روى الترمذي عن يحي بن وثاب عن شيخ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “المسلم الّذي يُخالِط النّاس ويَصبِر على أذاهم خيرٌ من الّذي لا يُخالطهم ولا يصبر على أذاهم”. لابدّ من تربية النّفوس بالبَلاء ومن امتحان التّصميم على معركة الحقّ بالمخاوف والشّدائد وبالجُوع ونقص الأموال والأنفس والثّمرات.. لابدّ من هذا البلاء ليؤدّي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعزّ على نفوسهم بمقدار ما أدّوا في سبيلها من تكاليف. والعقائد الرّخيصة التي لا يؤدّي أصحابهُا تكاليفها لا يعزّ عليهم التخلّي عنها عند الصّدمة الأولى. فالتّكاليف هنا هي الثّمن النّفسي الّذي تعزّ به العقيدة في نفوس أهلها، قبل أن تعزّ في نفوس الآخرين. وكلّما تألّموا في سبيلها وكلّما بذلوا من أجلها.. كانت أعزّ عليهم وكانوا أضمن بها. كذلك لَن يُدرك الآخرون قيمتها إلاّ حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها. إنّهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرًا ممّا يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ولا صبروا عليه، وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها، مقدّرين لها، مندفعين إليها. وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل النّاس في دين الله أفواجًا. وعن هذا البلاء يقول جلّ ذكره: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة:155-156-157، وأهم من هذا كلّه أو القاعدة لهذا كلّه الالتجاء إلى الله وحده حين تهتزّ الإسناد كلّها وتتوارى الأوهام وهي شتّى، ويخلو القلب إلى الله وحده لا يجد سندا إلاّ سنده.