أثمرت المناقشات المستفيضة التي شهدها اليوم الدراسي حول السلامة المرورية المنظم من طرف كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طاهري محمد ببشار، إلى فتح نقاش موسع حول موضوع سحب رخصة السياقة، التي نالت حصة الأسد من القراءات القانونية لهذا الاجراء الإداري الذي طرحت الوزارة الوصية بأنها بصدد تعديله. اليوم الدراسي الذي أشرف عليه الدكتور العرباوي نبيل، الذي يعد من النخبة المختصة في موضوع السلامة المرورية، شكل فرصة لحضور متميز سواء من الباحثين والطلبة للبحث في فحوى وهدف العقوبات الإدارية المقررة في هذا المجال، مادام أن هذه الأخيرة حسب الدكتور العرباوي تهدف التوافق بين النشاط الفردي ومتطلبات المصلحة العامة، دون خرق لحقوق الأفراد، الأمر الذي يكسبها ذاتية مستقلة عما قد يختلط بها من نظم قانونية كتدابير الضبط الإداري، وعما قد يشاركها في الفلسفة العقابية من جزاءات تأديبية أو تعاقدية أو جنائية. وكان اللافت في نقاشات المشاركين المقترح الذي قدمه نائب عميد كلية الحقوق السيد قوراري مجذوب الذي اعتبر أن السلطة الإدارية المختصة بتوقيع العقوبة الإدارية مطالبة بتحقيق التوازن بين خطورة المخالفة الإدارية و بين توقيع العقوبة الإدارية المناسبة التي من شأنها ردع المخالف، لأن الإدارة إذا جانبها الصواب في تقدير الوقائع تكون بذلك قد ارتكبت خطأ جسيم يستلزم مخاصمة القرار الذي أصدر العقوبة الإدارية و يكون محل دعوى إلغاء. وكشف السيد قوراري أن المشرع الجزائري صنّف المخالفات المتعلقة بحركة المرور عبر الطرق و سلامتها إلى أربع درجات من خلال نص المادة 66 من القانون رقم 09-03 المؤرخ في 29 يوليو 2009 و وقع على كل مخالفة غرامة مالية كعقوبة إدارية، يضاف إليها الاحتفاظ أو تعليق أو إلغاء رخصة السياقة في جميع الحالات، طبقا للإجراءات المنصوص عليها . غير أن ما تجب الإشارة يضيف السيد قوراري هو أن نص المادة 66 المذكور أعلاه لم يراع مبدأ التناسب القاضي بعدم جواز تعدد العقوبات الإدارية عن الفعل الواحد هدا من جهة و من جهة ثانية فإنه لا يوجد فرق من حيث الآثار القانونية بالنسبة لمصطلحي الاحتفاظ و تعليق رخصة السياقة على أساس أن كلاهما يعد كإجراء تحفظي مؤقت . وفي هذا الصدد يقترح ذات المتحدث الإبقاء على مصطلح التعليق كعقوبة إدارية بدل الجمع بين المصطلحين، مع اقتراح تعديل نص المادة 66 بالتمييز بين مرتكبي المخالفات من حيث طبيعة النشاط فهناك فرق بين سائق سيارة الأجرة و سائق سيارة سياحية فتعليق رخصة السياقة يكون له بالغ الأثر على سائق سيارة الأجرة . من جهة أخرى ثمن السيد قوراري توظيف المشرع الجزائري لمصطلح تعليق رخصة السياقة بدل سحبها، انطلاقا من أن سحب رخصة السياقة التي هي ترخيص إداري في جوهرها من شأنه إعدام القرار الإداري الصادرة به رخصة السياقة ، على خلاف مصطلح التعليق أو الإلغاء الإداري الذي تسري آثاره إلا على المستقبل . و كضمانة موضوعية بالنسبة للمخالف الموقعة عليه عقوبة إدارية، فإن المشرع الجزائري خول له حق الطعن في قرار وضع المركبة بالمحشر أمام الجهة القضائية المختصة التي يمكنها أن تؤكد الإجراء المتخذ أو تأمر باتخاذه في أجل أقصاه خمسة ( 05) أيام من خلال نص المادة 104 من نفس القانون. يذكر أن هذا الأيام الدراسية على مستوى كلية الحقوق تحولت لنشاط اعتيادي، يبادر به الأساتذة والمختصون، طيلة الموسم الدراسي، وهذا ما شكل فرصة لعرض كثير من الإشكاليات القانونية التي تعرفها المنظومة الجزائرية، علما أن هذه الأيام كثيرا ما تتوج بلقاءات عملية وتطبيقية مع الجهات المعنية على غرار قطاع العدالة وجهازي الشرطة والدرك الوطني.