بعد عام من نشوب الأزمة بين الجزائرومدريد على خلفية انقلاب موقف الأخيرة من الصحراء الغربية لصالح مقترح المخزن للحكم الذاتي، خرج وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، بتصريحات أثارت جدلا جديدا في علاقات البلدين، حيث اتهم الجزائر بشكل غير مباشر بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده تماشيا مع الرواية التي يروج لها إعلام المخزن. وقال الوزير الإسباني في حوار له مع صحيفة "إسبانيول" الإسبانية إن "ما نريده من الجزائر هو الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شأننا الداخلي". وأوضح ألباريس أن "مدريد تريد من الجزائر المنفعة المتبادلة". وتصب تصريحات وزير الخارجية الإسباني الأخيرة في سياق الترويج للرواية المغربية التي تعمل على تشويه صورة الجزائر دوليا، من خلال اتهامها بعدم احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، خاصة بعدما غيرت حكومة مدريد موقفها من النزاع في الصحراء الغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر تصرفا غير أخلاقي وتنصلا من مدريد من مسؤولياتها التاريخية في النزاع.
انقلاب على الحياد
وظلت إسبانيا وهي المستعمِرة السابقة طوال سنوات عديدة على الحياد تجاه النزاع في الصحراء الغربية، قبل أن تتخلى عنه في مارس 2022، مثيرة بذلك حفيظة الجزائر التي استدعت سفيرها منذ ذلك الوقت ولم تعده حتى الآن، حيث انقطعت الزيارات السياسية بين البلدين، وأصدرت قرارا بالتعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا التي أبرمتها سنة 2002. وفي الحوار ذاته مع صحيفة "إسبانيول" أعرب وزير الخارجية الإسباني عن أمله في عودة العلاقات بين البلدين، قائلا: "آمل أن تسود هذه الصداقة بيننا بأسرع ما يمكن، كما هو الحال مع جميع جيراننا". وتابع أن "ما نريده مع الجزائر هو بالضبط نفس ما نريده مع كل جيراننا ومع كل الدول العربية". وكشف المسؤول الإسباني عن محاولته إطلاق وساطة مع جامعة الدول العربية قائلا: "لقد التقيت الأمين العام لجامعة الدول العربية وجميع السفراء العرب" دون الكشف عن تفاصيلها. وفي مارس الماضي، أكد الرئيس عبد المجيد تبون بدوره أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، اقترح وساطة مع مدريد، لكن "الجزائر أبلغته أن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز عليه على الأقل تبني موقف الاتحاد الأوروبي من النزاع في الصحراء الغربية لا الانحياز إلى الطرح المغربي". وتابع الرئيس تبون في حوار مع قناة "الجزيرة" أن "موقف رئيس الحكومة الإسبانية من قضية الصحراء الغربية كان خرقا لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار مع الجزائر، كما أنه فردي ولا يعفي مدريد من مسؤوليتها التاريخية تجاه النزاع باعتبارها المستعمر السابق الذي غادر دون ترك حل للنزاع". وحسب الرئيس فإنه "في حال رحيل حكومة سانشيز، سيتغير موقف مدريد مجددا من النزاع"، لافتا إلى أن "الجزائر لها علاقات جيدة مع الملك والشعب الإسباني وترفض استعمال ورقة الغاز في الأزمة".
انتقادات داخلية
ومنذ أن غيرت موقفها من النزاع في الصحراء الغربية، تواجه حكومة مدريد انتقادات متتالية داخليا. فقبل أشهر وجهت مارتا باراشينا، رئيسة حزب الشعب الإسباني واسع الانتشار في منطقة فالنسيا شرق البلاد، انتقادات لرئيس الوزراء بيدرو سانشيز، طالبة منه حل الخلاف مع الجزائر. وقدرت زعيمة الحزب المعارض أن تعليق المبادلات التجارية بين مقاطعة فالنسيا والجزائر ألحق أضرارا برقم أعمال سنوي قيمته 230 مليون أورو، مبرزة أن قرار تعليق التجارة من جانب الجزائر ''كان له وزن على اقتصاد منطقة بكاملها". وبشكل عام ألقت الأزمة السياسية بين الجزائر وإسبانيا بظلالها على العلاقات التجارية الثنائية، وبدا ذلك جليا من خلال الانخفاض الكبير في صادرات الغاز إلى إسبانيا مع نهاية 2022.
وفي هذا الصدد أكدت صحيفة "ألموندو" الإسبانية أن صادرات الغاز المسال من الجزائر إلى إسبانيا شهدت تراجعا كبيرا في نهاية 2022 يقدر ب74 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2021. وأضافت "ألموندو" أن صادرات الغاز لإسبانيا لم تقل منذ 2016 باستثناء عام 2020، حيث شهدت تراجعا بسبب أزمة كوفيد. وبعد عام من نشوب الأزمة ظهرت إسبانيا في ثوب الخاسر الأكبر، حيث اعترفت الحكومة قبل أسابيع بإساءة تقدير عواقب قرار تغير سياستها الخارجية وتبني موقف المملكة المغربية على العلاقات التجارية مع الجزائر. ونقلت الصحافة الإسبانية هذا الموقف عن وزارة الصناعة خلال اجتماع مع الشركات الإسبانية الناشطة في الجزائر، حيث قالت صحيفة ''اندبندنتي'' الإسبانية في تقرير سابق إن الاعتراف هو الرسالة الواضحة التي نقلها كبار المسؤولين من وزارة الصناعة والتجارة والسياحة إلى بعض رجال الأعمال الإسبان المتضررين من تبعات تغيير سياسة إسبانيا الخارجية وتأثيرها على العلاقات مع الجزائر. وفي ظل استمرار الخسائر هددت الشركات الإسبانية باللجوء إلى القضاء والهدف من ذلك هو الحصول على تعويض عن الأضرار التي تعرضت لها الشركات بعد قطع الجزائر علاقاتها التجارية.