قادها ولعها بالتراث إلى البحث في ذاكرة الأجداد، مستثمرة في ذلك كلّ إمكانياتها لتصل بتمكّن إلى جمع وإنقاذ الكثير من الأمثال الشعبية والحكم وحتى بعض الأشعار بمناطق مختلفة من الوطن التي طالتها يد النسيان، فارتبطت وردة بكلّ ما هو تراث منذ نعومة أظافرها، فكانت تجالس الكبار خاصة العجائز للاستماع للأحجيات والأمثال والقصص وحتى للغة الأصيلة التي كانوا يتحدّثون بها، فساعدها ذلك على الانتباه لهذا الرصيد من الكنوز الذي هو في طريقه إلى الزوال إذا لم تتم العناية به. وردة زرقين ابنة مدينة قالمة، مهندسة دولة مختصة في الري وتعمل حاليا كإطار في مؤسسة «الجزائر للمياه» بوحدة قالمة، أشارت في حديثها ل»المساء» إلى أنّ فكرة اهتمامها بالتراث الشعبي الشفوي بدأت كهواية، لتتحوّل إلى ممارسة منتظمة ومؤطرة يقودها دوما الفضول والبحث المستمر في كلّ ما هو تراث جزائري ممتد من الحدود إلى الحدود. تقول في سياق حديثها؛ «كلّ ما هو تراث يعجبني ويشدّ انتباهي وأفضله على ما دون سواه حتى في الأطباق والحلويات، وهكذا اكتشفت في البداية الأمثال الشعبية التي هي في الحقيقة تربية وقدوة تورث للأجيال لما فيها من حكم وعبر تمسّ الصميم وتنير تجارب الإنسان في حياته الشخصية والعملية، كذلك الحال بالنسبة للألغاز والأحجيات التي تساعد على اختبار الذكاء باستغلال ما توفّر من ثقافة شعبية لإبقائها حية، وعن «البوقالات»، فهي ترويح عن النفس وغرس لروح الأمل والتفاؤل وفتح لآفاق قد يغلقها اليأس كما أنّها تقليد ينتعش في السهرات الرمضانية». في زيارتها ل»المساء» حملت وردة معها ثلاثة كتيبات سجّلت فيها بعض الأمثال الشعبية التي دوّنتها والتي اعتبرتها تجربة لابد من أن تكرّرها، ويتعلّق الأمر ب»خالط العطار»، «يا شاري لبلاد» و»يا زارع الخير» وتشير من خلالها إلى أنّ الأمثال الشعبية التي قامت بجمعها في شتى المواضيع هي خلاصة أفكار مستنتجة من تجارب أصحابها، فهي قدوة وعبرة للأجيال، وهي متناولة بأسلوب بسيط. في «خالط العطار» تدخل المؤلّفة إلى المجتمع القالمي العريق صاحب أرض الخيرات لما فيها من فلاحة وغلال مثمرة، كالزيتون والبرتقال والقمح وغيرها، ولما فيها أيضا من طبيعة وجنات وحمامات معدنية وتاريخ أبطال وتقاليد مكّنتها من صياغة العبر والأمثال من هذا الرصيد الغني. ومن ضمن الأمثال التي جاءت في هذا الكتيب نجد مثلا «حانوت مسكر ولا كرية شؤومة»، «الضحك تبسام والكّي ترسام»، «الجرب حكاك والخاين شكّاك»، «خسارة المسمار في العود الراشي» و»نحسبك حجرة مرجان يخدمو بيك لبرايم ظهر بلي أنت حجرة ويدان يعفسو عليك البهايم» وكذا «جاز مجازي وتكسر عكازي» وغيرها. في كتيب «ياشاري لبلاد» تمتدّ الأمثال الشعبية لتشمل مناطق عدّة من الوطن وهي بأسلوب بسيط وفي شتى المواضيع، منها «حب النساء مسك وتفاح مشموم بين التواقي اللي يحبوه النساء يموت مرتاح واللي يكرهوه يموت شاقي»، «اللي فاتوك بالكثرة فوتهم بالبكرة»، «الدار دارنا والحيوط نتاع جارنا» و»الله يقوي الدّين ويرخّس العجين». ومن الأمثال التي تضمّنها في «يا زارع الخير»؛ «سافر تعرف الناس وكبير القوم طيعو وكبير الكرش والراس بنص دينار بيعو»، «امشي شهر ولا تعبر نهر»، «الحايك وعجاري ولا من يجيب اخباري» و»يالّي تعيّط عند الباب عيّط وكون فاهم ما يفسد بين الأحباب غير النساء والدراهم». جمعت وردة أيضا الألغاز والمحاجيات في مخطوط ينتظر الطبع سمّته «شجرة النيل» بمعنى أنّ النيل نهر عظيم تصبّ فيه كّل الأنهار والينابيع كذلك الوطن الجزائري يصبّ فيه كلّ تراث مناطقه، وتوظّف وردة في أعمالها النباتات والأشجار والورود لارتباطها بها فكتبت عن شجرة العلايق التي قيل عنها «العلايق ما يفنى يا لو كان تنحيلو عروقو والعبد الفتّان ما يرجع لأصلو ولو تشكرلو جدودو»، كما كتبت عن شجرة الياسمين وغيرها، وخصّصت في منشوراتها حيزا ل»البوقالات» من خلال «خدود الورد» و»بستان الرياحين». وأشارت وردة زقين إلى أنّها جمعت تراث العديد من الولايات منها قالمة، سوق أهراس، القالة، قسنطينة، باتنة، العاصمة، عين الدفلى، سعيدة، معسكر، تبسة، وادي سوف وغيرها، واستطاعت في ذلك أن تحتك بالجدات المسنات خاصة اللواتي يقمن منهن في البوادي والأرياف فعندهن حسبها- كنوز لا تقدّر بثمن، علما أنّها تستعمل إمكانياتها الشخصية في رحلة البحث هذه وهي لا تبالي في ذلك ماعدا تذمّرها من ضيق الوقت نتيجة ارتباطها بعملها كمهندسة. وشاركت وردة أيضا في بعض الأسابيع الثقافية القالمية في بعض الولايات منها تيزي وزو، سعيدة وعين الدفلى، مما مكّنها من توسيع بحثها أكثر، كما قامت بتنشيط حصة إذاعية بعنوان «ألغاز وأمثال شعبية» في إذاعة قالمة المحلية وبعض المشاركات الأثيرية لها منها بإذاعة سكيكدة. بالنسبة للتراث الشعبي الأمازيغي الجزائري، قالت؛ «لقد قامت إذاعة سوق أهراس في حصتها «ثمورثنغ» (بلادنا) بترجمة الأعمال التي جمعتها إلى الشاوية، علما أننّي بادرت وكنت بذلك أوّل باحثة في الجزائر تجمع كلّ التراث الشعبي بشقيه العربي والأمازيغي، فسجّلت التراث الشاوي والقبائلي رغم أنني لا أتكلّم الأمازيغية، فقابلت الجدّات ودوّنت ما يقلنه، ثم أطلب شرحه ويطبع كما هو بترجمة تحتية باللغة العربية، هذه المبادرة جمعتها في كتاب بعنوان «جواهر» هو الآن تحت الطبع بدار «الساقي» ببيروت ومستقبلا سأجمع التراث الترقي والمزابي، وإذا ساعفني الحظ وتوفّرت لي الإمكانيات، سأسجّل ربما التراث المغاربي»، مشيرة إلى أنّ بعض الأمثال أو الأحجيات والقصص هي نفسها في بعض المناطق المغاربية، فمثلا «حانوت مسكر ولا كرية مشؤومة» موجود في أقصى الشرق الجزائري كالقالة وتبسة وعنابة والواد وموجود أيضا في تونس. أما بالنسبة للمشاريع، فأشارت محدثة «المساء» إلى أنّ لها كتاب بعنوان «العنقود» هو الآن تحت الطبع في المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، تكفّلت به محافظة «قسنطينة عاصمة الثقافة العربية» ويضم العديد من الأمثال و»البوقالات» و»المحاجيات» الشعبية، وكتاب آخر بعنوان «إكليل الزهور» يتضمّن قصصا شعبية تكفّلت أيضا محافظة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية بطبعه بعد انتهاء التظاهرة عام 2016.