تعقد غدا الندوة الوطنية للانتقال الديمقراطي التي تنظمها تنسيقية المعارضة وسط أجواء مشحونة بالأزمة ومشحونة أيضا بالتفاؤل للأسباب التالية: أولا: ندوة المعارضة استطاعت أن تتجاوز في شموليتها ظاهرة الاستقطاب السياسي الذي عصف ببلد مثل مصر وكاد أن يعصف ببلد مثل تونس لولا حكمة ”تريوكا” الحكم الانتقالي في هذا البلد ودمر الاستقطاب بلدا مثل سوريا وليبيا. شيء جميل أن يجتمع في هذه الندوة كل التيارات لبحث مسألة واحدة هي الانتقال الديمقراطي المنشود وأن يتجاوز هذا الاجتماع ظاهرة الاستقطاب الإيديولوجي أو الجهوي أو حتى الحساسيات السياسية الشخصية بين الشخصيات الحاضرة. ففي الوقت الذي يشكو جناح السلطة ظاهرة الجهوية الحادة وظاهرة الاستقطاب بالزبائنية والجهوية والانتفاعية، تنفتح ندوة الانتقال الديمقراطي على قضايا سياسية وطنية تسمو فوق الجهات والمصالح والإيديولوجيات. ثانيا: الآن حصحص الحق أمام السلطة لتفهم أن شيئا ما يولد في الجزائر الحديثة، فلا تستطيع السلطة هذه المرة أن تسمي اجتماع زرالدة اللاحدث، والحدث يقع في نفس المكان الذي نزلت منه فرنسا لاستعمار الجزائر في 1830 ويتزامن ذلك مع زيارة رئيس حكومة فرنسا ويتحاور مع حكومة الجزائر في زرالدة أيضا وعلى مقربة من الندوة! ولو كانت حكومة الجزائر عندها ذرة من المسؤولية لأجلت زيارة الزائر الفرنسي، لكن.. ثالثا: لو كانت السلطة عندها قدر من المسؤولية والذكاء لاغتنم الرئيس بوتفليقة هذه المناسبة وتنقل للندوة على كرسيه المتحرك وبدأ الحوار مع المجتمعين من هناك عوض أن يتحاور مع هؤلاء البؤساء الذين نراهم في التلفزة. هذا بالطبع لن يحدث لأن الرئاسة أصبحت هزيلة التفكير، وبوتفليقة ليس مصالي الحاج رحمه الله.. الذي حضر إلى ملعب بلكور في الثلاثينيات وحمل حفنة من التراب وصاح: ”الجزائر ليست للبيع”ǃ رابعا: الندوة ستنجح حتى لو فشلت بالسلطة أو دونها، لأن الإحساس العام الذي أصبح يجتاح البلاد هو أن البلد في حاجة إلى تجاوز سلطة الفشل ومدّ البلاد بمؤسسات قادرة على اغتنام الفرصة المتاحة الآن للجزائر من أجل إحداث الإقلاع السياسي والاقتصادي الذي يحلم به شعبنا. يجب أن يفهم رجالات السلطة أن المثابرة والعناد أمام مواجهة الحقيقة لا يمكن أن يصنع منهم جثثا سياسية ممتازة.ǃ لقد أضاع هؤلاء على البلاد مدة ربع قرن كامل، هي في الواقع تمثل مدة عمر الشباب في أمة وليدة، وعليهم استخلاص الدروس والعبر. لا يمكن أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه وتضيع البلاد ربع قرن آخر في مغالبة الرداءة والفساد والاستبداد.. يجب أن يعرف هؤلاء أن إضاعة الفرصة هذه المرة ستجعلنا نتأخر عن جيراننا في المنطقة بسنوات ضوئية.. ولن ينفعنا الحاسي.. لهذا علينا أن نبدأ مرحلة البناء بإجراءات جذرية مثلما بدأ جيل نوفمبر مرحلة التحرير بأعمال جذرية. نعم، هذه خطبة بائسة ولكنها ضرورية.