توفي، صباح أمس، الروائي والصحافي المصري جمال الغيطاني بمستشفى الجلاء العسكري، عن عمر ناهز ال 70 عاماً، إثر تعرضه لوعكة صحية طارئة بسبب ضيق في التنفس ودخوله بعدها في غيبوبة. وُلد الغيطاني في 9 ماي 1945 بمحافظة سوهاج، وتخرّج من مدرسة العباسية الثانوية الفنية؛ حيث درس فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان، وتخرّج عام 1962. عام 1969 أصبح مراسلا حربياً على جبهات القتال بقناة السويس لصالح مؤسسة "أخبار اليوم" المصرية. وفي عام 1974 انتقل إلى العمل في قسم التحقيقات الصحافية. وبعد 11 عاماً أضحى رئيسا للقسم الأدبي في صحيفة "أخبار اليوم". وفي عام 1993 أسس جريدة "أخبار الأدب"، وشغل منصب رئيس التحرير. نشأ الغيطاني في القاهرة، وقد بدأت أولى محاولاته القصصية عندما كتب قصة عنوانها "نهاية السكير"، ثم نشر كثيرا من القصص، واختار خمسا منها عام 1969 في مجموعته القصصية الأولى "أوراق شاب عاش منذ ألف عام". كان غزير الإنتاج، وقد اتبع منهجا صارما في الكتابة شبه اليومية، متأسيا بنجيب محفوظ الذي اقترب منه كثيرا، وألّف عنه أكثر من كتاب، منها "نجيب محفوظ يتذكر" و«المجالس المحفوظية". كما أصدر كتبا عن رواد في مجالي الكتابة الأدبية والصحافة، منها (توفيق الحكيم يتذكر) و(مصطفى أمين يتذكر)، إضافة إلى كتب يستعرض فيها علاقته بالتراث المعماري للقاهرة الفاطمية. وأصدر الغيطاني أكثر من 50 عملا في القصة القصيرة والرواية والسيرة الذاتية وأدب الرحلات والمحاورات والمقال الصحفي. كما صدر له في بغداد عام 1975 كتاب "حراس البوابة الشرقية" عن الجيش العراقي. أنتج له التلفزيون المصري والسينما العديد من أعماله التي لاقت النجاح، إضافة إلى حصته التلفزيونية الشهيرة التي تابعها بعض الجزائريين، والخاصة بمصر ومواقعها التاريخية (خاصة الإسلامية)، المرتبطة ببعض الأعمال الروائية والفكرية. تأثر الغيطاني في كتاباته بالتراث الصوفي الذي ترجمه إلى روائع، وكان يرى أن هذا التراث مخزون في بلاد المغرب العربي، وعلى رأسها الجزائر التي ارتبط بها حتى النخاع، وكانت له زيارات وصداقات بها. وكان يرى أن مجرد التفكير في مقاطعة الجزائر جريمة كبرى، مشيرا في مقالاته إلى أن الجزائر بلد عربي مهم، وثقافته جزء أساس من الثقافة العربية، ويكفيها أنها أنجبت البطل والمفكر الأمير عبد القادر الجزائري، فضلا عن أن الحضارة الجزائرية أثرت في مصر؛ حيث كانت مهد الدعوة الفاطمية. للإشارة وفور سماعهم خبر رحيل الغيطاني بادر بعض الكتّاب الجزائريين بتعزية أهله وتقديم شهاداتهم عن هذا الكاتب الكبير، وكان منهم الشاعر والروائي عبد الرزاق بوكبة، الذي قال: "إن جمال الغيطاني لم يُنظّر كثيرًا عن علاقة الأصالة بالمعاصرة، والمحلي بالعالمي، والقديم بالجديد والذاتي بالعام، كما فعل كثير من مجايليه، الذين أتخموا مجلات وجرائد زمانهم بذلك؛ لأنه كان مشغولًا بتطبيق ذلك إبداعيًا من خلال نصوصه رغم عمقه الفكري الذي كان يظهر في مقالاته. إنه من القلّة التي جمعت بين عمق التفكير وعمق الإبداع السردي، ورغم ذلك فقد بقي وفيًا لخياره الإبداعي، ولم يبتعد عنه إلا في الحدود التي تعيده إليه، وقد كان وعيه بالتراث والتاريخ المصريين العريقين، عتبة مهمة في تقديم نص سردي، جسّد فعلًا رؤية عربية مصرية بأبعادٍ كونية". وأضاف بوكبة في تصريحات خاصة لأحد المواقع العربية: "إن الغيطاني كان ينطلق من خلفيات فنية، عادة ما يتعامل معها الكاتب العربي على أنها ليست من تخصص الكتّاب، مثل فن المعمار وفن التشكيل وفن الصورة وغيرها". أما واسيني لعرج فعزّى بقلمه، مسجلا: "هكذا ترحل إذن حبيبي جمال في عز الخسارات والحرائق، حاملا معك شعلة كنا نوقدها كلما أظلمت الأشواق واستبد بنا الخوف، هكذا تترك وراءك كل حقائبك وكتبك وأوراقك الأخيرة وتنسحب نحو حفنة من النور، كنت الأوحد الذي يراها، ويلمس لمعانها حتى وهي في السماوات ملفوفة في غيمة بيضاء تركض بسرعة البرق؛ هكذا ترحل على وقع الموت اليومي. لم تتحمل ظلال اليأس التي مسحت، أو كادت، آخر الضوء فينا. لنا في لغتك وحروفك بعض العزاء الذي يعيدك نحو قلوبنا في كل ثانية.. لنا في قلبك الدائم متسع للرفقة الأبدية.. لنا في هذه الدنيا بعض الشمس وبعض الندى وذاكرة أحرفك الباقية.. لا شيء يليق بمقامك الآن إلا الصمت، اللغة لمسة هاربة، كلما اتسعت زادت ضيقا وأنا الآن تحت ضيق فقدانك.. رحمك الله أيها الصديق الأعز".. للتذكير، فقد حصد الراحل العديد من الجوائز العربية والدولية الهامة طيلة مساره الفني.