تحصلت “الخبر” على نسخة من تقرير أعدّه الفرع النقابي للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، وتحقّق فيه مصالح الدرك، يشرح فيه معدّوه لوزير التربية الطريقة التي تحوّل فيها الديوان إلى “مكتب أعمال”، أضحت فيها “مهمة الخدمة العمومية التي أوكلتها إياها الدولة الجزائرية من خلال القانون التأسيسي للمؤسسة عن طريق توزيع وطباعة الكتاب المدرسي إلى مجرد شعار”. بداية الفساد ب”ثقافة المناولة” ذكر التقرير بأن “ثقافة المناولة أصبحت راسخة في قاموس ويوميات مؤسسة الديوان، فيما أضحى من الممنوع الإشارة أو حتى التحدث عن الإنتاج والاستثمار والتكوين والتجهيز من طرف نقابة اتحاد العمال الجزائريين”. وأبلغ معدو التقرير الوزير بأن “التباهي والإشادة بمكاسب المناولة من سنة 2008 إلى 2013 مجرد أوهام، والأرباح التي تكتسب ليست من ثمار تسيير رشيد ولا عبقرية أو كفاءة المسيرين، بل نتاج وضعية موضوعية لاحتكار طباعة الكتاب المدرسي”. وتوقف التقرير عند القرارات الأخيرة التي يصفها ب”الخطيرة”، باعتبارها “انتهاكا للتشريع المعمول به، لاسيما لدفتر الأعباء رقم 02 -2011، تتوفر “الخبر” نسخة منه، المتضمن مناولة الكتاب المدرسي، وانتهاكا لتقرير التقييم التقني المؤرخ في 20 جانفي 2014 التي شكلها المدير العام الحالي للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية واختار أعضاءها شخصيا. الخاسر والرابح في “سوق” طباعة الكتب وورد في النقطة الأولى من التقرير، أن الحصص الموزعة على كل مطبعة مناولة لم تأخذ بعين الاعتبار النسبية أو توصيات اللجنة التقنية التي عاينت المطابع فيما يخص قدراتها الإنتاجية وهو “انتهاك لأحكام المادة الأولى والثانية والتاسعة من دفتر البنود الإدارية العامة من دفتر الأعباء والمتضمنة تقييم العروض التقنية”، ولاحظ معدو التقرير أن “نفس المطابع الخاصة تستحوذ على حصة الأسد، وأن المطابع العمومية هي الخاسر الأكبر بالرغم من اقتنائها لتجهيزات حديثة”. وفي النقطة الثانية، أشار التقرير إلى أن الكتب من الحجم الصغير (16.5 سم في 23.5 سم) خصصت لمطبعة خاصة لوحدها وكأنّها “مكسب”، وباقي المطابع تتنافس على الحجم الكبير ( 20 سم في 28 سم). وتتحدث النقطة الثالثة عن السعر المحدد للحجمين الصغير والكبير الذي تم توحيده ب0.6 دينار للصفحة الواحدة ومن دون دراسة مسبقة، وبالرغم من كون الفارق، حسب المصدر، بيّن وواضح يفوق 35 بالمائة، حيث لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتجاوز السعر 0.40 دينار بالنسبة للحجم الصغير مقارنة بالسعر المرجعي المقدّر ب0.62 دينار للصفحة الواحدة، وبالتالي هامش الربح المترتب عن الفارق كبير. خسارة سببها “فراغ متعمد” في دفتر الأعباء وحدد المصدر الخسارة التي تكبدتها خزينة مؤسسة ديوان المطبوعات المدرسية في إطار هذه الصفقات بالنسبة للسنتين السابقتين فقط، بحوالي 680 مليون دينار، أي 68 ألف مليون سنتيم، وأرجع التقرير أسباب الخسارة إلى “فراغ متعمد” جعل من دفتر الأعباء “نقطة انطلاق للتلاعب والخداع لأن الأحجام لم تدوّن في دفتر الخصائص التقنية، بالرغم من طرح حجمين متباينين تماما للتنافس”. وتفسر هذه الوضعية، وفقا للتقرير، الخلفية لتدوين العقود التجارية، نسخة منها بحوزة “الخبر”، المتضمنة للخصائص التقنية من دون الأحجام عكس ما كانت تحتويه عقود شهر ماي 2005 الموقعة مع المطابع العمومية. وتوقف التقرير عند العملية الإنتاجية الحالية التي “سجلت أدنى مستوياتها منذ إنشاء الديوان سنة 1990، إذ لم تقدّم المطبعة سوى 800 ألف كتاب من أصل ال10 ملايين المبرمجة، والتي لا تمثل سوى 8 بالمائة من احتياجات القطاع الإجمالية، بسبب “سيناريو التنازل عن الكتب المقرّر إنتاجها في الديوان الذي سيتكرر كالمعتاد، وأن المطابع المناولة في انتظارها على الصدر والرحب”. لكن الفضيحة انكشفت بعد إتلاف جزء كبير من هذه الكمية الكبيرة من الكتب والمقدرة، استنادا إلى التقرير، ب600 ألف كتاب ل13 عنوانا، تمتلكها “الخبر” بالتفصيل في الجدول المبيّن مع الموضوع، وكدّست هذه الكمية المتلفة على مستوى مخازن الديوان بالعاشور في العاصمة. التستر على الفضيحة ب”تصريح كاذب” وأحيلت هذه الكتب على خبرة تقنية وخبرة مضادة، بيّنت أن الخسارة المالية أكبر مما كان متوقعا، ووصلت إلى 23.3 مليار سنتيم. علما أن الديوان أنتج في نفس الفترة من السنة الفارطة أكثر من 4 ملايين كتاب، أي 5 مرات إنتاج السنة الجارية، حسب المصدر. وكشف التقرير أن “الفضيحة تم التستر عليها من طرف مدير الإنتاج الذي قدم في البداية تصريحا كاذبا”، مثلما هو مبين في محضر مؤرخ في 6 فيفري الماضي، تحوز “الخبر” نسخة منه، وأعلن أن الكتب المعنية جيّدة وتم تلصيقها بنفس الآلات، فيما كانت درجة حرارة التذويب ضبطت بصورة جيّدة، لكن الخبرة المضادة أثبتت العكس. ودخل الديوان بعدها في مشكلة مع شركة “هنكل” العالمية التي تم التشكيك في جودة غرائها، لكن التقرير نبّه إلى أنه “إذا كانت نوعية الغراء هي السبب، فلا يوجد مبرّر لهذا الحجم من الخسارة وأن البطاقة التقنية (تكنوملت كول 3710) المرفقة للبضاعة المستلمة دليل على استحالة تبرير الخسارة حتى ولو كانت ضئيلة، لأن البطاقة تشير إلى كيفيات التعامل مع الغراء من ضبط درجات للحرارة اللازمة وصولا عند إخضاع الكتب للتجربة”. وتنبأ خبراء في تقارير مؤرخة في 15 جانفي 2014 و28 ديسمبر 2013 و17 ماي 2008، تتوفر “الخبر” على نسخ منها، إلى احتمال وقوع مثل هذه الأخطاء بسبب غياب “الإذن بالتجليد”. نقاش لتبادل التهم واعتراف بإتلاف الكتب كما تحصلت “الخبر” على نسخة من محضر اجتماع عقد يوم 6 فيفري الماضي، بحضور 10 مسؤولين، جدول أعماله مراقبة الكتب المدرسية المطبوعة داخل وخارج الديوان، حيث نبّه مدير عام ديوان المطبوعات المدرسية سمير بوبكر يقول “من غير المعقول أن تراقب الكتب التي تصل الديوان من المطابع الخارجية، ولا تراقب الكتب التي تطبع داخله”. وبعد انتهاء المدير العام من كلامه، تدخّل محمد الصادق بناني وهو تقني سامي، وأخبر الحضور بالواقعة التي حدثت بالديوان عند مراقبة الكتب المطبوعة داخله، كون بها “عيب يتمثل في كون الكتب غير ملصقة جيدا وتتمزق بمجرد فتحها”. واستلم بعدها المدير العام الكلمة مرة ثانية معلنا بأنه “لا ولن يسمح إطلاقا أن يكون الكتاب المطبوع داخل الديوان من نوعية رديئة”، فقاطعه التقني السامي وأخبره بأن “سبب تمزق الكتب راجع إلى عدم ضبط درجة الحرارة الملائمة”. وهنا ظهر طرف آخر تمثل في شخص مدير الإنتاج مصطفى حيرش وصرح أن “الآلات ضبطت وبرمجت بدرجة حرارة محددة، إذ قام بإحضار عينة من الكتب وهي من نوعية جيدة لم تتمزق، واستعملت نفس درجة الحرارة ونفس الغراء”. واشتد النقاش بتدخل رئيس مصلحة تسيير ومراقبة الإنتاج فاتح بشكير، قائلا بأنهم “قاموا من قبل بإعداد تقرير مفصل عن الثغرات الموجودة في مراقبة الكتب التي تطبع داخل الديوان، وكان من الأجدر أن تبدأ المراقبة أثناء الإنتاج لكي تتجنب خسارة كبيرة”. وإثر تضارب الآراء، طلب المدير العام من الحضور إيجاد حل لهذا المشكل، فاقترح التقني السامي القيام بإحصاء الكتب وإعادة إلصاقها مرة ثانية إن كانت الكتابة بعيدة عن الهامش، لكن مدير الإنتاج أكد “استحالة القيام بهذه العملية لأنها ستستغرق وقتا طويلا جدا”. وبعد المناقشة الطويلة، قرر المدير العام تكليف رئيس دائرة في الديوان بإحصاء الكتب وذلك عن طريق إنشاء فرقة تعمل معه للقيام بإعادة مراقبتها عنوانا بعنوان، وتقوم بتحديد الكتب ذات النوعية الرديئة وتحرير تقرير تقدم نسخ منه للجنة المراقبة التقنية. 8 وثائق تكشف المستور وتشير وثيقة أخرى، صادرة عن شركة “هنكل” التي اشترى منها ديوان المطبوعات المدرسية غراء اللصق، إلى تحديد الحرارة المطلوبة عند تذويب الغراء ب120 إلى 140 درجة، لكن الملفت للانتباه أن الشركة في البطاقة التقنية، تملك “الخبر” نسخة منها، تقول “نظرا لاختلاف المواد المستعملة، نوصي بتجريب قوة اللصق النهائية قبل الاستعمال النهائي”، أي التجريب على عينات محددة (كتب)، وهو ما لم يفعله الديوان والسبب مجهول. كما تثبت هذه النتيجة، محتوى نسخ عن 8 وثائق بحوزة “الخبر” موقعة من طرف رئيس دائرة تسيير مراقبة الإنتاج بديوان المطبوعات المدرسية، يبلّغ فيها مديره العام بأنه تبعا لزيارته التفقدية يوم 5 فيفري الماضي لمخزن التوزيع، بأن النتيجة عن إتلاف الكتب سببها “سوء إلصاقها والنتيجة هي عمل مرفوض”. وزارة التربية بلا لسان لم نجد الجهة التي نلجأ إليها في وزارة التربية للحصول على استفسار عن فحوى التقرير وطريقة تعامل الوزير معه. فمنصب المكلف بالإعلام ما يزال فارغا بعد إقالة فيصل حفاف منه، وكذا منصب رئيس الديوان هو الآخر “فارغ” إثر إقالة مسؤوله الأول عبد المجيد هدواس، وأيضا منصب الأمين العام للوزارة بلا مسؤول منذ شهر ونصف تقريبا.