لقد فرض وباء أو فيروس الكورونا على الساحة الفقهية عدّة آثار شرعية في شتى مناحي الحياة، ولاشكّ أنّ كثيرًا من الأحكام الّتي يتلبّس بها المكلّف تحتاج إلى إجابات شرعية دون تأخّر، خاصة المسائل الطارئة منها. ومن بين المسائل الّتي قذف بها وقتها هي مسألة صلاة العيد في ظلّ تعطيل الصّلاة في المساجد. وطرحت عدّة تساؤلات فقهية حول الموقف الشّرعي منها، وما نحن أمامه في هذه الصّورة الفقهية أن تعطّل صلاة العيد في المساجد والمصلّيات ليست لها سابقة في تاريخ التّشريع الإسلامي، ولا ذكر الفقهاء هذه الصّورة بعينها، وإنّما كان حديثهم عن تخلّف المصلّي عن صلاة العيد مع الإمام لأعذار، وكيف يُصلِّيها إذا تأخّر، سواء في المُصلّى أو في بيته. ولكن الّذي نحن أمامه اليوم هي صورة أخرى، وهي عدم صلاة الإمام لها أصلًا. وعليه جاءت هذه النّازلة حتّى يقول فقهاء العصر فيها الأحكام المتعلّقة بها ضمن هذه المنظومة من الأسئلة الفقهية الواقعية. حكم صلاة العيد عند المالكية؟ صلاة العيد سُنّةٌ واجبةٌ على أعيان المسلمين ممّن تجب في حقّهم صلاة الجمعة. وقولنا سُنّة واجبة المقصود بها أنّها ثابتة بالسُّنّة من جهة وجوبها، وهي أقلّ رتبة من الفرض بناء على ما ثبت في السُّنّة أنّ الفرائض خمسة بإجماع المسلمين وهي الصّلوات الخمس. وهذا انطلاقًا من حوار الأعرابي للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل عليّ غيرها؟ قال: “لا، إلّا أن تطوّع”. هل تُصلّى صلاة العيد في البيوت؟ هنا تُطرح شبهة: لماذا منعتم الجمعة في البيوت وأجزتم صلاة العيد فيها؟ والجواب: أوّلًا، لأنّ صلاة الجمعة فرض على الأعيان، ولها صفة وشروط تؤدّى بها وإلّا بطلت. ثانيًا، صلاة العيد سُنّة واجبة على مَن تجب عليه الجمعة من جهة الشّروط، فهي أقَلّ مرتبة من حيث الحكم التّكليفي. ثالثًا، صلاة الجمعة لها بدل وهي صلاة الظهر، وهذا البدل كما يكون في المسجد يكون في البيت. رابعًا، هي ليست فرضًا قطعًا، وعليه فهي تلحق بباب المندوبات في سُلّم الأحكام التّكليفية، وإذا كانت كذلك فهي من عموم النّوافل مع اختلاف درجاتها، والنّوافل يجوز صلاتها في البيوت. خامسًا، سبب المنع هو خشية الاحتكاك وانتقال العدوى، وهذا التخوّف هو نفسه ولازال قائمًا... فكما أجزت الجمعة في صورة صلاة الظهر، وأسقطت من الخطبة لعدم تحقّق شرائط المسجد، فكذلك أسقطت خطبة العيد، وبقيت الصّلاة مثنى كما هي لمَا ثبت في النّصوص الأثرية. رُوي عن أنس رضي الله عنه “أنّه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام، جمع أهله فصَلّى بهم مثل صلاة الإمام في العيد”. وقد ثبت عن كثير من الصّحابة والسّلف أنّهم كانوا إذا فاتتهم صلاة العيد مع الإمام صلُّوها فرادى أو مع عائلاتهم، وصلاة العيد سُنّة مؤكّدة والأمر فيها واسع. قال مالك: “وهو الأمر عندنا، قال مالك في رجل وجد النّاس قد انصرفوا من الصّلاة يوم العيد إنّه لا يرى عليه صلاة في المُصلّى ولا في بيته وإنّه إن صلّى في المصلّى أو في بيته لم أر بذلك بأسًا ويكبّر سبعًا في الأولى قبل القراءة وخمسًا في الثانية قبل القراءة” (الموطأ، رقم:498). ملاحظة هامة: ربط المالكية الصّلاة في البيوت وجوازها مع وجود صلاة الإمام لها في المسجد، ولكن تعذّر على المكلّفين الالتحاق. فالصّلاة في البيوت منوطة بصلاة الإمام. وعليه ألتمس من وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف، أن تُقام ولو صلاة واحدة في مسجد الولاية (مسجد واحد فقط) الإمام والقائمين على المسجد، أو أعضاء المجلس العلمي فقط، رفعًا للحرج ودفعًا للانسداد الفقهي. والله أعلم. ما هو وقت صلاة العيد؟ عن يَزيدَ بنِ خُمَيرٍ الرحبيِّ، قال: “خرَج عبدُ اللهِ بنُ بُسرٍ -صاحِبُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في يوم عيدِ فطرٍ أو أضحى، فأنكر إبطاءَ الإمام، وقال: إنَّا كنَّا مع النّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد فَرَغْنا ساعتَنا هذه، وذلِك حين التَّسبيح” رواه أبو داود وأصحاب السنن. وَجْهُ الدَّلالَةِ: في قوله: “وذلِكَ حين التَّسبيح”، أي: وقتها حينَ يُصلَّى صَلاة الضّحى إذا مضَى وقتُ الكراهةِ”. وهي نصف ساعة بعد الشّروق. وآخِرُ وقتِ صلاةِ العِيدين يَستمرُّ إلى الزَّوالِ. صفة الصّلاة وعدد التّكبيرات دليلها، بما روي عن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر، أنّه قال: “شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبّرَ في الرّكعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة”. قال يحي: قال مالك: “وهو الأمرُ عندنا” (الموطأ، رقم:497). وقال ابن عبد البر: “وعليه جَرَا عمل أهل المدينة” (الاستذكار، ج1 ص53). وهذا قول مالك في المدونة (المدونة، ج1 ص169). قال ابن العربي في المسالك تعليقًا على التّكبيرة الخامسة وكيف أنّها ستة تكبيرات في الثانية. بقوله: “أنّ تكبيرة القيام هي في نفس القيام. ولا يعتدّ من التّكبير إلّا ما كان عند الاعتدال” (ج3 ص365). صفتها قال المالكية: أوّلًا، وهي من غير آذان ولا إقامة، قال يحيى عن مالك أنّه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر، ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليوم، قال مالك: وتلك السُّنّة الّتي لا اختلاف فيها عندنا. (الموطأ، رقم 489). ثانيًا، تُؤدّى صلاة العيد ركعتَين، ويُكبَّر في الرّكعة الأولى بسبع تكبيراتٍ مع تكبيرة الإحرام قبل القراءة، وفي الثانية بخمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ولا يُشرَع رفع اليدين عند التّكبير إلّا في تكبيرة الإحرام، ولا يُفصَل بين التّكبيرات. ثالثًا: لا يرفع يديه مع التّكبيرات إلّا في الأولى، وأنّه ليس في رفع اليدين مع التّكبيرات سُنّة ثابتة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال مالك: “ولا يرفع يديه في شيءٍ من تكبيرات صلاة العيدين إلّا في الأولى” (المدونة، ج1 ص169). هل يجوز صلاتها إن لم تُصلّى في المسجد؟ قال ابن حبيب: “من فاتته صلاة العيد فلا بأس أن يَجمعها مع نفر من أهله. ورأى ابن حبيب أنّها سُنّة لازمة مشروعة للمنفرد والجماعة، بخلاف الجمعة”. (تذكرة أولي الألباب في شرح تفريع بن الجلّاب، ج2 ص144-145). هل تُصلَّى سرًّا أم جهرًا في البيوت؟ كلّ صلاة تُصلّى على هيئتها الّتي شرعت بها، والأصل بقاء ما كان على ما كان ولا يعدل عنه إلّا بدليل. وبناء عليه ما دام صلاة العيدين جهرية فتبقى جهرية على أصل، وتخرج من عموم النّوافل النّهارية الّتي تُؤدّى سِرًّا باعتبارها سُنّة واجبة، أي أن وجوبيتها ثبتت بالسُّنّة لا بالقرآن. تنبيه في حكم صلاة جماعة وبخطبة ذكرنا أنّ مسألة من فاتته الصّلاة مع الإمام فيها سعة بين صلاتها أو تركها، ولكن هناك صور: الأولى، اختلف أصحاب المذهب في مَن فاتته الصّلاة مع الإمام في المسجد، حيث وصل ووجدهم قد سلّموا وانتهت الخطبة، فهل يجوز إحداث جماعة ثانية في المسجد، سواء فرادى أو جماعة؟ والرّاجح منع ذلك سَدًّا للذّريعة خشية الطعن في الإمام، واتّخاذها ذريعة لأهل البدع. كما نصّ على ذلك صاحب تذكرة أولي الألباب. الثانية، صلاتها جماعة بخطبة في قرية أو موطن عمل فيه عدد معتبر، ولم يتمكّنوا من الصّلاة مع الإمام في المسجد، قال القلشاني على الرسالة: من ‘المجموعة “قال ابن القاسم عن مالك في قرية فيها عشرون رجلًا أرى أن يُصلّوا العيدين” (تحرير المقالة، ج2 ص443). وقال عيسى عن ابن القاسم: “إن شاء من لا جمعة عليهم أن يُصلّوها بإمام فعلوا ولكن لا خطبة عليهم، فإن خطبوا فحسن” (مواهب الجليل، ج2 ص484). ما يُستحبّ لك في هذا اليوم أوّلًا، الاغتسال قبل صلاة العيد، والتطيُّب لها، مع تخيُّر أحسن الثّياب، إذ ثبت في الصّحيح: “أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يَغتَسِلُ يَومَ الفِطرِ، قَبلَ أنْ يَغدوَ إلى المُصَلَّى”. ونُدب إحياء ليلته وغسل وبعد الصّبح وتطيّب وتزيّن وإن لغير مصل. قال يحي: وحدثني عن مالك عن نافع: أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلّى. (الموطأ، رقم:490). ثانيًا، التّهليل والتّسبيح والتّكبير في صبيحة ذلك اليوم قبل الشّروع في الصّلاة. ثالثًا، أكل شيء قبل صلاته، قال: حدّثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أنّه كان يأكل يوم عيد الفطر قبل أن يغدو. وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المُسيِّب أنّه أخبره: أنّ النّاس كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو. قال مالك: ولا أرى ذلك على النّاس في الأضحى. (الموطأ، رقم:494-495). وأخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ”. وقال مُرَجَّأُ بنُ رَجاءٍ، حدَّثَني عُبَيْدُ اللهِ، قال: حدَّثَني عُبَيْدُ اللهِ، قال: حدَّثَني أنَسٌ عنِ النّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا”. تنبيهات في هذا اليوم الإكثار من الاستغفار، وإظهار السّرور والدّعاء لرفع الوباء. والتّهنئة للعائلة والأقارب بالهاتف فقط دون الزّيارة. والتّوسعة على العائلة في المأكل والملبس قدر الاستطاعة. ومواساة الفقراء والمساكين في حدود الاستطاعة. وعدم الإسراف في المُباحات. أستاذ الشريعة والقانون بجامعة وهران