لم يشفع لرئيس الوزراء السابق توني بلير، تقديم اعتذاراته وأسفه عما حدث من غزو وتدمير للعراق وانخراط لندن في سياسات رسمتها إدارة بوش للإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، بذريعة حيازة بغداد لأسلحة دمار شامل، بعد الاتهامات التي تضمنها تقرير صادر عن لجنة تحقيق بريطانية حول ملابسات المشاركة البريطانية في حرب الخليج الثالثة. فقد أشار تقرير اللجنة برئاسة دون شيلكو، أن بريطانيا تدخلت في مارس 2003، بجانب الولاياتالمتحدة، بينما لم يكن الرئيس العراقي صدام حسين يمثّل مصدر خطر، وأنه لم يستنفذ كافة السبل لإيجاد بدائل سلمية، وتضمّن التقرير أيضا انتقادات لاذعة لا سيما لتوني بلير، حيث لاحظ أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية شاركت بريطانيا في غزو واحتلال كامل لبلد ذات سيادة. ورغم محاولة بلير تقديم تبريرات حول ما اعتبره أصعب قرار يتخذه، مؤكدا تحمّله كامل المسؤولية على عاتقه، ثم تعبيره عن حزنه وأسفه واعتذاراته، إلا أن مشهد العراق كدولة مهددة بالتقسيم وكنموذج للدولة الفاشلة، ضاعف من تأثير التقرير الذي لم يخص بلير بمفرده بل حقبة من حقبات تسيير الحزب المحافظ في بريطانيا، فقد تضمن التقرير الكبير الذي جاء في 12 مجلدا و1.2 مليون كلمة، إيفادات وشهادات موثّقة، بما في ذلك لمصالح الاستعلامات البريطانية التي تفيد بعدم وجود أدلة واضحة تفيد بحيازة العراق لأسلحة دمار شامل سواء كانت كيميائية أو بيولوجية. واستعرض التقرير تناقضات حكومة بلير والوزير الأول ذاته الذي أكد في خطاب له أمام مجلس العموم في سبتمبر 2002، وجود خطر داهم يمثله العراق عبر امتلاكه لأسلحة دمار شامل، يضاف إليه الانقياد البريطاني لمواقف الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، وضغوطه لاجتياح العراق. كما انتقد التقرير البريطاني المسمى ب”تقرير شيلكوت” حول حرب العراق، بشدة الاستخبارات والجيش والقيادة السياسية في ظل حكم رئيس الوزراء توني بلير، في الفترة التي سبقت الاجتياح عام 2003 وخلال النزاع. وأشار التقرير إلى أن بلير كتب “سأقف إلى جانبك مهما حدث”، وذلك في مذكرة أرسلها إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في 28 جويلية 2002، قبل أشهر من الحرب في مارس 2003، وأوضح التقرير أنه “في مطلع جانفي 2003، كان بلير استنتج احتمال وقوع الحرب”. وفي نهاية الشهر ذاته وافق بلير على الجدول الزمني الأمريكي، للقيام بعمل عسكري بحلول منتصف مارس 2003”. وخلص التقرير إلى أن بلير “وضع المملكة المتحدة على الطريق المؤدي إلى نشاط دبلوماسي في الأممالمتحدة، وإمكانية المشاركة في عمل عسكري بطريقة من شأنها أن تجعل من الصعب جداً سحب دعمها للولايات المتحدة في وقت لاحق”. وتابع نفس التقرير أن بلير “لم يمارس ضغوطاً على الرئيس بوش للحصول على ضمانات مؤكدة حول خطط الولاياتالمتحدة، كما أنه لم يطلب المشورة حول ما إذا كان عدم وجود خطة تثير الارتياح سيسمح للمملكة المتحدة بإعادة تقييم التزاماتها في خطط كهذه للمشاركة في عمل عسكري”. وأكد التقرير أيضاً أنه “بات من الواضح الآن أن السياسة حيال العراق تقررت على أساس المعلومات الاستخباراتية والتقييمات الخاطئة لم يتم التشكيك فيها كما كان ينبغي”، وتابع أن “الأحكام حول خطورة التهديد الذي تمثله أسلحة العراق للدمار الشامل تم عرضها بتأكيدات لم يكن لها ما يبررها”.