دعا المشاركون في الندوة الدولية حول “الإسلام والموقف من العنف”، المسلمين إلى نقد أكثر للذات وعدم الغرق في “نظرية المؤامرة”، لأن المجتمع الإسلامي يتحمل جزءا ليس بالبسيط في إنتاج التطرف، كما دعا المشاركون أنفسهم الغرب إلى التوقف عن تغذية العنف في العالم عبر سياساته “الظالمة” وعبر دعمه المباشر وغير المباشر للأفكار العنصرية. طرحت الندوة الدولية التي حملت عنوان “الإسلام: الموقف من العنف وأبعاد المجاهدة ومسؤولياتنا”، التي احتضنتها العاصمة البلجيكية بروكسل في 15 و16 مارس الجاري، العديد من الأسئلة الجريئة المتمرّدة عن الأنماط الفكرية والثقافية التقليدية في معالجة ظاهرة العنف عموما وظاهرة التطرف الإسلامي بشكل خاص. فالندوة التي نظمتها منصة الحوار الثقافي، بالتعاون مع كرسي المفكر الإسلامي الكبير فتح الله غولن بجامعة لوفان البلجيكية، افتتحت باقتراح عدد من الإشكاليات للنقاش من قبيل: هل الإسلام هو العنيف؟ هل يتحمل المسلمون كامل المسؤولية فيما يحدث؟ ما هي الخطوات التي يجب أن يتخذها علماء الإسلام من أجل تجاوز هذه المحنة؟ كيف علينا أن نفهم فكرة الجهاد؟ ومن بين عشرات الشخصيات الثقافية والأكاديمية والدينية من القارات الخمس، التي شاركت في تنشيط الندوة، كانت البداية مع البروفيسور إيمانويل جيرارد من جامعة لوفان، الذي دعا إلى تحفيز البحوث في مجال الحوار بين الثقافات “في وقت تخلّينا فيه عن العقل ففسحنا المجال لعشاق التطرف وهواة العنف”. ويرفض المتحدث استعمال مصطلح “التطرف الإسلامي”، ويفضل مفهوم “التطرف العنيف” لأنه أعمّ وأشمل وأقرب إلى الحقيقة والموضوعية “فالتطرف موجود في كل الأديان والأفكار والإيديولوجيات، وهو ليس مشكلا في حذ ذاته، بل يصبح مشكلا عندما يقرر أصحابه الانتقال إلى العنف من أجل بسط السيطرة على الأفكار الأخرى المتهمة بالجبن والعمالة والانتهازية”. ويرى البروفيسور جيرارد، أن “الباحثين مطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بالوصول إلى فهم جيد وجدي للأديان وتحديد دقيق لأسباب العنف”، “كما يرى بأن المجتمع المدني لم يقدّم الجهد الكافي لمحاصرة خطاب التطرف والعنف”. من جهته، اعترف عميد كلية العلوم الإنسانية بجامعة لوفان، مارك كيرست، صعوبة الحديث باسم المسلمين اليوم، وصعوبة الترويج لقيم التسامح في الدين الإسلامي، صعوبة تواجهها حركة “الخدمة” كل يوم. ودعا المتدخل المشاركين إلى التساؤل: هل تساعد مجتمعاتنا الإرهاب على التوظيف والاستقطاب؟ قبل أن يضيف: “أسئلة يجب أن تطرح في المجتمعات الغربية والإسلامية على حد سواء”، كما أكد على ضرورة الحكم على الأديان من خلال سلوك معتنقيها وليس من خلال ما نقرأه أو نسمعه عنها. طروحات غولن ستنتصر في الأخير واعترف كيرست للأستاذ فتح الله غولن، جرأته على الدعوة للتفكير في كل هذه المسائل “فليس من السهل على أحد اليوم أن يغرّد خارج السرب، والأستاذ غولن يغرّد خارج السرب، لكنني متأكد جدا بأن ما يطرحه اليوم سينتصر في النهاية، فمن غير المعقول أن تستمر الهمجية لأكثر من هذا”. أما غونار ستاسات، الذي يصنّف كإحدى الشخصيات الفكرية الأكثر تأثيرا في العالم المسيحي، بوصفه رئيسا لجمعية الديانات من أجل السلام وبكونه عيّن قبل سنتين في لجنة السلام الخاصة بجائزة نوبل المرموقة، فذكّر بضرورة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان “لأن التطرف الديني يستهدف أساسا هذه القيم الإنسانية”. وشدد ستاسات على فكرة “قراءة شروحات الأديان ضمن سياقها التاريخي كونها وضعت داخل بنية اجتماعية وثقافية خاصة”، قبل أن يحمّل المسلمين المسؤولية الكبرى في إنتاج فهم صحيح للإسلام. مشيرا إلى أن “الأديان.. كل الأديان يمكن أن تكون مصدرا للخير”، قبل أن يردّ على من يشيرون ببنانهم إلى الإسلام كدين عنيف بالطبيعة “العنف يمكن أن يصدر عن كل الأديان.. فكلنا يرى ما يفعله المسيحيون في الكثير من مناطق العالم، و كلنا يرى ما يفعله البوذيون في محاربة المسلمين الروهينغا، وكلنا يرى ما تفعله إسرائيل في مساعيها إلى تهويد كل الأراضي المقدسة”. ودعا المتحدث إلى الاتفاق حول مشروع إنساني مشترك “يدعم العمل التضامني ويقدّس حقوق الإنسان والأقليات ويضمن سيادة القانون”. وخصص اليوم الأول من الندوة لما يقل عن ثماني ورشات فتحت للمشاركة الحرة، وناقشت الأولى “دور الأديان في بناء السلام والحفاظ عليه”، بينما ناقشت الثانية “الأسباب الكامنة وراء العنف والتطرف”، أما الورشة الثالثة فناقشت “الحلول المقترحة لمكافحة الإرهاب”. وتناولت باقي ورشات اليوم الأول، مواضيع “تفعيل دور المرأة المسلمة في مكافحة التطرف” و«حوار الأديان ومكافحة العنف” و”الجهاد والاستقامة الأخلاقية” التي نشطها البروفيسور عمار مساعدي، العميد السابق لكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر، و”التربية والقيم الأخلاقية في مواجهة التطرف” و”مكافحة خطاب العنف”. أما ورشات اليوم الثاني، فتناولت مواضيع ثلاثة هي “المجاهدة، الحرب العادلة في الإسلام” و”التطرف العنيف وضرورة مكافحته” و”الحلول المقترحة لمكافحة التطرف”. وانتهت الندوة الدولية بإجماع المشاركين على الدعوة لاستخلاص كل ما في الأديان من آداب وأخلاق وقيم لمواجهة كل أشكال التطرف العنيف “لأن الأديان هي المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة التي حوّلت العالم إلى مسرح للدم والدموع.