أظهرت عمليات التدخل التي قامت بها القوات البحرية، سواء عبر الواجهة الشرقية أو الغربية للوطن، منذ حلول شهر رمضان الماضي، عودة نشاط شبكات الحراڤة التي تستعمل قوارب الموت لإغراء الشباب بالولوج إلى الضفة الأخرى، وذلك عبر مختلف المنافذ البحرية المتوزعة عبر السواحل. وفي هذا الإطار، سجلت فرق المركز الجهوي لعمليات الحراسة والإنقاذ، تدخلات في مناطق مختلفة، انتهت بإنقاذ حياة عشرات الأشخاص في عرض البحر، كان آخرها إنقاذ 70 شخصا، من بينهم عشرة قصر على بعد ستة أميال بحرية شمال شاطئ كريشتل شرقي وهران. فرضت عودة النشاط المكثّف لشبكات الهجرة غير الشرعية بعد سنوات من اندثاره، بتشديد الطوق الرقابي من قبل وحدات حرس السواحل عبر كل المناطق والمنافذ البحرية، وذلك لإفشال أي مغامرات بحرية محفوفة المخاطر عن طريق قوارب الموت، وتفادي تسجيل حوادث درامية تنتهي بموت الحراڤة غرقا مثلما حدث في السنوات الماضية، الأمر الذي أثمر بالتقاف العديد من الزوارق المطاطية العاطلة في عرض البحر، وإنقاذ حياة العديد من الأشخاص من بينهم أطفال قصر، على غرار ما تم الثلاثاء الماضي، عندما أنقذ حرس السواحل 70 شخصا كانوا على متن ثلاثة زوارق مطاطية تعطلت على بعد ستة أميال بحري بالقرب من منطقة كريشتل، وإجلائهم باتجاه ميناء وهران باستعمال وحدات عائمة. وحسب المعلومات المستقاة من المصالح الوصية المنتشرة عبر ولايات غرب البلاد، فإن فرق الإنقاذ التابعة لحراس السواحل نجحت خلال شهر رمضان في إنقاذ ستة أشخاص كانوا في عرض البحر تائهين، بعد أن خرجوا من شاطئ غزوات الذي تستعمله شبكات الحراڤة لتنفيذ مخططاتها لقرب المسافة بينه وبين السواحل الإسبانية، فضلا عن عمليات إنقاذ أخرى تمت بولايتي عين تموشنت ومستغانم، وذلك انطلاقا من الشواطئ التقليدية على غرار شاطئ بوزجار والميناء الصغير وسيدي لخضر، خاصة وأن هذا الأخير يتميّز بوجود منطقة غابية تُمكن منفذي هذه الرحلات من التمويه وتنفيذ عملياتهم بأريحية، من خلال الإفلات من الطوق الرقابي. ولم يقتصر النظام الرقابي على حراس السواحل فقط، بل تعداه إلى مصالح الدرك الوطني التي عمدت منذ مدة إلى تكثيف الرقابة على طول الطريق الوطني رقم 11 المحاذي لشواطئ ولاية مستغانم، وذلك بهدف تضييق الخناق على شبكات الحراڤة من جهة والشبكات الأخرى المتخصصة في سرقة الرمال، مما أثمر عن نتائج جيدة أدت إلى تقليص نشاط هذه الأخيرة. ويُرجع بعض المختصين عودة نشاط شبكات الحراڤة في الأيام الأخيرة، إلى مجموعة من الأسباب، أهمها استقرار الظروف المناخية لتزامن الظرف مع فصل الصيف، الأمر الذي يُعد عاملا مشجعا للحراڤة لتنفيذ رحلاتهم باتجاه الضفة الإسبانية، وضمان تفادي أي سيناريو قد يعكّر صفو رحلاتهم، فضلا عن استغلال هذه الشبكات لفترات يعتقد أنه تنخفض فيها الرقابة وبالتحديد خلال شهر رمضان ومناسبات الأعياد، ناهيك عن العوامل الأخرى التي تغري هؤلاء الشباب المغامرين بحياتهم للوصول إلى “الجنة الأوروبية” الموجودة في مُخيلتهم، هربا من تضاؤل فرص العمل المتاحة وظروف العيش الصعبة التي تولّدت عن إجراءات “التقشف” وصوم سوق العمل بالجزائر. بسبب نقص العمل “الاستخباراتي” عبر الولايات المجاورة لها عنابة تتكبد ضربات “عصابات المتاجرة بالبشر وصناعة قوارب الموت” يتفق بعض المهتمين بملف الهجرة غير الشرعية في الجزائر”الحرڤة”، أن من بين أسباب تزايد أفواج قوارب الحرڤة بولاية عنابة ومغادرتهم نحو الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، هو نقص العمل “الاستخباراتي” على مستوى بعض الأجهزة الأمنية في تتبع وملاحقة دورية لعصابات المتاجرة بالبشر وصناعة قوارب الموت عبر ولايات سكيكدة والطارف وڤالمة وسوق اهراس وجيجل وغيرها من الولايات المجاورة لولاية عنابة. وتشير مصادر أخرى، أن مصالح أمن ولاية عنابة والمجموعة الإقليمية لحرس السواحل بنفس الولاية، يعانون الأمرّين جراء الملاحقة شبه اليومية لعصابات الهجرة غير الشرعية برا وبحرا، على الرغم من أن أفواج وقوارب الحراڤة تنطلق معظمها من ولايات مجاورة، حيث تكون بداية التخطيط الأولي لانطلاق هذه الرحلات من طرف شباب معظمهم، حسب الإحصائيات التي تحوز عليها المصالح الأمنية، ينحدرون من ولايات سوق أهراس، الطارف، سكيكدة وحتى قسنطينة وأم البواقي، باتنة وكذا ڤالمة وغيرها من الولايات المجاورة لولاية عنابة، مما يعجّل، حسب ذات المصادر، ضرورة تدخل قيادات مختلف الأجهزة الأمنية كالشرطة والدرك الوطني لعقد اجتماعات تنسيقية بين مسؤولي هذه الولايات كل حسب اختصاصه الإقليمي من أجل وضع برنامج ومخطط عمل “مخابراتي” لملاحقة ومحاربة عصابات المتاجرة بالبشر انطلاقا من الولاية التي ينتمي لها المشتبه فيهم، خصوصا وأن مصالح أمن ولاية عنابة والمجموعة الإقليمية لحرس السواحل، تمكّنوا خلال الأشهر الماضية، من اعتراض وتوقيف العديد من قوارب الحراڤة، انطلق الشباب الموقفين من شواطئ تابعة إقليميا لولايات الطارف وسكيكدة وكذا ولاية جيجل، مما يطرح تساؤلات حول الطريقة التي تمكّن من خلالها هؤلاء الحراڤة التخطيط الأولي تم مغادرة هذه الشواطئ وركوب القوارب دون أن تتفطن لهم الأجهزة الأمنية العاملة عبر هذه الولايات. وسبق أن سجلت المجموعة الإقليمية ومصالح الشرطة بعنابة، خلال نشاطها هذه السنة، خروج أفواج الحراڤة من شواطئ البطاح والشط التابعين لولاية الطارف، إضافة إلى تسجيل ذات المصالح الأمنية خروج قوارب أخرى من شواطئ شطايبي ووادي بقرات وشواطئ أخرى محاذية لدائرة القل بولاية سكيكدة. وزاد نقص اليقظة عبر العديد من الشواطئ التابعة إقليميا للولايات المجاورة لولاية عنابة، من معاناة مصالح الأمن وأفراد المجموعة الإقليمية لحرس الشواطئ بعنابة، بسبب التدخل الدوري عبر الشواطئ وفي عرض البحر لاعتراض وتوقيف قوارب غادر أصحابها من ولايات أخرى، بدليل ما وقع منذ بضعة أسابيع، حينما تاه في عرض البحر لمدة أربعة أيام كاملة مجموعة من الحراڤة ينحدرون معظمهم من شطايبي ودائرة القل ولاية سكيكدة، مما تطلب تدخل أفراد حرس الشواطئ لولاية عنابة بمساعدة مصالح الشرطة لإنقاذ هؤلاء الحراڤة وإخضاعهم إلى العناية الطبية وإحالتهم على التحقيق الأمني بمقر أمن عنابة بعدما تم طلب معطيات كشف الهوية من أمن الولاية الذي تتواجد فيها مقرات سكنهم بولاية سكيكدة. وطالب المختصون من مختلف الجهات الأمنية، وضع مخطط عمل استخباراتي لمحاربة هذه الظاهرة التي تشرع العصابات في التخطيط لها ليس من داخل ولاية عنابة فقط وإنما من ولايات أخرى ينطلق من شواطئها العديد من قوارب الموت دون أن يتم التفطن لها. المختص في علم الاجتماع السياسي، نور الدين بكيس، ل “الخبر” “الأزمة ستزيد من استفحال الحرڤة” توقّع المختص في علم الاجتماع السياسي، الأستاذ نور الدين بكيس، استفحال ظاهرة الحرڤة مستقبلا، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، وحمّل النظام السياسي مسؤولية تجذّرها، كونه يضفي الشرعية على الفساد والتسيّب، بعد أن اجتهد، يضيف، في توزيع الريع بدل المعالجة الفعلية للأزمة الاقتصادية والسوسيو ثقافية. قال الأستاذ بكيس في تصريح ل “الخبر”، بأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تعيشها كل المجتمعات التي تواجه أزمات اقتصادية واجتماعية، وهي معرّضة للاستفحال في الجزائر، لأن السياسات السوسيو اقتصادية القائمة لم تعتمد المعالجة الفعلية للأزمة الاقتصادية والسوسيو ثقافية، بقدر ما اجتهدت، حسبه، في توزيع الريع والتستر على شتى أنواع الفساد، مما زاد من تعقيد الأزمة. وحسب نفس المتحدث، فإن المتفق عليه، أن الفرد الجزائري اليوم فقد إلى حد كبير قيمة العمل وبذل الجهد من أجل تحقيق الأهداف وأصبح يراهن على تحقيق أكبر قدر من الأهداف بأقل جهد ممكن، لذلك نجد، يضيف المتحدث، فئات واسعة من المجتمع تحبّذ تهديد النظام العام بقطع الطرقات واحتلال الفضاءات العامة لتحقيق أهدافها من شغل أو سكن أو مطالب اجتماعية أخرى. وهي المعالجة التي أصبحت تتسم بكثير من الشرعية حسب المختص في علم الاجتماع السياسي، فهي تعتمد على توزيع الريع. ففي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وتراجع المداخيل، يقول، سوف يضطر النظام السياسي إلى مراجعة هذه “الصفقة” السلبية القائمة مع المجتمع ويضطر إلى التقليل من فرص الكسب السهل وتوزيع ما تبقى من الريع، مما سيعطي دفعا أكبر لظاهرة الهجرة، وهذا ليس بسبب الأزمة الاقتصادية بالدرجة الأولى حسب محدثنا، بقدر ما هو بسبب تنشئة الشباب على فكرة الربح السهل والاتكالية وانتظار المرافقة من الآخرين من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الكهولة، لذلك، فإن المحرك الأساسي لظاهرة الهجرة في الجزائر، يضيف، هي أزمة تنشئة الفرد على قيم سلبية تتنافى مع تحقيق الذات والنجاح ببذل الجهد والعمل والصبر على تحقيق النتائج. وأشار الأستاذ بكيس، إلى أنه حتى المهاجر العربي عموما عندما ينتقل إلى الغرب يبقى مكلف اجتماعيا بالنسبة للدول المستقبلة، حيث أول ما يبحث عنه يركّز على ما يمكن أن يستفيد من النظام الاجتماعي، فيتّخذ كل الأسباب للعيش عالة على كل المجتمع، مثل الزواج على الأوراق ووضعية المحتاج بالمساعدة، بل يصل به الأمر إلى درجة الإجرام وخلق أحياء المهاجرين التي تعيش على حافة المجتمع. لذلك، فإن ظاهرة الحرڤة سوف تزداد شدتها، لأننا يقول، أنتجنا شبابا اتكاليا لا يعتمد على سلوكات عقلانية، وكثيرا ما يتخذ مواقف ارتجالية وانفعالية لأنه في قرارة نفسه يعلم أن المجتمع سوف ينقذه بشكل أو بآخر، فيعيد إنتاج الإتكالية بشكل آخر. وبصفة عامة، فإن الأزمة الاقتصادية سوف تزيد من حدة الظاهرة “في بلد يضفي شرعية على الفساد والتسيّب والربح السريع غير الشرعي والبيروقراطية ويسوّق صورة الفاسد الناجح في كل المجالات، فكيف يمكن إذن الحديث عن وضع قيم العمل والمثابرة والوطنية، فهي مسؤولية مشتركة يتحمّل القدر الأكبر منها النظام السياسي بأخطائه المتكررة وباقي مؤسسات المجتمع بنسب متفاوتة..” يضيف الأستاذ نور الدين بكيس.