الحوار بين التوانسة حول الدور الثاني من الرئاسيات “يُسَخَّف” بالإمتاع السياسي.. تسمع لأنصار السبسي فتقول إنها الحقيقة في أبهى تجلياتها، ثم تسمع لأنصار المرزوقي فتحس بحقيقة المخ الذي يلغي مخا آخرǃ ليس التوانسة هم فقط أول بلد عربي تجري فيه رئاسيات لا يعرف التوانسة من يفوز بها.. بل أيضا التوانسة هم البلد العربي الوحيد الذي يجري فيه الدور الثاني لانتخابات الرئاسة. مؤسسات الدولة التونسية تمارس الحياد التام في أدائها لواجباتها.. فلا تدخّل للشرطة أو الجيش أو الإدارة لمناصرة مرشح على آخر باسم المصلحة العليا للدولة كما هو حاصل عندنا، حيث التزوير الانتخابي يصبح ممارسة وطنية ذات قيمة كبيرة متصلة بالمصلحة العليا للوطن.. كما يقولون؟ǃ كل المترشحين للرئاسيات التونسية يعرضون كتبهم في الشوارع قبل عرض برامجهم على الناخبين.. والتوانسة يجدون صعوبة في اختيار الأجود من الجيدينǃ أجمل النقاش هو الذي يجري حول موضوع التغول عندما يضع الناخب التونسي بيضه في سلة واحدة ويعطي حزبا واحدا الفوز في البرلمان والرئاسةǃ والواقع أن التغول السياسي لم يعد له معنى في تونس، لأن تونس وضعت الأسس لإنهاء ظاهرة صناعة الديكتاتوريات بالتغول السياسي، فقد سبق أن تغولت الترويكا التي فوّضها الشعب التونسي لحكم البلاد مدة سنة وتحضير الدستور الجديد، ولكنها تغولت وبقيت ثلاث سنوات حتى قام التوانسة بركلها من على كرسي الحكم بواسطة المظاهرات العارمةǃ وأجبروها على وضع الدستور وتنظيم الانتخابات. لا يمكن أن يتصور متتبع للشأن التونسي أن هناك جهة يمكن أن تمارس التغول السياسي، حتى لو أعطاها الشعب التونسي كل مؤسسات الحكم. تونس الآن بصدد إجراء رئاسيات حاسمة يتمخض عنها تنصيب رئيس يدعم ما تم على مستوى البرلمان.. ومن خلال الحوارات الجارية بين التوانسة على الصعيد السياسي، فإن النخب التونسية في المجتمع المدني على وعي تام بأخطار المرحلة ورهاناتها.. وأن الشعب التونسي شبه مصمم على إنهاء حالة حكم الترويكا، وفي الوقت نفسه وضع القوة السياسية الجديدة تحت سلطان رقابة الشعب لمنع الانفراد بالسلطة وممارسة أي نوع من أنواع التغول السياسي وغير السياسي. نحن في الجزائر نحس بأننا نعيش مع تجربة تونس والمغرب السياسية الجارية الآن، إننا في الجزائر في الحالة التي كانت عليها الحركة الوطنية في 1954 حيث الضياع السياسي التام بخصوص مسألة مطالب الشعب الجزائري بالاستقلال، والحزب الوطني يجري مناضلوه وراء بعضهم البعض بالهراوات ويمارس الوشاية ببعضه البعض إلى الاستعمار كما تفعل الأفالان والأرندي الآن، في وقت دخل التوانسة آنذاك في حالة تحقيق الاستقلال عمليا وتبعهم المغاربة.. وظلت الجزائر تتفرج وتتحسر على ما يحدث، ولهذا جاء بيان أول نوفمبر عاكسا لتلك الحالة.