اهتمت الصحافة العالمية اهتماما بالغا بالقرارات السعودية العاصفة التي هزت الشرق الأوسط، حين صدرت أوامر باحتجاز 11 أميرًا، وعشرات الوزراء السابقين، و4 وزراء حاليين، على خلفية اتهامات بالفساد. وأعلن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في وقت متأخر يوم السبت، تشكيل لجنة عليا جديدة لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم أعقبها قرار اللجنة باحتجاز الأمراء الذين كان من بينهم الملياردير السعودي صاحب الشهرة العالمية، الوليد بن طلال. ورأى مراقبون أن ولي العهد الأمير محمد يتبنى برنامجا طموحا للإصلاح الاقتصادي، يستهدف جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية واستثمارات القطاع الخاص إلى المملكة، وهو ما لن يتحقق إلا باجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام، بحسب نص الأمر الملكي الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية. وبحسب ما يقوله الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن أيا من الملوك السابقين لم يفكر في الإصلاح بهذه السرعة التي يتحرك بها الأمير الشاب، ففي الوقت الذي شهد فيه العالم تغيرا كبيرا جدا في التكنولوجيا والتعليم والعولمة، اعتقد هؤلاء الملوك السعوديون المتعاقبون أن إصلاح بلادهم بسرعة 10 أميال في الساعة كان يكفي مع تغطية هذا البطء بالعوائد النفطية. ويصف كاتب التقرير محمد بن سلمان بالشاب الطموح المتعجّل الذي يتملكه الشغف نحو الإصلاح، والذي إن لم يكون موجودا لكان على النظام السعودي أن يخترع شخصًا مثله يهز المكان ويلقي حجرا في المياه الراكدة. ويضيف: "قال لي أحد الصحفيين السعوديين المخضرمين إن هذا الرجل أنقذ السعودية من الموت البطيء، لكنه يحتاج إلى توسيع قاعدته". الأمير الشاب يسعى بقوة إلى إحداث تغيير جذري في المملكة العربية السعودية، وإحداث العديد من التغييرات الجذرية في آن واحد، فقد تعهد بإعادة الإسلام السعودي الأكثر اعتدالا، وتقليص صلاحيات الشرطة الدينية والسماح للمرأة بالقيادة، وهذا أمر بالغ الأهمية. وهو يجرئ الناس على الحكم على حكومته على أساس الأداء وليس على أساس التقوى، وعلى أسس مؤشرات الأداء الرئيسية، مثل البطالة والنمو الاقتصادي والإسكان والرعاية الصحية، وليس على أساس القرآن، وهو ما قد يجعل له الكثير من الأعداء في آن واحد، لكن قناة فوكس نيوز تكشف كلمة السر وراء جرأته وإقدامه على ذلك وهو "الرهان الديموغرافي"، إذ يراهن بن سلمان على دعم الشباب. وتقول القناة إنه يتحرك انطلاقا من عدد السكان الكبير في المملكة، الذي يهتم بالترفيه والفرص الاقتصادية أكثر من العقيدة الدينية، لافتة إلى أنه قد تكون للتدابير الخطيرة للقضاء على جمود الأصولية الإسلامية التي تتخلل الأمة، آثار مفيدة على التجارة والمعاملات المالية والاقتصاد بشكل عام. يذكر أن أعمار نحو 70 في المائة من السعوديين تقل عن 30 عاما، ونحو 25 في المائة منهم عاطلون عن العمل. وبالإضافة إلى ذلك، هناك 200 ألف يدرسون في الخارج، وحوالي 35 ألفًا منهم —رجالا ونساء- يعودون إلى البلاد كل عام، ليبحثوا عن فرص عمل مناسبة. مما حدا بالأمير الشاب إلى التحرك نحو خلق المزيد من فرص العمل خارج قطاع النفط، حيث لم يعد الدخل السعودي هو ما كان عليه في السابق، ولا يمكن للحكومة الاستمرار في تناول مدخراتها لشراء الاستقرار. لكن القناة تشير فيما يحمل تحذيرا للأمير الطموح، إلى أخطر سيناريو وقع في عام 1979، عندما ضاق المتشددون ذرعا بالعائلة المالكة واتهمومها بأنها غير إسلامية، واستولوا على المسجد الحرام في مكةالمكرمة، وهو الحادث الذي صدم العالم الإسلامي وأضر بموقف الأسرة المالكة، لكنها في الوقت ذاته تؤكد في نهاية التقرير إلى أنه داهية وذكي، وسنرى كيف يمتلك قوة التحمل للحفاظ على موقفه الثوري.