صيد بحري: بداني يؤكد حرص قطاعه على تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للصيادين    ضرورة إدراج اللمسة التقليدية في الهندسة المعمارية في مشاريع قطاع السياحة    العدوان الصهيوني على غزة: 175 شهيدا في صفوف الاعلاميين    الجائزة الدولية الكبرى لانغولا: فوز أسامة عبد الله ميموني    خلال تصفيات "كان" 2025 : بيتكوفيتش يسعى لتحقيق 3 أهداف في مباراتي توغو    الجزائر تعرب عن قلقها العميق    أوّل لقاء إعلامي للرئيس في العهدة الثانية    نهب ثروات الشعب الصحراوي: "إيساكوم" تشيد بحكم المحكمة الأوروبية وتدعو الأمم المتحدة لأخذه بعين الاعتبار    دعم عربي لغوتيريش    إسقاط التطبيع واجب حتمي على كل الشعب    تنظيم مسابقة وطنية لأحسن مرافعة    التوقيع على اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة غليزان والوكالة الوطنية لدعم وتطوير المقاولاتية    ما حقيقة توقيف إيمان خليف؟    السيتي: محرز ساحر العرب    افتتاح مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    أسئلة سيواجهها المجتمع الدولي بعد أن ينقشع غبار الحرب    رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    المجلس الشعبي الوطني عضو ملاحظ دائم لدى برلمان عموم أمريكا اللاتينية والكاريبي "البرلاتينو"    انضمام الكونفدرالية الوطنية لأرباب العمل الجزائريين لمجلس التجديد الاقتصادي الجزائري    هادف : اللقاء الدوري لرئيس الجمهورية مع الصحافة حمل رؤية ومشروع مجتمعي للوصول إلى مصاف الدول الناشئة في غضون سنة 2030    أوبك: توقعات بزيادة الطلب العالمي على الطاقة ب 24 بالمائة بحلول 2050    الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي السنة القادمة    رئيس الجمهورية: متمسكون بالسياسة الاجتماعية للدولة    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    تونس: انطلاق عملية التصويت للانتخابات الرئاسية    رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر تواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    محلات الأكل وراء معظم حالات التسمم    مراد يتحادث مع المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة    الكشف عن قميص "الخضر" الجديد    المعارض ستسمح لنا بإبراز قدراتنا الإنتاجية وفتح آفاق للتصدير    انطلاق الطبعة 2 لحملة التنظيف الكبرى للجزائر العاصمة    عدم شرعية الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المغرب.. الجزائر ترحب بقرارات محكمة العدل الأوروبية    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    سوق أهراس : الشروع في إنجاز مشاريع لحماية المدن من خطر الفيضانات    البليدة..ضرورة رفع درجة الوعي بسرطان الثدي    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية : ندوة عن السينما ودورها في التعريف بالثورة التحريرية    الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف، مولودية قسنطينة ونجم التلاغمة في المطاردة    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    تيميمون: التأكيد على أهمية التعريف بإسهامات علماء الجزائر على المستوى العالمي    بداري يعاين بالمدية أول كاشف لحرائق الغابات عن بعد    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 41825 شهيدا    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص وإصابة 414 آخرين بجروح خلال ال48 ساعة الأخيرة    يوم إعلامي لمرافقة المرأة الماكثة في البيت    إحداث جائزة الرئيس للباحث المُبتكر    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    سايحي: الشروع قريبا في تجهيز مستشفى 60 سرير بولاية إن قزام    استئناف نشاط محطة الحامة    افتتاح الطبعة ال12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العهدة الرابعة: الجريمة الأخلاقية (1)
نشر في الخبر يوم 09 - 03 - 2014

لقد حدث، في مراحل حرجة من حياة البلاد، أن استشرت، من بين آخرين، للإدلاء برأيي وفي كل مرة، استجبت وأنا أحمل أفكار سيناريوهات ممكنة، أصنفها، في رأيي، من الأفضل إلى الأسوأ، وكنت كل مرة أندهش من أن ما صنّفته على أنه الأسوأ وأبغض الحلال، هو ما يتم الإجماع عليه والاتجاه نحوه. خلال الأشهر الماضية (بين جوان وسبتمبر)، تدخلت في جريدة ”لوسوار دالجيري” وقناة النهار (حصتين) مدافعا عن تعديل الدستور لوقاية البلاد وتأمينه إلى غاية انتهاء عهدة الرئيس، وموضحا موقفي ضد احتمال عهدة رابعة.
كان بإمكان رئيس الجمهورية، بعد عودته من باريس جويلية 2013 الماضي وقبل دفعه ملف ترشحه في مارس 2014، أن يشرع في تعديل الدستور، على الأقل لإحداث منصب نائب الرئيس من أجل تجاوز الحديث عن المادة 88
(وتأمين البلاد إلى غاية نهاية عهدته الحالية. لكنه اختار، ولسبب لم أفهمه آنذاك، أن يترك البلاد تسعة أشهر عرضة للخوف من مصير مجهول. لو أحدث ذلك المنصب، لطمأن المعارضين لعهدة رابعة وأبعد شبح المجهول المحدق بالبلاد إلى حد اليوم. هل أن رغبة الرئيس في البقاء في السلطة تتنافي تماما مع مصلحة البلاد، أي لا تحدث هاته إلا بإلغاء تلك؟
نقرأ ونسمع مؤخرا سفسطة قانونية كثيرة حول ترشح الرئيس، يساهم أصحابها في إخلاط الأمر أكثر ويحمّلون الدستور الوضعية الجنونية العبثية التي نعيشها اليوم، وكأننا في رواية لكافكا. هم دخلوا في اعتبارات غريبة حول ما يسمح به الدستور وما لا يسمح به، ما يقبله وما لا يقبله، ما قاله بصريح العبارة وما سكت عنه. وفي هذا كله، ننسى أصحاب الألعوبة وسبب الجريمة. لقد سمعنا من يقول أن البلاد يمكنه الاستغناء عن اجتماع الرئيس بوزرائه في مجلس الوزاري، وبأن كل شيء يسير عاديا، ”نورمال”، رغم غياب الرئيس، وهذا ما معناه أن البلاد لا تحتاج إلى رئيس. وهي الترهات التي تحضرنا لما هو أكثر هراء، حيث يقولون أن الدستور لا يمنع الرئيس من الترشح ما شاء، دون النظر إلى حالته الصحية، ويقولون بأنه يطالب بتقديم شهادة طبية دون الدخول في التفاصيل، وبأنه لا يفرض على الرئيس النطق بترشحه شخصيا ولا بالذهاب إلى المجلس الدستوري برجليه، ولا يحتاج إلى الخوض في الحملة الانتخابية، ويمكنه آداء اليمين الدستوري وهو جالس.. سمعنا ما لا يعقل وما لا يتصور من رجال شربوا ماء وجههم خدمة لأسيادهم ومصالحهم. نعم ذهب كل واحد منهم بتفسيراته الغريبة وقلبوها من كل النواحي وكأن المشكلة مشكلة قانونية، كلا إن المشكلة ليست قانونية بل أخلاقية. إنها تكمن في حقيقة أرادوا إخفاءها بكل ما أوتوا من قوة بالحيلة وفبركة صور تلفزيونية تثير الشفقة إن الرئيس بوتفليفة لم يعد يمكنه الحكم.
سمعت من يعارض العهدة الرابعة، في التلفزات ينفون أي عداوة لشخص الرئيس ويكررون أن لديه الحق في الترشح وأن كل ما في الأمر أنه مريض ولم تعد لديه القوة الجسدية والمعنوية للقيام بمهمة الرئيس. لم أسمع أحدهم يقول : ليس له الحق الأخلاقي لذلك. بالفعل، لا قانون يمنع الرئيس يوتفليقة من الترشح لعهدة رابعة بعد أن عدّل بنفسه الدستور لهذا الغرض بالذات، لكن ما كان يجب أن يمنعه هي الأخلاق والحياء وعزة النفس، أو على الأقل التفكير ولو للحظة في مستقبل البلاد. وعوض أن يحرج الأطباء والحقوقيين، فإن عين العقل كان يملي عليه أن يمتنع وهو يعرف نفسه مريضا ومنقوصا ومقعدا. وسواء كان هو من أصرّ على البقاء في الحكم أو دفعه من حوله لا يغيّر في الأمر شيئا. أعرف أن الأخلاق لم تكن أبدا في حسبان السلطة في الجزائر، ولم توليه يوما اعتبارا ولو طفيفا، مع أن الأخلاق هي التي أسّست للحضارات قديما والديمقراطيات حديثا، وسميت بكل ما يمت لها بصلة: العقل، المزايا، الأخلاق الحميدة، القيم، الحياء.. هي غير مكتوبة وغير مرغمة قانونيا ولا يقاضى من أخلّ بها شرعيا، لكنها هي القاعدة التي تبنى عليها كل القوانين، وشيدت بها كل الحضارات والديمقراطية والمواطنة والسياسة. إنها أساس كل التشريعات في كل الدول وفي كل الأزمنة. إنها ”روح القوانين”. فإذا كان ظاهر القانون الجزائري يسمح لبوتفليقة بالترشح وعمره 77 سنة وثلاثة أرباعه مقعد، فإن روح القانون الإلهي والبشري منه، هنا في الجزائر وفي غير الجزائر، في زماننا وغير زماننا، يحرم عليه الترشح.
يمكن أن نقترف جريمة أخلاقية ذات النتائج الوخيمة دون المساس بأي قانون أو دستور. في اليونان القديمة، يحكى أن سولون، أب القانون لديهم، سئل عن نسيانه جزاء من قتل أباه، فأجاب: ”إنني لم أنسها، لكنني أتمنى أن هذه الجريمة لن تقترف أبدا”. فماذا يمكن أن نضعه في الدستور الجزائري لاتقائنا شر الجهل والنية السيئة والجنون والحيلة وقطّاع الطرق؟
لو حدث وأن تكرست سابقة العهدة الرابعة، يمكن لمن أراد أن يرتكب كل جريمة وكل رذيلة في المستقبل. كل من تسوّل له نفسه القيام بشيء مخلّ بالأخلاق والعقل، سيتّكئ على سابقة اسمها العهدة الرابعة ويختلق الأسباب التي يراها مناسبة. وحتى بوتفليقة نفسه سيقول محقا لو سئل: ”أنظروا إلى من سبقوني، لقد عدّلوا الدستور كل على مقاسه ولم يتركوا السلطة إلا ميتين (بومدين وبوضياف) أو مرغمين (بن بلة، الشادلي، زروال). لكن السؤال الذي نطرحه هو: لماذا ننظر فقط في جهة الغلط والشر؟ لماذا لا نبدع في الخير ونذهب نحوه؟ لما لا نمد للجزائر أمثلة سامية جديدة تكرس احترام القانون وروح الفناء والتعالي والزهد في المصالح الضيقة والشخصية؟ خاصة عندما يبلغ الإنسان من السن ما يجعله لا ينتظر من الحياة أن تقدّم له أكثر.
فإذا ما نجح اغتصاب القانون والأخلاق أمام أعيننا، وإذا ما تركنا عقدة تنمو في أنفسنا أمام أشخاص، مهما كان عددهم وعدّتهم، تدفعهم مصالح بخسة، أو غير واعين يصرخون بأعلى أصواتهم أنهم يساندون الرئيس حيا أو ميتا، فاعلموا أن كل شيء مسموح في المستقبل. فيأتي من يريد إقامة مملكة أو تنصيب نفسه ”أقليد” ومن يحن إلى إقامة الخلافة مثل ما حدث البارحة. إن نظام القيصر إنما ولد من رحم سابقة أحدثها جوليوس عندما خالف قاعدة بسيطة، فأتى بعده قياصرة استندوا إلى مثاله للتمادي أكثر في التفرّد بالسلطة إلى أن اندثرت الامبراطورية الرومانية. ولنتذكر مثال معاوية ابن أبي سفيان الذي كرّس الخلافة الوراثية بدل الخلافة بالاختيار والتشاور. ومنذ ذلك الوقت، أي بضع سنوات بعد وفاة الرسول الكريم إلى يومنا هذا، ترسّخ النظام الوراثي في البلدان الإسلامية، وبسببه أيضا انقسم الإسلام إلى سنّة وشيعة وخوارج. ولنعد إلى قضية العهدة الرابعة لنقول أنها اعتداء مبرح على المبادئ والأخلاق السياسية، يتدافع المساندون لها ويبرزون ”أفضل” ما لديهم، أي أثقل عيارات الجهل وأبشع صور اللاحياء وأعنف تعد لفظي، وأكثر من كل هذا أكبر احتقار وإهانة للجزائريين الذين لا يفكرون مثلهم. ألم يصرخ عمارة بن يونس بكل قواه: ”يلعن بو ألي ما يحبّناش؟”. عجب أن يكلّف من ذكرت أسماؤهم في فضائح المال والرشوة بإدارة حملة الرئيس وكأن ذلك هو معيار الاختيار الأنسب وضمان التضامن فيما بينهم وعقد تقاسم السلطة في المستقبل.
ولننظر إلى المستقبل. فبمجرد أن يتم ”انتخابه” للعهدة الرابعة، سيختفي الرئيس ولن يرى أنه مدين لأحد بأي شيء. سيمكنه البقاء في الخارج ما يحلو له أو يمكث في بيته للعلاج والراحة. ولن يمس بذلك الدستور في شيء، حسبه، وحسب من ناصروه. وهو إذ قدم إلى المجلس الدستوري وبذل ذلك الجهد الجهيد وتحدّث بضعة ثوان، إنما كان ذلك آخر معركة خاضها للفوز بالعهدة الرابعة. أما بعد ذلك، فإنه معفى من كل واجب: لن يعاقب أحدا ولن يراقب شيئا. لن يمثلنا في الخارج ولن يحتفي بالأعياد الوطنية والدينية، لن يدشن... ومثل كل البشر وخاصة بعد وعكته الصحية، لا ينتظره شباب زاهر بل شيخوخة وهرم.
وبالتالي، فإن السلطات الرئاسية ستعود إلى أشخاص آخرين، مجهولي الهوية، لم ينتخبهم الشعب ولا يمكنه محاسبتهم، فلن يعد أحد مسؤولا عن أي شيء. إنه لمصير خطير ومذل للجزائر. ولا أرى سوى حلين قانونيين لمنع هذا السيناريو:
أن يعلن المترشح بوتفليقة نفسه، في انتفاضة ضمير، عن انسحابه لأسباب صحية. أن يحكم أعضاء المجلس الدستوري (وليس رئيسه حيث لا ننتظر شيئا من هذا القبيل من طرفه) ضمائرهم الوطنية والأخلاق، ويرفضوا ملف المترشح بوتفليقة لسبب طبي.
لكننا في الحقيقة، لا نؤمن كثيرا بهذه الإمكانية. وبعدها ندخل في المجهول وفي عهد الرعاع وبلطجة الدولة.
في السنوات الأخيرة، افتخرنا بعدم حدوث ”الربيع العربي” عندنا، لكننا اليوم نستعد لمفاجأة العالم بانتخاب رجل لم يعد يملك قواه العقلية والجسدية على رأس بلدنا المسكين. لكن، وفي خضم هذا، نرى، ونحن في ربيع 2014، بزوغ علامات وإرهاصات ”ميلاد مجتمع”. فالمظاهرات والوقفات ضد العهدة الرابعة لا تشبه ثورة الشباب في 1988 و2011، ولا أعمال الشغب التي تنفجر من وقت إلى آخر هنا وهناك لجذب اهتمام السلطات على مشكل ما. اليوم، لا تكسير، ولا قطع للطرقات، ولا حرق للعجلات، ولا تهديم للممتلكات العمومية أو الخاصة. الجميع ملتزم برفع شعارات ولافتات وأفكار، ولا أحد يطالب بمصالح مهنية أو مالية أو للتقاعد. هناك ضمير سياسي يحاول أن يتكوّن ويتعزّز ضد جريمة على وشك الحدوث، ستلقي بالجزائر في مخالب مافيا سياسية اقتصادية شرعت منذ الآن في إبراز عضلاتها وتبتهج بوقاحة خلال الملتقيات ووجوههم معروفة ومكشوفة. اليوم نرى كيف أن تونس انتهجت طريق السلام من بابه الواسع بفضل العمل المشترك لنخبها المتنورة، وهذا ليس بالصدفة أو بالتدخل الالهي، بل بفضل ما غرسه بورڤيبة، حيث بنى المجتمع التونسي بمنظومة تربوية جيدة ومنح للنساء حقوقهن. ولنا المثل العكسي لدى جارتها ليبيا التي نراها اليوم تغرق، ليس بسبب ”الربيع العربي” بل لأن القذافي حطّم كل شيء وقتل جنين المجتمع والدولة، ليبقى الرجل الوحيد والفكر الوحيد والمرجع الوحيد. بالتأكيد، سيكون الطريق أطول وأشق والتضحيات أكثر، لكن سيجد الليبيون طريقهم للخلاص لأنهم كسروا أسطورة الرجل الأحادي والفكر الأحادي، وهي أساس الاستبداد. إنهم الآن يبحثون معالمهم وقواعد تعايشهم الجديدة في الظلام والدم. أما مصر، ولادة الحركة الاسلامية، فإنها محتوم، ستعيش حربا أهلية إلى غاية الاتفاق نهائيا على نوع الدولة التي يريدها كل الأطراف: عصرية أم دينية.
أما في الجزائر، وكما أقوله منذ السبعينيات، ليس لدينا نحن أيضا مجتمعا متكونا نهائيا، بل أفرادا تجمعهم مزايا تقليدية، وتقاليد شفاهية، وعصبيات سياسية أو مصالح مهنية في العصر الحديث مثل المعلمين وحراس البلديات وموظفو المستشفيات والبطالين أو أي منظومة أخرى. فهم عندما يقررون الخروج، يأتي الآلاف والمئات وينجحون في مساعيهم، لكن هل سيخرج هؤلاء الرجال والنساء كلهم، مع بعضهم للتنديد بخرق الدستور؟ إن إرهاصات ”ميلاد مجتمع” في الجزائر تبدو لنا على قدر كبير من الرهافة والضعف. قد تجهض، ولن يتكوّن أبدا مجتمع سياسي بالجزائر. لكن، من جهة أخرى، نرى أن البعض ما زال يحاول، مثل طبيبة النساء التي تحاول جاهدة أن تحدث الولادة.
ترجمة: نورة بوزيدة
يتبع: رسالة إلى الرئيس بوتفليقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.