يستهجن سمير بوعكوير، قيادي جبهة القوى الاشتراكية سابقا، عرض الرئيس بوتفليقة بذلك المشهد الذي ظهر فيه أمام الوزير الأول الفرنسي. ويذكر في حوار مع "الخبر" أن تطبيق المادة 102 من الدستور لن يأتي بالحل في نظام يهدد الدولة، حسبه، بالانهيار. ويعطي بوعكوير قراءة في تجنيب شكيب خليل المتابعة. البلد بسلطاته ومسؤوليه غرق في صورة في الأيام الأخيرة، أقصد صورة الوزير الأول الفرنسي التي أظهرت الرئيس بوتفليقة في لياقة سيئة. أنت كيف قرأت الجدل الذي أثارته؟
الجميع شعر بحرج بالغ أمام الصور التي نشرها الوزير الأول فالس، حرج مرفق بغضب كبير لرؤية بلدنا يهان ويحط من قيمته. الصورة ليست جديدة، ولكنها أخذت فجأة وبطريقة مريبة، أبعاد أثارت سخط الجزائريين. أما عن ردود الفعل الهستيرية لأعوان النظام ضد فرنسا، فهي تثير الضحك عندما نعلم أن فرنسا هي المقصد المفضل لهم سواء للتداوي، أو التسوق أو لشراء أملاك. وإني أتساءل لماذا يستمرون في عرض رجل مسن ومريض صاحب نظرة تائه، عاجز عن التفوه بكلمة واضحة، أمام الكاميرات؟ إنني لا أتحدث عن الشخص، الذي يثير الشفقة بالنظر لحالته الصحية، ولكن عن مؤسسة الرئاسة التي يجسدها والتي أضرت بسمعتها على المستوى الدولي. إن هذه الحالة كانت كافية للبعض للمطالبة من جديد بتطبيق المادة 102 من الدستور، وكأن ذلك سيحل المشكلة، فالأمر يتعدى قضية شغور السلطة، كون الدولة الجزائرية تواجه في الأمد القريب وضعية الانهيار بالمعنى الذي يحمله القانون الدولي، هذا الوضع لا يدعو إلى تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وإنما معالجة سياسية في مستوى المخاطر التي تهدد الدولة الوطنية في وجودها.
هل أنت ممن يعتقدون أن الرئيس بوتفليقة مغيب ولا يدري ما يجري حوله، وبالتالي هناك جهة في الخفاء هي من تسير شؤون البلاد ؟
ليس ضروريا أن نطلب مقابلة من الرئيس حتى نتأكد أن الجزائر لم تعد محكومة وإنما مسيرة بأسلوب الطوارئ. فالرئاسة أصبحت ملجأ للفصائل والعصابات المتصارعة على خلافة الرئيس. مشكلة بلادنا ليست قدرة الرئيس من عدمها على ممارسة مهامه، لما نعلم أن السلطة الفعلية ليست في المؤسسات، لأنه في حالات مثل هذه، وفي الدول الديمقراطية، كانت الآليات المؤسساتية ستشتغل وبشكل طبيعي. أمام هذا الوضع، يصبح الانهيار الكامل للنظام هو أكبر المخاطر التي تهدد البلاد. فالنظام لم يعد يملك آليات ضبطه من الداخل، وغير قادر على إنتاج الإجماع بين مختلف عصبه، إنه لمشهد يثير الدهشة: اتهامات متبادلة وسباب وشتائم تتقاذفها الأجنحة داخل الحكومة وأحزاب السلطة والبرلمان، كل هذا يشهد على الفوضى العارمة في قمة السلطة، التي تخدم المجموعات الموازية وقوى المال القذر، التي تعمل على تفكيك بطريقة مدروسة الدولة الوطنية بما يخدمها ويخدم المصالح الأجنبية. وأمام هذه الوضعية الخطيرة التي تعني مصير أمة ووحدتها وانسجامها، ما يثير القلق هو الشعور بالعجز عن وقف دوامة الانحدار. إن السخط السلبي باسم شرعية تتعرض للانتهاك باستمرار، المعبر عنه من طرف "أشخاص ذوي نوايا حسنة"، بمن فيهم من يوجدون في "المؤسسات"، وبخاصة في المؤسسة العسكرية، هو بمثابة تواطؤ لما تقع الكارثة. وباعتقادي لا يزال هناك متسع من الوقت للإصغاء إلى رجال ونساء وشخصيات وأحزاب مسؤولة، الذين من دون أن يمنحوا تنازلات لنظام متسلط ويعاني من التوحد، يرفضون إغراءات مغامرة و"الربيع الزائف" الذي يحضر ل"شتاء قارس".
ماذا تعني بالنسبة لك عودة شكيب خليل، وعدم تعرضه للمتابعة القضائية رغم أنه محل أمر دولي بالقبض؟ وماذا تفهم من زياراته للزوايا؟
عودة خليل والإبقاء على بوشوارب في الحكومة (الرأس الظاهر من جبل الجليد)، بعد فضائح أوراق بنما والفضائح الأخرى المتتالية، منها قضية الطريق السيار وأخرى ستأتي، كلها تثير شعورا مشروعا بالغضب في البلاد. إن الإجرام السياسي، الذي يتمثل في مصادرة السلطة وحرمان الجزائريات والجزائريين من الانخراط فيما يهم قضاياهم، يصبح مضاعفا بسبب الجريمة الاقتصادية والاجتماعية. فالجزائر "قبلة الثوار"، أصبحت ملاذا للمرتشين والمرتزقة والمصلحجية الفاسدين. جهاز الدولة الذي يحمي اللصوص والمجرمين، لم يعد في خدمة المصلحة الوطنية. شكيب خليل في النهاية، ليس سوى أحد أعراض الانهيار الأخلاقي والسياسي لنظام يدوم منذ 1962، فلما يعود مستفيدا من الإفلات من العقاب، أو "يقترح خدماته" للجزائر، أو يزور "الزوايا" ويتوسل ل"القديسين"، أو عاد لخلافة بوتفليقة كما يقول البعض باختصار، عندما يستهزئ خليل بعامة الجزائريين، فذلك تصرف "طبيعي" شائع عند رموز النظام الجزائري، في غياب دولة القانون. إذن المطالبة بإحالة "ملفه" على القضاء الجزائري، تصبح بمثابة سخرية من الشعب. وجود دولة قانون مبنية على الديمقراطية، هي .
كتبت في صفحتك ب"فيس بوك" أن حركة الحكم الذاتي بالقبائل وحركة العروش تستجيبان لاستراتيجية يعتمدها النظام، هي تخدير القوى الديمقراطية. ماذا تقصد؟ النظام هو من أوجد حاضنة ل"الماك - عروش"، تماما كما فعل مع الفيس، وذلك بغرض تحطيم الانتقال الديمقراطي في الفترة ما بعد أكتوبر 1988، وقد شهدنا النتائج التراجيدية لهذه السياسة. هذا النظام هو المسؤول الأول عن تنامي أشكال التطرف، ووحده من يتحمل مسؤولية العنف الذي سيقع في منطقة القبائل والجزائر. ولما كان عاجزا عن فتح آفاق للبلاد، ووضعها في مسار سياسي متدرج ومحل إجماع على التغيير الديمقراطي، سلم قطاعا من الشباب لمغامرين سياسيين. هذا النظام لا ينتج في النهاية إلا العنف والرشوة والانحراف، وهو بذلك يدين دولة مصنفة أصلا ضمن "الدول الهشة" التي تنحو إلى العجز والانهيار. إن الباب، اليوم، مفتوح على مصراعيه للمغامرين، والمجال خصب للمناورات، والانحرافات الإجرامية شبيهة بالوضع الذي عرفته منطقة القبائل في 2001، وحرب الخلافة التي ستجد خاتمتها في باريس وواشنطن، تهدد من جديد بجعل الشعب الجزائري وبخاصة الشباب، ضحايا المعارك الداخلية في السلطة.