شنڨريحة يتلقى مكالمة من تشارلز براون    لا أنوي البقاء في السلطة بعد انتهاء عهدتي الثانية و سأحترم الدستور    إطلاق برنامج خاص لرحلات الحج لموسم 1446ه/2025م    الشعب الفلسطيني يُكنّ للجزائر محبة صادقة خاصة ومن الأعماق    خنشلة: الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية توقيف شخص بحوزته مؤثرات عقلية    الجزائر قطعت خطوات كبيرة في مجال حماية وترقية حقوق الطفل    الاستلاب الثقافي والحضاري..!؟    السيد شايب يلتقي بوزيرة التضامن والأسرة وقضايا المرأة    طاقة ومناجم: السيد عرقاب يبحث مع وزير البيئة التشيكي سبل تعزيز التعاون    حيداوي: "ضرورة تعزيز استخدام اللغة الإنجليزية في الأوساط الشبانية"    وزير الثقافة والفنون يشرف على عرض أحسن المشاريع والأفكار السينمائية الشبابية في مجال الإبداع والاستثمار    وزير الرياضة" وليد صادي" يستقبل البطلة الأولمبية إيمان خليف ويؤكد دعمه لمسيرتها التحضيرية    الصندوق الوطني للتقاعد : دعوة إلى استخدام الخدمات الرقمية لتجديد الوثائق الثبوتية    ربط صوامع الحبوب بشبكة السكة الحديدية : انتهاء ربط 3 صوامع وبرمجة 30 صومعة إضافية    الصحة الفلسطينية: 70 شهيداً في الضفة الغربية منذ بداية 2025    قويدري يتسلم مهامه على رأس وزارة الصناعة الصيدلانية : "سنعمل على توطين صناعة الأدوية وتحقيق الأمن الصحي"    كمبوديا حريصة على توطيد تعاونها مع الجزائر على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف    قسنطينة..برمجة غرس أزيد من 100 ألف شجرة مثمرة    ورقلة: إبراز أهمية الحوكمة والشفافية بقطاع الفلاحة للوقاية من الفساد    طواف الجزائر للدراجات 2025: كل الظروف مهيأة لإنجاح الطبعة ال25    إثراء مشروعي قانوني الأحزاب السياسية والجمعيات..بوغالي يثمن مبادرة توسيع الاستشارة ويشيد بجهود الفوجين    رئيس الجمهورية في حوار مع جريدة "لوبينيون":"المناخ مع فرنسا أصبح ساما.. وماكرون ارتكب خطأ فادحًا"    النقابة الوطنية لناشري الكتب تثمن إجراءات الدعم الجديدة لصناعة الكتاب وتسويقه    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس" : اتحاد الجزائر -اتحاد خنشلة يوم الأربعاء دون جمهور    المخزن يطرد مئات المراقبين الأجانب    بداري: الجامعة رافد حقيقي    الشروع في عملية غرس 2000 شجرة زيتون بتيزي وزو    هكذا تحمي نفسك وعائلتك من الأمراض الشتوية    وزير العدل يجتمع بمجلس التوثيق    ترامب يعلن الحرب الاقتصادية على العالم!    ما هي فرص التقاء ريال مدريد وبرشلونة؟    6 ميداليات للجزائر    الإذاعة الثقافية تبلغ الثلاثين    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    مهما قيل فهو الانتصار    بداية دفع تكلفة الحج    غريب يستعجل معالجة الملفات الاستثمارية العالقة    رئيس الجمهورية: همنا الوحيد هو إقامة الدولة الفلسطينية    دعم فرنسا لما يسمى بخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية "خطأ فادح"    مولاي وخوجة "حمراويان" في انتظار ضم حمرة وجوبي الغابوني    6 مشاريع جديدة لتربية المائيات بوهران    جهود لتغيير وجه المنطقة نحو الأحسن    تحديث وتحسين محطات الوقود والخدمات    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية لعائلة الفقيد    مفارقات عبثية بين الحياة والموت    مسار وتاريخ    مدرب بوركينافاسو يشيد ب"الخضر" قبل مواجهة "الكان"    ثلاث فتيات ضمن عصابة مهلوسات    النمط المعيشي في قفص الاتهام    دعوة إلى سياسة جنائية وطنية للحد من جرائم القتل    توقع إيرادات تفوق 600 مليار سنتيم خلال 2025 : لترشيد النفقات.. الفاف يطلق مشروعًا جديدًا    انطلاق التربص التكويني لفائدة اطارات وزارة العلاقات مع البرلمان    انطلاق عملية دفع تكلفة الحج لموسم 2025 عبر كافة ولايات الوطن    سايحي يلتقي نقابة الممارسين الأخصائيين    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب الدّيني.. بين الكثرة والتّطويل والتّركيز والفعالية
نشر في الخبر يوم 03 - 01 - 2018

مصطلح الخطاب الدّيني يحمل في طيّاته الكثير من المضامين والمدلولات، وله أبعاد متعدّدة، والّذي أقصده به هنا هو مظاهره
أو آلياته من درس أو خطبة أو محاضرة أو ندوة أو حصّة إعلامية أو غير ذلك. فالّذي لا نختلف عليه هو أنّه في العقدين الأخيرين خاصة بسبب توسّع العمران الّذي أدّى إلى كثرة المساجد، وبسبب التطوّر الهائل لوسائل الإعلام والاتصال صار ثمّة حضور قويّ للخطب والدّروس والمحاضرات الدّينية في حياة النّاس، وأخشى أن نكون قد وصلنا حدّ التخمة!
مع ما في هذا من خير لا شكّ فيه، وبغض النّظر عن المضمون الّذي فيه شيء غير قليل من الأخطاء والتّحيّزات وحتّى الانحرافات، يضاف إليها المستوى الضّئيل الهزيل لبعض المتكلّمين الّذين وجدوا لهم موطن قدم في فضاء الفراغ الرّهيب الّذي تعيشه الأمّة، ولمسايرتهم موضة التّديّن الغالبة في الوقت الرّاهن، بغضّ النّظر عن كلّ هذا أريد التّنبيه إلى نقطة أحسب أنّنا لا نختلف عليها، وهي أنّه لا ريب في وجود خلل ما في هذا المنتوج وفي هذا الزّخم وفي هذا الرّكام؛ ولهذا لم يحقّق النتائج المرجوة منه كاملة من هداية النّاس إلى ربّهم، وردّهم إلى دينهم، وتغليب صوت الحقّ على صوت الباطل، ذلك أنّ الله عزّ شأنه يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، فإذا وجد الحقّ في صورته الصّادقة الكاملة، فإنّ شأن الباطل هيّن، ومآله الزّهوق والاضمحلال، أمّا إذا وجدنا مقاومة من الباطل للحقّ، أو استعلاءً منه عليه فهنا علينا أن نرجع إلى حال أهل الحقّ لننظر هل نصروه كما تجب له النّصرة؟، وهل قدّموه للنّاس كما يستحقّ التّقديم؟ طبعًا ظاهرة الخطاب الدّينيّ ومدى نجاعته ظاهرة معقّدة وتحتاج إلى دراسات معمّقة، بيد أنّي أريد أن أعرج على قضية شكلية، ولكنّها ذات أثر بالغ في هذه القضية، فمع التّسليم بأنّ الجوهر أخطر من المظهر، والمضمون أهم من الشّكل، إلّا أنّ هذا لا يعني إهمال الشّكل والمظهر كليّة، فالمضمون الجميل إذا قُدّم في شكل قبيح نفر النّاس منه وفرّوا! هذه القضية الشّكلية هي قضية الكثرة والتّطويل، ففي الوقت الّذي يشكو الجميع من قلّة فعالية الخطاب الدّينيّ وضآلة تأثيره في حياة النّاس، نجد تكاثرًا في الدّروس والخطب والمحاضرات... إلخ، كما نجد تطويلاً في كثير منها، وكأنّي بنا معشر الوعّاظ والمدرّسين والمستمعين استروحنا للكلام هروبًا من مواجهة الواقع؛ لأنّ ميدان القول غير ميدان العمل!. ميدان القول خفيف سهل متّسَع، وميدان العمل ثقيل صعب كثير المضايق والعقبات!. وهذا جعلنا تحت طائلة حكم قول الحقّ سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. قد يقول قائل: هذه زيادة في الخير، وليس في ذلك ضير؟، والحقيقة غير ذلك. فكثرة المواعظ والدّروس والكلام... إلخ والتّطويل في كلّ هذا أدّى إلى تحوّل هذه الأمور إلى عملية تثقفية بحتة تكتفي بنقل معلومات وتكديسها، دون الاهتمام بتفعيلها ليكون لها أثر في حياة النّاس، فتحوّلت الآيات والأحاديث والعلم والوعظ إلى ثقافة تستفاد ومعلومات تعرف وتحفظ، بدل أن تكون تعليمات تنفّذ وتوجيهات تطبّق وتربية تُسلك!. ووجد بالتّالي مسلم ذو ثقافة شرعية لا بأس بها، ولكن سلوكه وخلقه وموقفه قد يكون مناقضًا للإسلام!، أو بتعبير آخر: المسلم الّذي يعرف الحرام جيّدًا ولكن يقترفه سعيدًا!. وإذا رجعنا إلى انطلاقة الإسلام الأولى للنّظر كيف بنى النّبي صلّى الله عليه وسلّم تلك النّفوس المؤمنة؟، وكيف نقلها من الجاهلية بكلّ سلبياتها إلى الإيمان بكلّ إيجابياته؟، سنلحظ أمرين فيما يخصّ موضوعنا: الأوّل يتعلّق بنزول القرآن الكريم مُنَجَّمًا مفرَّقًا، وهذا أمرٌ له حكم بالغة كثيرة جلّاها أئمتنا، ومن هذه الحكم ما يتعلّق بتربية المسلمين على معاني وقيم الإسلام، حيث كانوا يتعلّمون آيات محدّدة من القرآن الكريم ولا ينتقلون إلى غيرها حتّى يعملوا بما فيها، قال التّابعي الجليل أبو عبد الرّحمن السّلميّ رضي الله عنه: حدثنا الّذين كانوا يقرئوننا القرآن من الصّحابة أنّهم كانوا إذا تعلّموا من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر آيات لم يتجاوزوها حتّى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا. فلم يستكثروا من حفظ القرآن -كما يحدث في زمننا حيث صارت تعقد دورات لحفظ القرآن الكريم في 25 يومًا!- بقدر ما كانوا يحرصون على التّفاعل الإيجابي مع أحكامه وتوجيهاته، هذا الأمر الأوّل. أمّا الأمر الثّاني فيتعلّق بخطب وأحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيث نجد أنّ أطول خطبة رويت عنه صلّى الله عليه وسلّم هي خطبة الوداع، وهي إذا جمعت كلّ ألفاظها لا تتجاوز دقائق معدودة، وأمّا أحاديثه فهي في الغالب قصيرة مختصرة، وبعضها من كلمتين، والأحاديث الطّوال منها محصورة معدودة، وهذا يعني أنّها كانت مركّزة، موجّهة مباشرة للمغزى والهدف من الكلام؛ ولذلك سهل حفظها كما سهل استحضارها عملاً والتزامًا. ومع أنّ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهيٌّ لذيذ لا يُملّ سماعه ولا يسأم منه، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتخوّلهم بالموعظة خشية السّآمة عليهم!. فما الّذي يجب على من دونه من الخطباء والوعّاظ أن يفعلوه في هذا؟!. وعلى كلّ فتقليل الكلام وتقصير الخطب والمواعظ سُنّة نبويّة على الدّعاة التزامها. وإنّما ألمحت إلى هذه المعاني تنبيهًا على أنّ كثرة الكلام وتطويله يؤثّران سلبًا على تركيزه وتأثيره، ولا خير في كلام يُلهي أو يُتلهى به ولا يكون له أثر ولا خبر!.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.