على الرغم من الخطابات التطمينية التي تطلقها الحكومة والجهات المسؤولة بشأن عدم تأثير القرارات المتخذة لعلاج الوضع الاقتصادي على التبادلات التجارية والقدرات الشرائية للمواطنين التبادلات التجارية، إلا أن الواقع يحمل مؤشرات مخالفة، لكون النشاط التجاري بالبلاد يشهد ركودا غير مسبوق وشلل مخيف تحسسه وشعر به جل التجار والمواطنين، وتجلى في أقوالهم وأفعالهم التي رصدتها "الخبر"، وأكدته أرقام الديوان الوطني للإحصائيات المتعلقة بالثلاثي الأول من السنة الجارية. سجّل النشاط التجاري انخفاضا محسوسا في الثلاثي الأول من سنة 2018، لدى تجار التجزئة والجملة لبعض المنتجات، جراء عزوف المواطنين على اقتنائها بسبب ارتفاع الأسعار، ومرجح ارتفاعها أكثر على المدى المتوسط، من منطلقات ترتبط بتداعيات التمويل غير التقليدي وطباعة النقود واسقاطات التضخم المتوقعة في السنة المقبلة. وقد أكدت مؤشرات استطلاع للرأي قام به الديوان الوطني للإحصائيات لدى التجار، انخفاض النشاط التجاري، على غرار كل القطاعات الاقتصادية، وظهر بجلاء خصوصا عند تجار الآلات وعتاد التجهيز وأيضا العقاقير والأجهزة الكهرومنزلية والعطور، من جهة أخرى، فإنّ معظم التجار الذين شملهم الاستطلاع اشتكوا من "بطء إجراءات اقتناء السلع وطول آجال التموين". وأقر أزيد من 69 في المائة من تجار الجملة وقرابة 18 في المائة من تجار التجزئة بتسجيل انقطاعات في مخزون المنتجات خاصة الذين ينشطون في تجارة الآلات وعتاد التجهيز وأيضا العقاقير والأجهزة الكهرومنزلية والعطور، الأمر الذي انعكس على تأثير الخيار المتبع من قبل الحكومة في تقليص حجم المنتجات المستوردة على النشاط التجاري، ومن ثمة فإنّ حوالي 41 في المائة من تجار الجملة و17 في المائة من تجار التجزئة اقتنوا منتجاتهم من القطاع الخاص خاصة تجار المواد الأولية و النسيج والعقاقير والأجهزة الكهرومنزلية والعطور. وبالموازاة مع ذلك، فإنّ التحقيق يكشف بأنّ نسبة تلبية الطلبات تقدر فقط ب 50 في المائة من الاحتياجات المعبرة وهذا حسب رأي أزيد من 67 في المائة من تجار الجملة وحوالي 64 في المائة من تجار التجزئة، خصوصا تجار الصناعات الغذائية ومواد التشحيم والوقود والمواد الأولية ونصف المصنعة، وحسب نتائج الاستقصاء فإنّ أسعار شراء المنتجات اعتبرت "مرتفعة" حسب 60 في المائة من تجار الجملة وأزيد من 20 في المائة من تجار التجزئة. على اعتبار أنّ ارتفاع الأسعار مس العديد من السلع، كما هو الشأن بالنسبة للصناعات الغذائية والمواد الأولية والمواد النصف مصنعة وأيضا الآلات وعتاد التجهيز. وعلى صعيد المعاملات، فإن مؤشرات تراجع النشاط التجاري تكمن في انكماش المبادلات التجارية بين المواطنين، فضلا عن المخاوف التي تتملكهم عندما يقبلون على شراء معدات غالية أو سيارات أو منازل، وهو ما جعل أسواق السيارات والعقار والأجهزة الكهرومنزلية والآليات الضخمة تشهد شللا كبيرا، بخلاف السنوات التي كان فيها النفط في أعلى مستوياته، أين كان المواطن يقدم على سلوك الشراء بدون تردد.