعبة محسومة لصالح مترشح واحد، لكنها بالمقابل لم تشر إلى أن الأفافاس غائبا فعلا عن الحياة السياسية منذ وقت طويلا وأن الجيل الذي جاء بعد 1990 ويبلغ اليوم 19 سنة لا يعرفه. الغياب المتواصل على الساحة الشعبية والقاعدية هي المقاطعة الحقيقية، فالأفافاس ذو الرصيد التاريخي ليس هو نفسه اليوم حتى في منطقة القبائل التي كان يمثلها، وما على "لوموند" التي تنعت هذه الأحزاب بالكبيرة إلا تصفح تاريخ التعددية الحزبية في الجزائر منذ 1992، لتدرك أن هذه الأحزاب التي تقاطع اليوم، قد قاطعها الشعب منذ وقت طويل واستمرارها في العمل السياسي يبقى شكليا، وربما هي مدركة لذلك، لكنها اعتادت اللّعب على هذا الوتر والتركيز بالأخص على تأثير هذه الأحزاب في منطقة القبائل، إلا أن المتتبع للتطورات على الساحة السياسية في منطقة القبائل يدرك أن الغياب المستمر أفقد هذه الأحزاب مصداقيتها، أما الأرسيدي فقد كانت لمواقفه المتناقضة من مسائل كثيرة في السلطة وخارجها الضربة القوية التي قضت على علاقته مع القاعدة الشعبية أما لدليل على افتقار هذه التشكيلات إلى الدعم الشعبي الذي تروج له الصحافة الفرنسية، هو غيابها في ما عرف بأحداث القبائل 2001 والتي أفرزت تيار "العروش" ولم تستطع هذه الأحزاب حتى التكلم باسم المنطقة وبقي نشاطها محصورا في العاصمة بعيدا عن الواقع الحقيقي، لتتغنى بديموقراطية غائبة في أطرها وهياكلها، ما يفسر بقاء سعيد سعدي الذي ينتقد ترشح بوتفليقة لعهدة ثالثة على رأس الحزب منذ 20 سنة ونفس الشيء بالنسبة لآيت أحمد الذي يستأثر بالحزب منذ الاستقلال. "لوموند" رقصت على كل الحبال، لكن لم تنس عاداتها القديمة وموقفها من الوضع الأمني في الجزائر فألحقت خبر مقاطعة الانتخابات من طرف من أسمتهم بالأحزاب المهمة، بعنوان فرعي أقل ما يقال عنه أنه استفزازي: "بداية حملة دموية" في وصفها لعمليتين إرهابيتين بتبسة واللتان تزامنتا مع إعلان بوتفليقة لترشحه ورغم أنها لم تربط العمليتين بترشح بوتفليقة مباشرة، إلا أن إلحاقها الخبر بموضوع الرئاسيات وفي نفس المقال، يجعل القارئ يربط الأحداث ببعضها، لتكون قد أوصلت الرسالة التي أرادت بطريقة ملتوية لكنها مفهومة، ليبقى الوضع الأمني ومنطقة القبائل وأحزابها، الأوتار الحساسة التي تعزف عليها "لوموند" في كل مرة. الصحافة الفرنسية ودعاة المقاطعة أولت اليوميات الفرنسية أهمية كبيرة لما سمي بتيار دعاة المقاطعة وأفردت له صفحات وتحاليل لإبراز آراءه ومواقفه، مستعملة الحيل الإعلامية التي لم تصبح خافية على أحد، كأن تنسب المواقف للجزائريين وأوساط وأقلام جزائرية، متبنية ضمنيا هذه المواقف، لأنه في الواقع لا نجد في الصحافة الفرنسية غيرها. فقد علقت يومية "لومانيتي" في مقال حول الانتخابات الرئاسية القادمة على إعلان ترشح بوتفليقة بأن "اللعب مغلق"، حيث ركّزت على تيار دعاة المقاطعة الذي حصرته في حزبي الأفافاس والأرسيدي على أساس أن الانتخابات محسومة ووصفتها ب"السيرك" الذي يرفض كل من الحزبين الدخول فيه أو التورط في ألعابه المكشوفة، كما تطرقت إلى رفض بعض الشخصيات السياسية الترشح كجاب الله. رغم أن الجريدة تعتمد على نقل ما تقدمه الصحافة الجزائرية كنوع من تبرئة الذمة والحياد، إلا أنها تنقل في الواقع ما يعبر عن موقفها، لهذا لا نجد آراء أو تحاليل مخالفة لاعتقادها، لتخرج في النهاية بخلاصة أن المنافس الوحيد الذي سيواجهه بوتفليقة هو الامتناع أو العزوف الانتخابي. إن كانت الصحيفة السابقة أعطت أهمية لدعاة المقاطعة وأسمت الأشياء بمسمياتها، فإن يومية "ليبراسيون" وفي مقال تحليلي معمق تحت عنوان معلق "لن تكون عهدتين لبوتفليقة دون ثالثة" على شاكلة المثل الفرنسي "لا توجد اثنان دون ثلاثة" وعنوان رئيسي "رئيس الدولة يترشح بعد 10 سنوات للسلطة"، قدمت الصحيفة أسباب المقاطعة ولماذا قد تفشل الانتخابات، حيث أشارت في بداية مقالها إلى مسألة رأتها "أساسية" وهي أن "بوتفليقة لا يريد ترك الكرسي بعد 10 سنوات من الحكم"، لتنطلق في تحليل الوضع وتعود إلى فترة الراحل هواري بومدين عبر عنوان فرعي لا يبتعد عن الطرح العام: "لماذا بوتفليقة متمسك بالسلطة؟"، فقد اعتبرت وعكس البعض من الصحف أن الحالة الصحية للرئيس هي السبب في تمسكه بالسلطة وهو طرح ساذج يفتقد إلى المنطق والتحليل السياسي والإعلامي المحترف، لأن بوتفليقة له أسباب أهم وأعمق من هذه الرؤية الضيقة، تتعلق بالأخص بإتمام ما بدأ فيه منذ عشرية وهو ما أكده في خطاب إعلان ترشحه. الصحيفة تعود في آخر المقال إلى التذكير برأي من أسمته ب"أغلبية الشعب الجزائري" التي ترى أن الأمر قد حسم لصالح مترشح واحد ولا أحد يغامر بمستقبله السياسي أمام بوتفليقة المدعوم من طرف أهم الأحزاب والجهاز العسكري في الجزائر، لكن "ليبراسيون" لم تشر إلى الكيفية إلتي حصلت بها على رأي أغلبية الجزائريين وهو الوصف المبالغ فيه والذي يفقد الصحيفة المصداقية الإعلامية والحياد والموضوعية في الطرح. يومية "جورنال كريتيان" وتحت عنوان "مسيحيي الجزائر والعهدة الثالثة لبوتفليقة" ركزت في مقالها المتعلق بترشح عبد العزيز بوتفليقة بقولها "أن المسيحيين لن ينتظروا شيئا جديدا من العهدة الثالثة لبوتفليقة" وإن كانت الصحيفة من حقها أن تبحث عن رأي المسيحيين الذين يعيشون في الجزائر، فالحقيقة أن ذلك كان مجرد توطئة لجلب انتباه القارئ للمقال، لأنها ما برحت أن خرجت عن موضوع عنوانها الرئيسي لتدخل في تفاصيل ترشح الرئيس ومجريات الحملة وما قبلها، لتصف حفل القاعة البيضاوية بأنه يشبه التجمعات التي ينظمها نظام كوريا الشمالية ولم تتوانى في التشكيك حتى في الحضور القوي للشباب إلى الحفل وتساءلت بماذا وعدهم بوتفليقة ليحضروا الحفل بقوة؟ كما لا تنسى الصحيفة أن تعرّج على التشكيك في المشاركة القوية للجزائريين في هذه الانتخابات بالنظر إلى ما سبق ذكره.