يخرج، بعد غد الأربعاء، أكثر من مليوني عامل في مسيرة “عمالية” بامتياز، بالموازاة مع إضراب وطني في 13 قطاعا حساسا، على رأسها التربية والصحة والتعليم العالي التي تمثل أكبر نسبة في الوظيفة العمومية، “للمطالبة بالتغيير السياسي، والتمهيد لبناء دولة التعددية والحريات، والقضاء على الغبن والظلم الاجتماعي الذي تتخبط فيها طبقة شغيلة تم مقاضاة ممثليها وحبسهم وفصلهم عن العمل تعسفيا بسبب نشاطهم النقابي، ومطالبتهم بالعدالة في جميع المجالات”. أكد ممثلو كنفيدرالية النقابات الجزائرية عزمهم الخروج في مسيرة سلمية وطنية بعد غد الأربعاء، تنفيذا للقرار المنبثق عن اجتماعها الأخير، حيث اتفقت 13 نقابة في الوظيفة العمومية، تمثل قطاعات كل من التربية والصحة والتعليم العالي والتكوين المهني والبريد والخطوط الجوية الجزائرية والأئمة وغيرهم، على تنظيم هذه المسيرة موازاة مع شلّ هذه القطاعات في إضراب وطني، سيكون بمثابة أول عثرة بعد العطلة الربيعية، في التربية والتعليم العالي بشكل خاص، بسبب التخوف الكبير من شبح السنة البيضاء الذي يهدّد هذين القطاعين إذا ما امتدت الإضرابات إلى التلاميذ والطلبة. وقال ممثل نقابة “كناباست” مسعود بوديبة في هذا الإطار، بأن الكنفيدرالية تحضر في جميع الولايات للمسيرة بالتنسيق مع كل النقابات المستقلة المشكلة لها لإنجاح هذا اليوم العمالي بامتياز، يضيف، فالنقابات المستقلة في قطاعات الوظيفة العمومية أثبتت ميدانيا أحقية التمثيل بالأغلبية، مع تسجيل نقص في القطاع الاقتصادي، حسبه، بسبب سياسة “التضييق” المعتمدة لمنع هيكلة العمال على مستوى المؤسسات الاقتصادية، وهو تعدّ صارخ على قوانين الجمهورية، واستمرار لسياسة “قمع” حرية ممارسة الحق النقابي. وأشار بوديبة إلى الأخبار المتداولة حاليا بخصوص قرار منع المسيرات في أيام الأسبوع، حيث ندّد بحملة التوقيفات التي طالت أول أمس العمال المنتفضين أمام مقر المركزية النقابية، واستنكر اعتقال العديد من النقابيين بسبب وقفتهم السلمية، وإن كان قد أكد بأن النقابات المستقلة تشهد باحترافية المؤسسات الأمنية التي سايرت كل التجمعات والمسيرات في هذه الفترة، ودعمّت سلمية الحركات الاحتجاجية خلال الأسبوع وأيام الجمعة، إلا أنه شدّد على أن القرار حتى وإن كان رسميا، فإنه “لا حدث” كونه صادرا من وزير “غير شرعي” في حكومة “غير شرعية ومرفوضة”. وهو نفس ما جاء على لسان رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية الدكتور إلياس مرابط، الذي قال بأن قرار مسيرة الأربعاء لا رجعة فيه، محمّلا السلطات مسؤولية أية محاولات لقمعها، حيث أكد بأن الكنفيدرالية لم تتلق أي قرار رسمي يمنع الخروج إلى الشارع بشكل سلمي، وهو تجاوز خطير في نظره، ويوحي بأن الجهات الأمنية تحرّكت لوحدها دون أية أوامر أو قرار، سواء من السلطات القضائية أو السياسية أي الحكومة، محل رفض الحراك. وانتقد محدثنا تسخير جهاز الأمن خارج الإطار القانوني، باعتبار أن الشارع يحتضن جميع شرائح وأطياف الشعب الجزائري منذ 22 فيفري الماضي، وطيلة أيام الأسبوع، دون أن تتدخل أية جهة لمنع المسيرات أو إجهاضها، مثلما حصل أول أمس لعمال المركزية النقابية، ما جعله يحذر من أية نية الهدف منها زرع البلبلة والخوف في أوساط عمال الوظيفة العمومية الذين سيزحفون بعد غد من ساحة أول ماي إلى غاية البريد المركزي للمطالبة بالتغيير السياسي الجذري وتأسيس الحريات. فبالنسبة لقطاع الصحة الذي يضم حوالي 250 ألف موظف من جميع الأسلاك، فإن الأوضاع الاجتماعية والمهنية المزرية لازالت على حالها ولم تتغير، ولازال القطاع عرضة للنهب والسرقة من قبل “لوبيات” بتواطؤ مع مسؤولين “وإلا فكيف يفسر عدم الإفراج عن النصوص التطبيقية لقانون الصحة الجديد بعد مرور أكثر من عام من صدوره في الجريدة الرسمية..”، مشيرا إلى أن تطبيق حوالي 154 مادة من أصل 400 مادة، مرهون بإصدار هذه النصوص التطبيقية، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول الجهات التي عرقلت الإفراج عنها، علما أنها نفس الجهات التي “طبّلت” لإصدار القانون الجديد، للاستفادة من “المزايا” التي تحصلت عليها، كالاستثمار “غير الشرعي” في القطاع “الذي بيعت نصف مؤسساته لأرباب عمل منحت لهم الأولوية في الاستحواذ على صفقات الخدمات الصحية”. أما ممثل نقابة عمال البريد، نقاش مراد، فشدّد على أن مسيرة الأربعاء ستكون بمثابة رسالة قوية للحكومة “غير الشرعية”، يطالبها من خلالها عمال جميع قطاعات الوظيفة العمومية بالرحيل، مشيرا إلى أن الكنفيدرالية تنشط حاليا في إطار الحراك الشعبي، ولا تهمها الإشاعات التي تروّج لمنع المسيرات خلال أيام الأسبوع، لأن الشعب اليوم تحرّر يضيف، وأصبح الشارع فضاء للحريات . وذكّر ممثل نقابة “ساب” بالظروف الاجتماعية والمهنية المزرية التي يعمل فيها 28 ألف عامل في البريد، منتقدا حملة التوقيفات والمتابعات القضائية والتسريحات التي استهدفت هؤلاء العمال وممثليهم في النقابة، بسبب نشاطهم النقابي، رغم قرارات العدالة التي أمرت بإعادة إدماجهم دون استجابة الإدارة. وأعلن نقاش بأن نقابته سترافع بشدّة بعد سقوط النظام الحالي، لصالح تكريس قوانين الجمهورية في مؤسسة البريد كونها هيئة عمومية وملكا للشعب، من خلال تطبيق القوانين المسيرة لها وكذا الاتفاقيات الجماعية التي تم الدوس عليها طيلة السنوات الماضية.