فجّرت فرضية تمديد العهدة الرئاسية للرئيس بوتفليقة جدلا بين فقهاء القانون الدستوري، فبينما يذهب طرح إلى استحالة التمديد ل"اعتبارات دستورية وقانونية" إلا في الحالة القاهرة وهي الحرب، ما يرفع من أسهم العهدة الرابعة، أكدت قراءة أخرى بإمكانية المد ل"اعتبارات جيوسياسية" لها علاقة بما يجري على حدود البلاد. وباتت رغبة الرئيس بوتفليقة في الاستمرار على رأس هرم الدولة واضحة منذ عودته من رحلته العلاجية إلى فرنسا، وما اتخذه من قرارات حاسمة مؤخرا، فسرها متابعون للشأن السياسي، على أنها إحكام لقبضته على مفاصل الدولة تحضيرا للترشح لعهدة رابعة أو على الأقل تمديد الثالثة إذا تعذر عليه خوض الاستحقاق المقبل.
بهذا الصدد، يستبعد عضو المجلس الدستوري السابق، عامر رخيلة، أن تتضمن مسودة الدستور المقبل ما يشير إلى تمديد العهدة الرئاسية بسنتين، بديلا عن العهدة الرابعة، وقال: "منذ مدة ونحن نسمع عن مقترح بتمديد مدة العهدة الرئاسية بسنتين إثنتين مثل ما تروج له بعض القوى السياسية، غير أن هذا المقترح لا يستند إلى أي نصّ لا في الدستور ولا في قانون الانتخابات". عامر رخيلة وإن أكد في اتصال مع "الشروق" أمس أنه من السابق لأوانه الجزم بوجود نية لدى رئيس الجمهورية في تمديد العهدة الحالية أو الذهاب لعهدة رابعة مادام أن نص المسودة لم يكشف عنه بصفة رسمية، إلا أنه تساءل: "لماذا يقترحون التمديد بسنتين، دون سنة واحدة أو عهدة كاملة حتى؟ ثم لماذا التمديد في حد ذاته، هل من أجل التحضير الجيد للانتخابات، أم لعدم ظهور مرشحين؟"، ثم يجيب: "أعتقد أن الهدف من إطلاق مثل هذه الطروحات دون مبررات، هو خلط الأوراق ليس إلا". وتابع عضو المجلس الدستوري السابق: "القول بأن التعديل الدستوري المرتقب سيضاف إليه حكم انتقالي يتضمن التمديد بسنتين اثنتين، طالما أن الدستور يختص بما هو قادم ولا يطبق بأثر رجعي، هذا أمر غير ممكن من الناحية الدستورية، لأن من مميزات الدساتير أنها تكون قارة (ثابتة) وغير معرّضة للتعديل كلما جاء رئيس جديد، فضلا عن أن تضمين الدستور الجديد حكما انتقاليا، يتطلب مناقشة هذا الأمر..". ورهن المتحدث إمكانية تمديد العهدة الرئاسية الحالية للرئيس بوتفليقة بما اسماها "الحالة القاهرة"، وهي أن يتعذر تنظيم الانتخابات الرئاسية لاعتبارات سياسية وأمنية، كأن تدخل البلاد في حرب لا قدر الله. أما ما يثار بشأن الوضع الصحي لرئيس الجمهورية وإمكانية تأثير ذلك على إدارته للحملة الانتخابية، فيقول عامر رخيلة: "ليس هناك في قانون الانتخابات ما يفرض على المترشح إدارة حملته الانتخابية بنفسه". بالمقابل، يرى بوجمعة هيشور، وهو عضو سابق بالمجلس الأعلى للقضاء وأحد المشتغلين على مسودة تعديل الدستور التي أعدها حزب جبهة التحرير الوطني في عام 2011، بإمكانية التمديد، وأكد بأن هذه المسألة يمكن حلها في إطار التوازنات بين أجنحة السلطة. وقال في اتصال مع "الشروق" أمس: "هذه القضية يمكن حلها في إطار التوافقات في قمة هرم السلطة، وإذا تعذّر ذلك فهناك مخارج أخرى يمكن اللجوء إليها، منها مثلا الاعتبارات الجيوسياسية التي تهدد استقرار البلاد". وأوضخ وزير الاتصال الأسبق: "هناك من فقهاء القانون الدستوري من يقول بإمكانية عدم إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في وقتها لظروف أمنية، ويستندون في هذا الطرح إلى التحدّيات التي تواجه البلاد عبر حدودها المترامية"، في إشارة إلى العوامل الخارجية والقلاقل الأمنية المتفاقمة على الحدود البرية مع كل من تونس وليبيا ومالي والنيجر.. وبرأي المتحدث فإن المجلس الدستوري يمكن أن يجتمع ويراعي الاعتبارات الأمنية المتعلقة بالبعد الخارجي، وكذا ما تعلق أيضا بمرض الرئيس، وخلص في الأخير إلى أن "موازين القوى في هرم السلطة مرهونة بالجوانب الداخلية والخارجية، كما أن التجاذب لايزال قائما بشأن إمكانية التمديد أو الذهاب لعهدة رابعة، وهو أمر لم يحسم بعد"، يقول المتحدث. يذكر أن الدستور المعدل في 2008، ليس فيه ما يشير إلى منع رئيس الجمهورية الحالي من الترشح لعهدة جديدة بعد ما تم تعديل المادة 74 بفتح العهد الرئاسية التي كانت محددة باثنتين فقط.