حمل معه طيبة شعبه ونسمات وادي النيل الأزرق، وحمل أيضا معه حب شعبه للجزائر دولة وشعبا، حبا ضاربا في أعماق التاريخ، وزاد حرارة منذ ثورة التحرير الجزائرية المظفرة التي ساندها قلبا وقالبا، هو السودان، الأرض الخصبة، أرض سمرة البشرة، الذي نزل ضيفا خفيف الظل على "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، حمل معه موروثه الثقافي والفني ليقول؛ "ها أنا هنا حاضر بين العرب"، ويدافع عن هويته وثقافته العربية، ليعرف الجزائريين بتقاليده التي تعكس تنوعا كبيرا بين الشمال والجنوب، الشرق والغرب، لينقل لوحات فنية جميلة عن بلد جميل، بلد شرب من أصالة الحضارة الإسلامية واغترف من مناهل الثقافة العربية وحافظ بامتياز على أصوله الإفريقية. لوحات فنية تراثية من عمق السودان نشطت الفرقة القومية للتراث الشعبي السودانية أول أمس، حفلا فنيا تقليديا في إطار افتتاح تظاهرة الأسبوع الثقافي السوداني في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، وهو الأسبوع العربي السادس، بعد كل من أسابيع؛ فلسطين، مصر، العراق المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، حيث أدت الفرقة السودانية طبوعا مختلفة من التراث التقليدي السوداني من مختلف مناطق البلاد، حيث اجتهد ضيوف الجزائر في جلب انتباه الجمهور الحاضر في قاعة العروض بدار الثقافة "مالك حداد"، من خلال أداء مقاطع على آلات نقرية وطبول رافقها البيانو، وهي موسيقى تقترب أكثر للموسيقى الإفريقية وتحمل في طياتها التراث المشترك بين سكان الصحراء، كما تميل إلى الموسيقى التي تشتهر بها الصحراء الجزائرية. وقدمت الفرقة التي تأسست سنة 1969 والمكونة من 5 أفراد يلبسون الزي التقليدي السوداني، من قمصان بيضاء تحتها سروايل من نفس اللون وسترات سوداء مع قلنسوات حمراء اللون، في أول فقراتها، مقطع موسيقي بعنوان جبال النوبة بإيقاعات القبلة، وهي مقطوعات تعكس تمسك الإنسان السوداني بالبيئة، وأبدى أفراد المجموعة الموسيقية سعادتهم الكبيرة لتواجدهم في الجزائر، معتبرين أن تلبية دعوة وزارة الثقافة والسياحة السودانية هو واجب من أجل تمثيل السودان ومحاولة نقل جزء من التراث المحلي المتنوع الذي تشتهر به البلاد. أما المقطوعة الثانية التي أدتها الفرقة القومية للفنون الشعبية السودانية، فكانت بعنوان "دابر الرس" بإيقاعات السيرة، وهي مقطوعة تتغنى بشجاعة الإنسان السوداني، وقد رافق الفرقة في أدائها مجموعة من الفنانين المشكلة من 3 رجال يضعون على رؤوسهم قبعات بقرون حيوانات ويتردون أزياء إفريقية بألوان زاهية، وترتدي امرأتان اللباس التقليدي السوداني المحتشم بالونين الأصفر والأسود ويحملن شارات في أيديهين، وقد قدمت المجموعة لوحات فنية راقصة من التراث الشعبي السوداني، قبل أن يتم تقديم الجزء الثالث من العرض الفني لهذه الفرقة ومقطع موسيقي يشتهر به شرق السودان، وهي مقاطع بجاورية (نسبة إلى قرية البجراوية التي تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل) الممزوجة بالعربية وإيقاعات متنوعة مع رقصات بالسيوف، نالت إعجاب الحضور وتأثر بها الوفد السوداني، مما جعل وزير الثقافة يقوم إلى الركح لتحية الفرقة. الفنان حافظ عبد الرحمان : لا نزال نتذكر بطولات ثورة الجزائر أكد الفنان السوادني، عازف الناي العالمي، حافظ عبد الرحمان، أن شعب السودان لا يزال يتذكر الشعب الجزائري من خلال بطولات ثورة التحرير المظفرة، وأن السودانيين يكنون كل المحبة والأحاسيس الرائعة لإخوانهم في الجزائر، مضيفا أن مشاركته كانت على عجالة، وقد جاءت لتعبر عن مدى العلاقات المتينة بين الشعبين وبين البلدين. وقدم الفنان حافظ عبد الرحمان رفقة الفنان صادق حسن الذي كان على آلة البيانو، بعض المقاطع الموسيقية التقليدية التي ذاع صيتها على المستوى العلمي ودوت العديد من المسارح من طوكيو إلى واشنطن ومن برلين إلى المنامة، بدأها وهو يعزف على آلته المفضلة "الفلوت" النحاسي بمقطوعة عنونها؛ "حزن وشجن"، ليعزف مقطوعة ثانية من تأليفه بعنوان الأيام الخالدة، وكانت موسيقاه فيها لمسة من الموسيقى الإفريقية، كما استعمل الفنان المشهور الذي استعانت أكبر محاطات الراديو عبر العلم بمعزوفاته، آلة أخرى تشبه الناي، لكنها أكبر حجما وأغلظ منه، فهي آلة خشبية تصدر صوتا غليظا، قال عنها الفنان حافظ عبد الرحمان بأنها آلة تقدم موسيقى قوية، وقد استعان بها من أجل أن يقدم إيقاعات قوية تعكس إيقاع الجبل الذي لا يسكنه إلا الأشداء والأقوياء، حسب تعبيره، وقد نالت معزوفاته إعجاب الحضور القسنطيني ومن مرتادي دار الثقافة "مالك حداد"، حيث حضي بتحية حارة وتصفيق مطول بعد نهاية فقرته الفنية. الشاعر صديق المجتبى يغازل قسنطينة بقصيدة أبى الوزير السابق والشاعر صديق المجتبي إلا المشاركة في حفل افتتاح الأسبوع الثقافي السوداني في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" بقصيدة نسج خيوطها الأولى عندما وطأت رجليه مدينة العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، صباح أول أمس، ووصفها بقلعة الصمود والحضارة والجسور، كما وصف الجزائر بالبلد العظيم الذي لقن العالم درسا في المقاومة ولم تمت فيه شعلة الحضارة والثقافة لحظة، حيث قال بأنهم كلما حولوا إخماد هذه الشعلة إلا وازدادت توهجا، معتبرا أنه في بلاده. وقال في القصيدة التي غازل بها قسنطينة: حط رحلي بعد طول عناء بين أهلي فطرحت عناء والتقينا بين مرحا وغدونا بين دبس في حمى الكرماء لست في الجزائر الحبيبة ضيفا ولست فيها من الغرباء خفف الوطء أنت فوق أديم قد تروى من دم الشهداء ورفات من اللآلئ فيها جوهر العز من سند وسناء أمشي في هذه الديار حليقا حافي الرأس سابح في الهواء لا تمس الثرى فإن فيه نفوسا طاهرات وأمشي دون حزام خاشع اللقب طاهرا مطمئنا صلي لله مستفيضا الدعاء أيها الموطن العزيز سلاما وتحايا يا بلاد الفداء من فؤاد أنت فيه مقيم في جلاء ناعما في السؤدد ثم ألقى صاحب الدواوين الشعرية "الفلاحة التائهة" و"الشعر في زمن العولمة" و"أسمار الفقراء"، قصيدة نظمها قبل فترة، عندما شارك في أحد الملتقيات حول اللغة العربية بمدينة تيبازة رفقة صديقه الشاعر ووزير الثقافة الحالي عز الدين ميهوبي، وانتقل بعدها في قراءات سريعة عن السودان ومنها عرج على القضايا العربية، حيث قدم قصيدة "ليلى وشليل والمغني"، وهي مستمدة من التراث السوداني وبالتحديد من لعبة "الشليل"، وهو عبارة عن عظم يرميه الأطفال الصغار في الليل ويتسابقون في البحث عنه على ضوء القمر، ويرمي الشاعر في قصيدته إلى قضية سرقة الثورات العربية من شعوبها.