لاقى استضافة بلد عربي لكأس العالم 2022 حملة مسعورة من الإعلام الأوروبي الغربي والأمريكي، وانتقادات محمومة تارة حول حقوق الإنسان وتارة حول الفساد، وأخرى عن عدم القدرة على التنظيم وأخرى وأخرى لأنه بلد مسلم تكثر به المساجد، وكأنهم بقطر عليها ألا تقيم المساجد، أو أن تقيم أي شيء غير المساجد!. تدخل سافر ووقح لمدّعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من إعلاميي الغرب المنافق الموالي للكيان الصهيوني الغاصب والمحتل لأرض فلسطين وسالب خيراتها ومصادر لحرية شعبها. ولقد أقامت آلة الإعلام الغربي ومعها إعلام الكيان الصهيوني الدنيا ولم تقعدها، لتبهيت صورة قطر حين أذهلهم حفل الافتتاح البهيج والتنظيم المميّز وعالي المستوى، لقد هالهم أن يروا قطر بلد عربي مسلم أثبت قدرته على تنظيم مهرجان كروي عالمي. والأمر الذي لم يفصح عنه هذا الإعلام الغربي المنافق، ولم يرد أن يراه ويقر به الإعلام الصهيوني، هو الاستفتاء الشعبي العربي العارم في مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتضامن والدعم الكوني من شعوب الكرة الأرضية لفلسطين في مواجهة هذا الكيان المغتصب، الذي أرعبه ذلك الاستفتاء الشعبي في أكبر مهرجان رياضي وإعلامي في العالم، والرفض بل والطرد المهين والمذل للصهاينة من قبل مشجعي المنتخبات العربية المشاركة بهذه التظاهرة الرياضية.
لا يرى الجمل حدبته
ينتقد الكيان الصهيوني ومن داخل برلمانه وعبر وسائل إعلامه قطر التي تستضيف كأس العالم باعتبار أن حقوق الإنسان غير مصانة في قطر وأنها تدعم حماس وأنها وأنها، وليس دفاعاً عن قطر بل دفاعاً عن الحقيقة، فقطر لم تحتل شعب آخر، بل من ينتقدون تنظيم المهرجان الرياضي العالمي بقطر هم من يحتلون فلسطين منذ 75 عاماً ويمارسون سياسة الأرض المحروقة والقتل اليومي وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية تحت أنظار المجتمع الدولي الذي يدعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فآخر من يتكلم عن الحرية وحقوق الإنسان الغرب الذي ارتكب المجازر البشعة بحق السكان الآمنين في الجزائر وفي فيتنام وفي العراق وغيرها من شعوب العالم، وارتكبت ربيبتهم إسرائيل الصهيونية جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني خلال حروبها المتتالية على غزة، أدانت تقارير الأممالمتحدة ومن بينها تقرير غولدستون الجنوب افريقي هدم المساكن على رؤوس سكانها الأبرياء من الأطفال والنساء والعجزة، بشكل متعمّد ومع سبق الإصرار والترصد، فضلاً عن مداهمة وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية في بيت المقدس، وإقامة الحواجز العسكرية لتقطيع أوصال المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، وإقامة جدار الفصل العنصري واعتبار السكان الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في أراضي 48 سكان من الدرجة الثانية في مدنهم وقراهم وعلى أرض فلسطين التاريخية. فمن يطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، عليه أن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين وبكل الوسائل المتاحة، من أجل نيل حريته واستقلاله الوطني الكامل على أرض وطنه والقدس العاصمة التاريخية، وعودة اللاجئين الذين اقتلعوا عنوة من مدنهم وقراهم في فلسطين تطبيقاً لقرار الأممالمتحدة رقم 194.
الغرب والكيل بمكيالين
لا توازن في ميزان العدل الدولي لدى "المجتمع الدولي" فهذا العالم الغربي المنافق وتلك القوة العظمى أميركا، لم يعد لها أي مصداقية وأية أخلاق ولا قيم إنسانية، فهم يصمتون عند حرق قطعان المستوطنين الصهاينة تحت حماية عساكر الكيان الصهيوني المساجد والمنازل وسكانها والمحلات التجارية في الخليل وفي الّلد وفي غزة وفي غيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية تحت نظر وسمع "المجتمع الدولي" تلك الأكذوبة التي لم تعد تنطلي على أحد، بما في ذلك أصحاب القيم الإنسانية والشرفاء في المجتمعات الغربية من برلمانيين وحقوقيين وكتاب ومثقفين وفنانين وإعلاميين نزهاء. لقد أزيل القناع وانكشف زيف حكومات الغرب وأميركا الذي يدعمون الصهاينة، بما يرتكبون من جرائم ضد الإنسانية، وعندما يمارسون صنوف التعذيب ضد الأسرى والمساجين في سجون الاحتلال الصهيوني، الذي يفوق عددهم 5000 أسير وسجين ويصمتون صمت القبور عما يمارسه من إرهاب الدولة المنظم ويؤيدون ويقدمون الدعم والمال والسلاح لآخر احتلال في هذا الكون، ويستنكرون ويدينون حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن النفس وفي مقاومة المحتل بما لديه من وسائل بدائية. فأين الحرية التي يدعونها عندما يصادرون حرية الشعب الفلسطيني، وأين العدل عندما يطالبون قطر مضيفة المهرجان الكروي 2022 باحترام حقوق الإنسان وهم لا يعترفون بل ولا يأبهون بحقوق الإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم بل وبحقوق كل الشعوب المستضعفة!؟ والأدهى والأنكى لم ينفك الغرب والإدارة الأمريكية، على وجه الخصوص، من السعي إلى تغيير وتفكيك الأنظمة التي لا تروق لهم ولا تحذو حذوهم جاعلين من أنفسهم شرطي العالم.
الاستفتاء الشعبي العربي والدولي
ساهمت قطر في استضافة المونديال 2022 بأكبر تظاهرة رياضية عرفها تاريخ كأس العالم، أحدثت هذه التظاهرة استفتاءاً شعبياً عربياً ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإعلان التضامن الدولي مع فلسطين من طرف مشجعي الفرق الرياضية للبلدان المشاركة بالمونديال، ونبذ الكيان الصهيوني وعدم الاعتراف به، باعتراف مراسلي المحطات التلفزيونية المختلفة أنفسهم، حينما اشتكوا وعلى الهواء من إهانتهم وطردهم وإذلالهم من قبل كافة مشجعي الفرق الرياضية من الشعوب العربية. أبعد من ذلك فحينما علم سائق أجرة في مدينة الدوحة أن زبونه صهيونياً أوقف سيارته وأنزل هذا الزبون غير المرحب به، وحدث نفس الشيء في أماكن خدمة أخرى عندما طرد أصحابها الصهاينة من ارتيادها، وعندما رفض المشجعين العرب من مختلف البلدان العربية الإدلاء بأي تصريح لأي مراسل تلفزة من الكيان الصهيوني. وكان يظن الصهاينة أنهم سوف يستقبلون استقبال الفاتحين، حسب ما كان يروج الكيان الصهيوني للتطبيع ولاتفاقيات أبراهام. ولكن عبثاً يحاولون فالشعوب العربية أدركت وتدرك أن الخطر هو هذا الكيان الصهيوني المؤقت فهو كالغدة السرطانية التي تتغلغل في جسد الأمة العربية، ويدركون أيضاً أن هذا الكيان المحتل لفلسطين هو مصدر الوجع لشعوب الأمة العربية والإسلامية، وهو سبب عدم الاستقرار في المنطقة، فهو يمثل في نظر الشعوب العربية القاعدة المتقدمة ورأس الحربة للمشروع الاستعماري الأمريكي والغربي للاستيلاء على خيرات المنطقة من النفط والغاز، وتركيع شعوب المنطقة بنظرة استعلائية وعنصرية وفاشية.
عبثية المشروع الصهيوني والكيان المؤقت
أدركت الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، أن التخلص من وجعهم ومن آلامهم ليس بالتطبيع مع هذا الكيان الدخيل وقطعان مستوطنيه القادمين من أوروبا ومن غيرها من أصقاع الأرض إلى فلسطين أرض السمن والعسل وفق معتقداتهم الدينية المزيفة. لقد أدركت الشعوب العربية وتدرك أن لا سبيل مع هذا المغتصب سوى خيار المقاومة بكل أشكالها لذلك هي تقاوم التطبيع مع هذا الكيان. وأدرك الشعب الفلسطيني والشباب الفلسطيني تحديداً أن خيار المقاومة هو الحل لا التطبيع ولا بقايا أوسلو سيء السمعة والصيت، وهو يفجر اليوم انتفاضة جديدة تختلف عما سبقها، انتفاضة تتسلح بخبرة وذكاء وتطور المعرفة لدى الجيل الجديد من الشبان الأبطال، وليس أدل على ذلك سوى تفجير العبوات الناسفة الأخيرة باستعمال الهاتف النقال. والأمر الذي لا شك فيه أن استمرار هذا النوع من المقاومة سوف يكف قطعان المستوطنين من التجرؤ على اقتحام وتدنيس الأقصى الشريف وحرق المنازل ومتاجر السكان الفلسطينيين، كما أنه لا محالة، سوف يعجّل برحيل الاحتلال الغاشم وطرده وبالتأكيد سيؤدي إلى الهجرة المعاكسة لمزدوجي الجنسية من المستوطنين الصهاينة للعودة من حيث أتوا، بل أن المشروع الصهيوني والكيان "المؤقت" هو في طريق الزوال، ذلك ما حذر منه كتابهم ومفكريهم بل وقادتهم العسكريين والسياسيين. وما حذر منه رئيس وزراء ووزير جيش العدو الأسبق إيهودا بارك، وما حذر منه من قبله نفتالي بينيت من أفول شمس الكيان الصهيوني قبل نهاية العقد الثامن، كمقارنة بالحالة اليهودية على أرض فلسطين والتي تكررت قبل ألف عام في مملكة داود "مملكة إسرائيل منذ عام 1050 قبل الميلاد وحتى سنة 930 قبل الميلاد، ودولة الحشمونيين اللتان أقيمتا بالضفة الغربية في فلسطين، حسب المزاعم والخرافات التلمودية". ففي مقالة له نشرت على جزأين في شهر ماي المنصرم من هذا العام 2022، اعتبر باراك بأن الحرب الأهلية الأمريكية وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية، قد حدثت بسبب لعنة العقد الثامن وبسبب ظروفها الداخلية، غاضاً البصر تماماً عن دور اللوبي اليهودي الصهيوني في انهيار هذه الدول، وجرّها مع غيرها من الدول في أتون حروب عالمية راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر، ولا يزال العالم يدفع أثمان هذه الفتن والحروب بالدم إلى يومنا هذا.
الأمل القادم
لقد أدركت الشعوب العربية مرة أخرى أن لا سلام ولا أمن ولا استقرار ولا تطبيع مع هذا الكيان العنصري والفاشي والاستعلائي، إلّا بأفول هذا الكيان المؤقت وزواله وإلى الأبد. كما أدركت أيضاً شعوب العالم الحر، كم هي منافقة أنظمة الاستبداد والاستعمار في شكليه القديم والجديد والكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعب الفلسطيني المكافح من أجل نيل حريته واستقلاله الناجز على أرض فلسطين أرض الآباء والأجداد، ولهذا تعبّر شعوب العالم في هذا المهرجان الكروي الدولي، عن تضامنها مع فلسطين حاملة أعلام فلسطين وشارات فلسطين ومستنكرة الكيان الصهيوني المغتصب، وبإمكان قادة العدو وبالتعاون مع وسائل التواصل العالمي، التي تؤيد هذا الكيان المؤقت وما يمتلكون من الخبرة التكنولوجية، أن تقوم بإحصاء مئات بل ألوف الملايين من أعلام فلسطين وشارات فلسطين، التي يحملها مشجعي الفرق العالمية داخل ملعب البيت وخارجه وفي مساحات واسعة من بقاع الأرض، ولموسوعة غينيس سبق القيام بالاستفتاء الشعبي العربي والدولي مع فلسطين وضد الكيان المؤقت. والأمر الذي بات مسلّماً به؛ أن الشعوب العربية تتطور وتتغير وباتت تعرف جيداً الغث من السمين. وعلى قاعدة هذا التطور والتغيير، جرى الاستفتاء الشعبي العفوي ضد التطبيع في مهرجان رياضي عالمي كبير، وتدرك أيضاً سبب إقصاء المنتخب الوطني الجزائري عن المونديال، وليس لضعف أداء الفريق الوطني المشهود له بتحقيق الإنجازات الكبيرة، بما فيها كأس العالم، وليس لضربة حظ، بل لأمر دبر في ليل، فالفريق الوطني الجزائري ما انفك يهز الملايين في الملاعب نصرة لفلسطين. وعلى قاعدة تطور الشعوب العربية والفورة الشعبية والاستفتاء الشعبي وقدرة قطر على استضافة المونديال 2022، رغم الغربان الناعقة للإعلام الغربي والإسرائيلي، فلقد حقق الفريق السعودي الانتصار على الأرجنتين، الفريق الدولي القوي، وحققت كل من المنتخب التونسي والمغربي التعادل. الأمل قادم في استمرار التغيير والتطور لدى الشعوب العربية، السند الحقيقي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وستنتصر فلسطين لا محالة ويسترجع الأقصى وتعود القدس الشريف عاصمة لدولة فلسطين. [email protected]