بداية القصة كانت يوم 27 أفريل الماضي، عندما زار محضر قضائي جريدة “الخبر” حاملا معه ظرفا؟ وجوده في الجريدة لم يلفت الانتباه، فهو عادة ما يبلغها بدعاوى رفعت ضدها في قضايا نشر.. لكنه هذه المرة أتى لأمر مختلف، لم يكن يخطر على بال أحد في الجريدة من مسؤولها الأول إلى أبسط عامل فيها ! ما بداخل الظرف كان دعوى قضائية، المدعي فيها هو وزارة الاتصال نفسها، والمدعى عليه هو جريدة “الخبر”، ومضمون الدعوى، إبطال صفقة تحويل جزء من أسهم مجمع “الخبر” إلى شركة “ناس برود” المملوكة لرجل الأعمال، إسعد ربراب، استنادا إلى ما قالت الوزارة إنه مخالفة لمواد صريحة في القانون العضوي للإعلام، تجعل من هذه الصفقة باطلة. والوزارة من فرط استعجالها، قررت الاتجاه إلى “القضاء الاستعجالي”، في المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس، وبرمجت القضية يوم 2 ماي للفصل فيها. أثناء ذلك، كانت القضية قد أخذت أبعادا كبيرة إعلاميا وسياسيا وفي مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما اعتبر إرادة واضحة من وزير الاتصال، المعروف بمضايقاته للجريدة، في إطلاق آخر رصاصة عليها. وهكذا تهاطلت رسائل التضامن من كل حدب وصوب، مواطنون، مناضلون، جمعويون، سياسيون، كلهم يستنكرون ما قالوا إنه استعمال للقضاء في قضية تجارية صرفة، وذلك لخلفيات وأهداف سياسية غير معلنة. أجلت المحكمة الإدارية القضية إلى يوم 4 ماي، دون الإفصاح عن الأسباب، بينما كان حميد ڤرين يحاول الدفاع عن نفسه من طوفان الاستهجان مما قام به، في حوار صحفي مع موقع “كل شيء عن الجزائر”. لكنه أثبت على نفسه، من حيث لا يدري، تلك الرغبة الجامحة التي تسكنه في التخلص من الجريدة، فقال إنه سيمتثل للقضاء في حال قرر غلق “الخبر” بينما قضية الغلق ليست مطروحة من الأساس، ثم أعاد ڤرين بصوت عال ما كان يقوله خافتا للمعلنين الخواص: “لا تعطوا الإشهار للجرائد التي تسود صورة الجزائر وتزرع الشقاق بين الجزائريين”، وهو مبرر ينتمي لعصور “ستالينية” غابرة لا ترى في الإعلام سوى جهاز دعاية للنظام. كلمات ڤرين ألهبت صحفيي “الخبر” وجلبت عليه “السخط” من باقي الزملاء الصحفيين، فتجمع الكل أمام مبنى المحكمة الإدارية، في 4 ماي، يوم الجلسة، للتنديد بما قاله وإعلان التضامن مع الجريدة، فكان يوما مشهودا من أيام الصحافة الجزائرية، شارك فيه مواطنون وسياسيون ونقابيون، ورفعوا كلهم لافتات تقول “كلنا الخبر”، “الخبر لن تموت”، “لن نركع”، “سنبقى نطعن حد السيف بوردة”.. إلى غير ذلك من الشعارات. قرر القاضي مرة أخرى تأجيل القضية إلى 11 ماي، مبقيا على حالة الترقب مما سيؤول إليه الحكم، لكن قانونيين، بعضهم مقرب من الرئيس بوتفليقة، مثل فاروق قسنطيني، عادوا وأكدوا مرة أخرى أن الحجج التي استندت عليها الوزارة لا أساس لها، لأن الشخص المعنوي الذي اشترى أسهم جريدة “الخبر” ليس هو من يملك “ليبرتي”، وبالتالي الصفقة لا غبار عليها. هذا الطرح تقاسمه الكثير من القانونيين والسياسيين الذين تضامنوا مع الجريدة، وأكدوا أن ما تتعرض له ليس له علاقة البتة بالقانون.. وما على القضاء، حسبهم، إلا أن يثبت اليوم أنه مستقل بحق.