أوقعت حادثة فشل تصدير منتوجات زراعية إلى دول أوروبية وعربية ارتباكا كبيرا في الوسط الفلاحي والتجاري عبر الأسواق المحلية وفي أسواق الجملة، حتى أن بعضهم ألحقها بنظرية "المؤامرة" من "صنيع أياد من دولة جارة للجزائر"، لكن ذلك لم يجد إقناعا لدى زراعيين ومالكي محلات بيع الكيميائيات والمبيدات الموجهة لحماية النباتات والمحاصيل ضد مختلف الآفات الحقلية. "المشكل ليس في المبيدات أو ما يُعتقد بأنه إفراط أو جهل في استخدامها، بل في عدم احترام فترة الأمان التي تعقب عمليات الرش قبل جني المحاصيل، وهو أمر لا يجوز لأي فلاح أو مزارع تبريره أو تجاهله، ففترة الأمان محددة بكل وضوح على علب تغليف الأدوية من قبل المخابر المصنعة، وهي تتراوح من 3 أيام بعد الاستعمال لبعض المزروعات إلى 28 يوما، كما أن أغلبية المزارعين غالبا ما يتلقون لدينا كل التفاصيل بشأن ذلك، ولا يجوز التذرع بجهل استخدام أي منها مهما قيل عن غياب الإرشاد من قبل التقنيين الفلاحيين"، يقول ع. توفيق مختص في بيع المستحضرات والمضادات الحشرية والآفاتية المستخدمة في حماية المزروعات والمحاصيل، وهو الذي تنبه منذ سنوات إلى هذا الخطر من خلال تعليقه لافتة بمحله موجهة لزبائنه كتب عليها "عليكم ألا تنسوا احترام فترة الأمان"، وهذا بمنطقة العمارية التي تعتبر نموذجا فلاحيا وزراعيا متميزا شرقي ولاية المدية.
اللهفة والخشية من كساد المحصول وراء التسرع في جني المحاصيل
بعض المزارعين لم يخفوا تسرعهم، عند مفاتحتهم في مسألة سوء استخدام المبيدات، في الإقدام على جني المحاصيل من أجل عرضها بأسعار مرتفعة مبكرا، وحتى قبل النضج في السوق ونفاد فترة الأمان بعد استخدامهم مبيدات الحشرات. "أنا أقر بأنه لم يعد هناك مزارع أو فلاح يجهل تماما مخاطر استخدام أي مبيد على صحة المستهلك، حتى أن بعضهم يتفادى مثلا أي رش بالمبيدات للرقعة المخصصة في مزرعته لاستهلاكه الشخصي والعائلي، لكن المشكل يبقى في هشاشة أسعار التسويق بالجملة، وخشية المنتِج من نكسات الكساد التي يتفنن السماسرة في حبكها، ولذلك يلجأ الفلاح إلى عمليات استباقية بالاستعجال في الجني على حساب معايير السلامة التي تتطلبها فترة الأمان ونفاد فعالية المستحضرات الواقية للمحاصيل"، يقول مزارع من منطقة سيدي نعمان بذات الجهة، مرجعا المسؤولية لا للمزارعين وحدهم بل لغياب رقابة لصيقة للمحاصيل عند الشروع في الجني والتسويق.
بين الخطر والمستهلك مدة زمنية لا تتعدى الساعتين
في ظل غياب الرقابة المخبرية الممنهجة على صحية المحاصيل الفلاحية، بدءا بأسواق الجملة، لا يمكن انتظار أية سلامة في الأفق يرتكن فيها للرقابة الذاتية، مع التراجع الفظيع في القيم المهنية والأخلاقية، لذلك يزداد زمن الأمان من التسممات بالمستحضرات الموجهة لوقاية المحاصيل تقلصا وتجاوزا بصحة المستهلكين. "حسب تقديري وتفاعلي غير المنقطع مع حركية أسواق الجملة، فإن المدة التي يقضيها المنتج الفلاحي، خاصة منه الهش وغير المعمر، قد لا تتجاوز ساعتين من الزمن لبلوغه سلة المستهلك، ولذلك فإن إمكانية التسمم بأي مستحضر لم تُحترم فيه فترة الأمان تصبح أقرب إلى معدته، وحتى إن تم بسط إخضاع المحاصيل للمعايير المخبرية على عتبات أسواق الجملة، فإنه يجب أن يكون تحديا في حد ذاته لهذه السرعة في تنقل السلع من المنتج نحو المستهلِك"، يضيف محدثنا نافيا تحميل المسؤولية مخابر أجنبية تملك، كما قال، باعا طويلا في تطوير جوانب السلامة في مستحضراتها، واستشهد بمخبر ألماني استثمر قرابة 4.5 مليار أورو فقط في بحوث تتقدمها تلك المتعلقة بمعايير السلامة وحماية المستهلك، وقبلها حماية لعلامته التجارية ذائعة الصيت دوليا.
محاصيل أكثر عرضة لمخالفة فترات الأمان بسبب هشاشتها
تبقى المحاصيل المسمدة بفضلات الدواجن، التي أصبح التلهف على جمعها واقتنائها بأسعار غير متوقعة من قبل المزارعين، أكثر عرضة لحمل التسممات إلى بطون المستهلكين، نظرا لاحتوائها على مواد كيميائية فعالة مستخدمة أصلا وأحيانا بطرق مريبة كأغذية لتسمين الدواجن، وحتى هي أصبحت لا تُحترم فيها مسائل الأمان المتوخاة في المعايير الصحية، كضرورة إخضاعها للتجفيف المطول قبل حشدها نحو مزارع البطاطا ومختلف اليقطينيات من بطيخ بكل أنواعه وغيرها. إلى جانب المحاصيل المسمدة بفضلات الدواجن، تبقى محاصيل الفلفل، الطماطم، العنب، الخوخ والفراولة في مقدمة المنتجات الممسوسة بخطر حمل التسممات الناجمة عن استخدام المبيدات الحشرية والمستحضرات الكيميائية، خاصة في مجال الزراعات المغطاة في البيوت البلاستيكية التي تقل فيها عمليات التهوية أو التعرض لمختلف العوامل الطبيعية الخارجية، على غرار التساقطات المطرية وأشعة الشمس وهبوب الرياح، ما يجعلها أكثر احتفاظا من غيرها بفعالية المبيدات وتمديد فترات الأمان، بحسب المختصين والمزارعين.