قال الشهرستاني في كتابه: ”المِلل والنِّحل”: [وأعظم خِلاف بين الأمة في الإمامة، إذا ما سُلّ سيْفٌ في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلّ على الإمامة في كلّ زمان]. عرف تاريخنا العربي-الإسلامي العنف من خلال ”فرق إسلامية” تبنّت ”خطاب السيف” وهو خطاب له رمزيته وعالمه السيميائي المُشكل لمخيال ”الجماعة الاحتجاجية”، وَمُنشِّط سيكولوجي له قوّة روحية خاصة، يتحوّل إلى قوّة مادية، خطاب انتعش في فترات الصراع السياسي، وأحيانا كان يُبَشّر بالأوّل وبملءِ الأرض عدلا بعد ما مُلِئت ظلما وجُورا، يعتمد منهجية خاصّة في التأويل في قراءته للنصوص القرآنية الكريمة، وهو تأويل كان يراه بعضُ المُفسّرين والفقهاء فاسدًا ولا يتقيد بشروط التأويل اللغوية والتاريخية، لكن رغم ذلك بقيَ هذا التأويل مُنَشّطا ثقافيا وسيكولوجيا بسبب غياب العدالة، وحُضور الاستبداد والظلم. ولقد أدرك على بن أبي طالب كرّم الله وجهه مُبكّرا خطورة حضور النص في العراك السياسي، فحذّر من تأويل يُسيل الدِّماء. لقد كان يُقاتل جيش معاوية بن أبي سفيان في معركة صفين وهو يردّد: نحن ضَربناكم على تنْزيله فاليوم نَضربُكم على تأوِيله ضربًا يُزيل الهمام عن مَقيله ويُذهل الخليل عن خليله ويقول أبو الحسَن الأشعري: اختلف النّاس في السّيف على أربعة أقاويل: قالت ”المعتزلة و”الزيدية” و«الخوارج” وكثير من ”المرجئة” ذلك واجب إن أمكنا أن نُزيل بالسّيف أهل البغي ونقيم الحق، واعتلّوا بقول الله عزّ وجلّ: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى}، وبقوله: {فقاتِلُوا الّتي تَبْغي حتّى تَفِيء إلى أمْر الله}، واعتلوا كذلك بقول الله عزّ وجلّ: {لا ينالُ عهْدي الظالمين}. وقالت ”الرّوافض” بإبطال السّيف ولو قُتلت حتّى يَظهر الإمام فيأمر ذلك. وقال ”أبو بكر الأصَم” ومن قال بقوله: ”السّيف إذ اجتمَع على إمام عادل يخرجون معه فيزيلون أهل البغي”. وقال القائلون: السّيف باطل ولو قُتِل الرجال وسبيت الذرية، وإنّ الإمام قد يكون عادلًا، ويكون غير عادل، وليس لنا إزالته ولو كان فاسقًا، وأنكروا الخروج على السّلطان ولم يروه، وهذا قول ”أصحاب الحديث”. غير أنّ الفرقتين اللتين بقيتا تؤمنان ”بالسّيف” كقوَّة وواجب ”الشيعة” و«الخوارج”، يضيف الأشعري قائلاً: ”وأمّا السّيف فإن الخوارج تقول به وترى أنّ الإباضية لا ترى اعتراض (اغتيال) الناس بالسّيف ولكنهم يرون إزالة أئمة الجور، ومنعهم من أن يكونوا أئمة بأي شيء قدروا عليه بالسّيف أو بغير السيف”. واليوم داعش وأخواتها من السنّة الذين يحصدون شوك مشايخ ودعاة منذ أكثر من نصف قرن يدعون للجهاد ويَحلُمون بخلافة إسلامية واهية، كان ابن باديس سخر منها في زمنه.