أجهضت مصالح الأمن الاحتجاج الذي برمجه متقاعدو الجيش الوطني الشعبي أمام المجلس الشعبي الوطني، صباح أمس، وأوقفت الحافلات التي استأجرتها هذه الفئة لدخول العاصمة واعتقلت المئات ممن تمكنوا من التجمهر في ساحة البريد المركزي. وقد حضّر المتقاعدون وشبه العسكريين والمعطوبون لهذا الاحتجاج منذ أكثر من 15 يوما، حيث استأجروا حافلات خاصة ليتمكنوا من “اقتحام العاصمة”، صباح أمس المصادف للذكرى الستين لاندلاع الثورة التحريرية، وقرروا الضغط على وزارة الدفاع الوطني عبر احتجاج سلمي للاستجابة لمطالبهم. غير أن مصالح الأمن، ومنذ الصباح الباكر لنهار أمس، طوقت مداخل العاصمة عبر مضاعفة أفراد الشرطة، وتجهيزات أمنية خاصة، من أجل منع أي محاولة للتجمهر داخل الجزائر الوسطى وعلى حدود ولاية الجزائر، خاصة أن أغلب المتقاعدين المحتجين فضلوا التنقل صباح أمس، فيما فضل آخرون المبيت في العاصمة على أن يلتحقوا بالمحتجين منذ الساعات الأولى من الصباح. وتمكنت ذات المصالح من قطع الطريق أمام الحافلات المستأجرة واعتقال بعض ركابه، إلى جانب الأشخاص الذين قدموا عبر النقل العمومي في محطة النقل بالخروبة وباقي المحطات على حدود الولاية. كما استطاعت تطويق مداخل الجزائر الوسطى والتحكم بسرعة في تجمهر العشرات من المتقاعدين في ساحة البريد المركزي. واعتقلت مصالح الأمن العشرات من المتقاعدين من أجل إجهاض محاولة التجمهر أمام البرلمان، ولم تعرف عملية تفرقتهم أي اشتباكات بين الطرفين. وحسب عضو المكتب الوطني، محمد بورقبة، فإن أكثر من 150 عضو تعرضوا للاعتقال، فيما تم تفريق 3500 آخرين، مستغربا هذا التصرف الذي قال إنه “غير معقول”. ويضيف: “إننا نظمنا احتجاجا سلميا ومن حقنا أن ندافع عن مطالبنا”. وأضاف أن الهدف من وراء الاحتجاج ليس زرع الفوضى وإنما إيصال صوت هذه الفئة، التي يقول إنها “محرومة من أدنى حقوقها”، إلى السلطات العليا وعلى رأسها وزارة الدفاع الوطني، الهيئة الوصية. وأضاف ذات المتحدث أن الآلاف من المتقاعدين أتوا من 38 ولاية، كانوا ينوون الاحتجاج أمام مقر البرلمان، غير أنهم لم يتمكنوا من الوصول إليه، فاحتج البعض منهم في البريد المركزي قبل أن تتدخل مصالح الأمن لتوقيفهم. وقال بورقبة إن قرار الاحتجاج لا يزال قائما “بما أن السلطات المعنية لم تتحرك من أجل معالجة الوضع”. وتطالب فئة المتقاعدين بتوحيد القواعد المطبقة في حساب المعاش بين المتقاعدين المنتمين إلى نفس الفئة (الرتبة، السلاح، الأقدمية، الوظيفة المشغولة)، أي توحيد المعاش بينهم، إضافة إلى تسوية جميع المنح والزيادات بأثر رجعي منذ سنة 2008 عملا بالمرسوم الرئاسي 15/10 المؤرخ في 4 ماي 2010، الذي استفادت منه جميع القطاعات، أو تطبيق قانون معاشات الوظيف العمومي. كما تمكنت مصالح الأمن من التحكم في مسيرات ووقفات احتجاجية تمت برمجتها بالتزامن مع الذكرى الستين للفاتح من نوفمبر 2014، مثل التنسيقية الوطنية لعائلات المفقودين، التي كانت ستحتج في حدود الساعة العاشرة صباحا بالبريد المركزي، غير أن الإجراءات الأمنية المشددة حالت دون تجمهر أعضاء التنسيقية، كما أجهضت مصالح الأمن دعوات أخرى للتجمهر في الجزائر الوسطى أطلقتها جمعيات وحتى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الدعوة إلى مسيرة تنطلق من ساحة حرية التعبير بشارع حسيبة بن بوعلي، من أجل المطالبة بحق التظاهر، خاصة بعد أن “سار أفراد من مصالح الأمن في الشارع دون رخصة” في منتصف شهر أكتوبر، كما ذكر منظمو المسيرة على صفحتهم التي ضمت أكثر من 300 ناشط، غير أن التواجد الأمني المكثف للشرطة بالزي الرسمي والمدني حال دون أن تنطلق هذه الحركات الاحتجاجية. الأحزاب والحركات تستنكر الاعتقالات استنكر ناشطون حقوقيون وأحزاب سياسية ما أسموه ب«حملة الاعتقالات” التي أطلقت في حق المواطنين الذين خرجوا للشارع للتعبير عن رأيهم سلميا، مثل الحركة الديمقراطية والاجتماعية، التي أصدرت بيانا تحصلت “الخبر” على نسخة منه، قالت فيه إن هذه الحملة تظهر “الوجه الأسود للنظام الجزائري”، الذي يمارس ظلما غير مبرر على الناشطين، وأدانت اعتقال العشرات من المواطنين الذين جاؤوا للمطالبة بالحق في التعبير، كما تعرض البيان إلى “احتكار” رمز حزب “الأفالان” الذي “وجب تحويله إلى تراث شعبي. فيما أصدرت حركة “بركات” بيانا آخر بعنوان “بركات الشرطة البوليسية، بركات الدولة البوليسية”، نددت فيه بما أسمته “الممارسات التعسفية” في حق النشطاء والحقوقيين أمس السبت 1 نوفمبر 2014، خاصة النشطاء الذين أرادوا تنظيم مسيرة انطلاقا من ساحة حرية الصحافة إلى المجلس الوطني الشعبي، للمطالبة بالحرية في التظاهر السلمي في بلادهم. ويفيد نص البيان بأن “هذه الاعتقالات التعسفية والاستبدادية التي تهين ذكرى المجاهدين والشهداء، الذين قاتلوا وضحوا من أجل حرية الشعب الجزائري”، كما هاجمت النظام بالقول إن “هذه الاعتقالات تبين طبيعة النظام المناهضة للوطن وتوضح خيانة لقيم 1 نوفمبر وميثاق مؤتمر الصومام”.