تبقى الراحلة ياسمينة حسناء الشاشة الجزائرية بلا منازع، لم تستطع أية فنانة بعدها أن تشاركها هذه المكانة عبر مرور أكثر من 30 عاما عن رحيلها.ياسمينة ذات الوجه الملائكي والصوت الحنون، والحضور القوي استطاعت أن تجمع كل مؤهلات النجاح والأهم أنها استطاعت أن تبقى حية في وجدان الجمهور من خلال الروائع التي قدمتها. من منا لا يذكر زوجة عمي العربي في فيلم "أبناء نوفمبر" وحسناء "الليل يخاف من الشمس"، ومن منا لم يستمتع بصوت ياسمينة وهي تردد غناء الفنان محمد العماري في "آه ياقلبي شحال تكويت من كية" وغيرها من الأعمال التلفزيونية والإذاعية والمسرحية، هذه الأخيرة التي جلبت إليها أكبر أسماء ورواد التمثيل في مصر مثلا. هي الفنانة الكبيرة ياسمينة دوار ابنة مناضل كبير في حزب الشعب (كان مستشارا بالحزب) تم توقيفه يوم 14 ماي 1941 أي أسبوع بعد ميلاد ابنته ياسمينة (7 ماي 1941) ودخل عدة سجون كسجن سركاجي، الحراش، البرواية، لينفذ فيه الإعدام، وهكذا لم تستطع ياسمينة أن تسجل صورة أبيها في مخيلتها. بعدها أعادت والدتها الزواج لتترك صغيرتها يسمينة في أحضان جدتها، كبرت الصغيرة ودخلت المدرسة لتتوقف عنها وتتزوج في سن مبكرة (في سن ال 16) ثم تطلّق أيضا بسرعة وقد أثمر هذا الزواج ابنتها نعيمة التي تكفلت بها إلى غاية رحيلها. اشتغلت السيدة ياسمينة - رحمها الله - مربية أطفال بمستشفى بني موسى وكان ذلك سنة 1963، لتلتقي بعدها الفنان محمد حلمي الذي اقترح عليها التمثيل في إحدى مسرحياته "الخميرة أو البيروقراطية"، كما مثلت في مسرحية أخرى لمحمد بدري "قفاز العدالة" أما في الميدان السينمائي فدخلته سنة 1964 حيث شاركت في فيلم "المزاح يتحول إلى حقيقة". ثم شاركت في فيلم مطول لمصطفى بديع بعنوان "الليل يخاف من الشمس" إلى جانب كوكبة من الفنانين كمصطفى كاتب، عبد الحليم رايس، سيد أحمد أقومي وغيرهم، في سنة 1968 مثلت "الهجرة" وفي 1971 "الكلاب" للهاشمي شريف ، ثم "حكاية حورية" ، في سنة 1975 فيلم "أبناء نوفمبر" لموسى حداد، وفي 1977 فيلم "حسان طيرو في الجبل" لموسى حداد. تعاملت الراحلة ياسمينة مع أبو الفنون في بدايتاتها الفنية والتحقت بالمسرح الوطني في سنة 1966 وتقمصت فيه عدة شخصيات التي أعطتها بفضل موهبتها بعدا إنسانيا وعمقا نفسيا خاصا. أنجح مسرحياتها مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية"، للمؤلف الالماني "برتولت برخت" ومن إخراج الحاج عمر (أخو الملخى الميسوم) كان ذلك سنة 1969 وأدت فيها دور روشة الذي فتح لها أبواب الشهرة سواء داخل الوطن أو في الخارج خاصة بالقاهرة، حيث جلبت لها أنظار أكبر الفنانين والنقاد. في سنة 1970 مثلت في مسرحية "إبليس الاعور" للمؤلف ناظم حكمت وإخراج علال المحب، وفي نفس السنة شاركت في مسرحية "البوابون" مع رويشد واخراج مصطفى كاتب، وهكذا توالت الاعمال منها "باب الفتوح" لطه العامري سنة 1973. و"سكة السلامة"، من تأليف سعد الدين وهبة وإخراج سعد أردش في سنة 1975، و"الانسان الطيب في سي تشوان" للهاشمي نورالدين في 1976 ومسرحية "المولد"، لعبد الرحمان الجيلالي من إخراج زياني الشريف وأورياشي وشقراني سنة 1977 وفي نفس السنة شاركت في مسرحية "زعيط ومعيط وناز الحيط" لمحمد التوري وإخراج الهاشمي نورالدين، تحكي هذه المسرحية (وهي آخر أعمال ياسمينة)، عن ثلاثة تجار متجولين يقعون في أيادي قطاع الطريق، لكن لخفتهم ومرحهم يتحايلون على اللصوص ويفلتون من قبضتهم، ويبلغون عنهم أمير البلاد الذي يهاجم جنوده وكرهم ويخلصون الناس من شرهم، ويكافئهم الأمير بتزويجهم ببنات القصر. شارك ياسمينة في هذه المسرحية كل من الراحلة عويشة وأمينة مجوبي، وابراهيم فيلالي، وعز الدين مجوبي، الواحدي السعيد، النمري، حميد، أورياشي، شقراني، عياد بلقاسم، وزياني شريف عياد. قامت المسرحية بجولة عبر ولاية وهران، وقدمت آخر عرضها بمدينة أرزيو، وأثناء عودة الفرقة المسرحية من أرزيو إلى وهران توفي أربعة من الممثلين في حادث مرور على متن سيارة "R4" منهم ياسمينة، عوشات، فيلالي وشايب الذراع، في حين نجا منهم الشريف عياد وهكذا انطفأت شمعة ياسمينة في 19 جوان 1977 عن عمر يناهز 36 عاما، ليبقى مكانها فارغا لم تستطع فنانة بعدها ملأه.