صدق من قال: “الله يضع سره في أضعف خلقه..”ǃ هل من الصدفة أن التجارب الديمقراطية في الحكم العربي الناجحة لم تتم إلا في الدول الصغيرة؟ǃ مثل لبنان الشقيق ومثل الكويت ومثل تونس أخيرا. أنا أغار مما يحدث في تونس هذه الأيام وأغبط التوانسة ولا أحسدهم على هذا النضج السياسي الذي بدأ يتبلور من خلال إقرار دستور يعد نموذجا للحكم الديمقراطي في العالم العربي.. وهاهم يتبعونه بإجراءات انتخابية تسيل اللعاب. هل من الصدفة أن أول ديمقراطية في العالم العربي وهي ديمقراطية لبنان الشقيق هي التي جعلت هذا البلد يودع الأمية الثقافية قبل 50 سنة، وهو اليوم يودع الأمية السياسية.. فهذا البلد رغم صغره أنتج حركة مثل حزب الله استطاعت أن تهزم إسرائيل وهو أصغر بلد عربي وفيه ملل ونحل لا يعلم عددها إلا الله. تونس الشقيقة، كنا في العشرينيات والثلاثينيات نشد الرحال إليها لتعلم أصولنا الدينية والحضارية في جامع الزيتونة العامر.. فيا ليت السلطة الآن ترسل حكامنا وأحزابنا ونخبنا إلى تونس لتعلم أصول الديمقراطية والتعايش السياسي من تونس، كما تعلم أسلافنا العربية والدين من الزيتونة. كنا نقول عن التوانسة إنهم حولوا طيبتهم إلى عملة صعبة.. وها نحن الآن نعيش حالة تحويل التوانسة صعوباتهم الدنياوية إلى أسلوب حياة ديمقراطية أصبحت مضربا للمثل. الحوار الذي يجري بين التوانسة الآن في إطار الحملة الانتخابية “يسخف” جزائريين يحلمون ببناء دولة يسودها العدل والقانون وتحكمنا فيها الكفاءة وليس الرداءة والهف والتبلعيط والتزوير! هل من الصدفة أن الجزائر لم تأخذ من إسلام الشرق الأوسخ إلا الجوانب السلبية مثل العنف والتكفير والتشرذم ! ولم تأخذ من الفرنسيين المستعمرين سوى العجرفة والتكبر و”الخاشينيز”! حتى “خشانية الراس” التي كان لها جوانب إيجابية تحولت إلى “خشانية الراس” في الظلم والفساد والحڤرة لبعضنا البعض؟! هل من الشهامة الجزائرية أن يقوم مسؤول يحكم البلاد ومن خلف الستار وبالوراثة بتأليب وزير خارجية دولة أجنبية ضد صحافة الجزائر لأنها تمارس النقد للنظام؟! عندما أسمع الغنوشي يقول: إن تونس سفينة تتسع لكل التوانسة.. وإن الديمقراطية التي تقصي جزءا من الشعب في هذه المرحلة لا نريدها.. عندما نسمع ذلك نشهّد ونحوقل ونقول: لماذا السلطة عندنا ترى في المعارضة مشروع عدو ينبغي تدميره؟!