تظهر العادات والتقاليد المتوارثة عبر أجيال، في إحياء حفلات الأعراس التي تبقى من أجمل المناسبات التي تعكس الثقافة الشعبية لكل منطقة. ومن بين مناطق الوطن التي نبرز عاداتها اليوم؛ جيجل، هذه الولاية الساحلية التي لا تمتاز فحسب بجمال شريطها الساحلي المزاوج بين زرقة البحر واخضرار الغابات، بل كذلك بجمال التقاليد التي توحي للمستمع إليها أنها مأخوذة من قصص ألف ليلة وليلة. حدثتنا السيدة وردة بن طالب، الحرفية في صناعة الفخار التقليدي من ولاية جيجل، على هامش مشاركتها في الصالون الدولي للصناعة التقليدية، عن أهم تلك العادات الجميلة التي تتأسف لاندثار الكثير منها، واستبدالها بعادات أخرى دخيلة أكثرها مستوردة ولا ‘بنة' فيها، حسب تعبيرها. ومن أهم العادات التي تأسف لزوالها؛ النية الجميلة في تأسيس أسرة، تتأصل عند الفرد برغبته في الاستقرار وإيكال المهمة لوالديه باعتبارهما أكثر اثنين يخافان على مصلحته، "وإنما أصبح اليوم الزواج يتم عبر الهاتف، وإذا انتهت المحبة بعد أيام قلائل، ينتهي الزواج". وتستطرد المتحدثة، فتقول بأن من بين عادات إحياء الأفراح بجيجل، أن تتم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وبعدها تربح العائلتين المتصاهرتين، أي بعد الموافقة على المصاهرة يتم رفع الدعاء بالربح بين الطرفين، ولا يتم اشتراط أي مبلغ أو شيء آخر وإنما كل حسب مقدروه: "ولكن في عرف منطقتنا تهدى العروس ‘فلايك'، أي أقراطا ذهب و'مقايس'، أي أسورتي ذهب وخاتم و«ڤندورة"، هذا أقل شيء يهديه العريس لعروسه، ومن لا يستطيع شراء الذهب، يمكنه تعويضه بحلي تقليدية فضية، كما يمكنه أن يضيف أشياء أخرى أو الاكتفاء بذلك، أما اليوم.. فتبذير كبير واشتراط المال والألبسة والأفرشة، ولماذا كل هذا؟ حتى بقي الشباب عازبا وعنّست البنات وكله بسبب هذه الاشتراطات الكثيرة التي لا معنى لها"، تردف المتحدثة. ولا يفرق بين الخطبة والعرس إلا أسابيع قليلة، حيث تأخذ عائلة الشاب لعروسه يوم الحناء ما يسمى بجيجل "عشا لعروسة" والمتكون من كيس دقيق ودلو زيت وخضر موسمية وكذا اللحم، دون اشتراط أن يكون كبشا أقرنا، إنما يكتفي بفخذ عجل، ثم تحضر أم العروس عشاء يكون في الغالب كسكسي بمرق أبيض بالقرع واللفت أيضا، وبعد العشاء تُحنى العروس وتهدى مبالغ مالية من طرف كل امرأة جاءت مع أم العريس في عادة تسمى ‘التاوسة'، "وهي من بين العادات التي مازالت سارية إلى اليوم ولا أنسى، ذكر أن الحناء يتم أخذها من طرف والدة العريس مع الشموع والسكر وأيضا التمر كعربون محبة وحلاوة بين العائلتين". أما يوم الزفاف، فله هو الآخر طقوسا كثيرة ومميزة، تبدأ في بيت العروس التي لا تخرج إلا وهي مرتدية ‘الحايك' رمز الحشمة، حيث يبقى متدليا على العروس إلى أن تدخل بيتها "في أعرافنا مستحيل أن تظهر العروس أمام الملء يوم خروجها من دار والديها، ولا أن يراها أي مخلوق قبل زوجها في بيتها الجديد، حيث يبقى ‘الحايك' متدليا عليها كرمز للوقار والحشمة حتى تنكشف العروس لعريسها.. اليوم يا ابنتي تخرج العروس بالفستان الأبيض المكشوف والجميع يراها ويأخذ صورها، أين الحشمة في كل هذا؟! وترتدي العروس الجيجلية ما يسمى "التارزي"، وهو لباس تقليدي يصنع ويطرز يدويا وغالبا ما يكون الطرز بحبيبات السمسم كنوع من ‘العقاش'، ويمكن للعروس أن تغير من ألوان التارزي وفقا لأي لون تشتهيه، "لم تكن في عاداتنا ما يعرف اليوم بالتصديرة، حيث تغير العروس في لباسها بين كل مناطق الوطن، وإنما تتصدر الجلسة النسوية، وهي متأنقة بالتارزي الذي ترتديه العروس وفقط، وتتزين كذلك بالحلي ويستمر العرس سويعات معدودة فقط وعادة ما يكون في ‘وسط الدار' أو ‘السطح' وتتغنى النساء بموشحات جميلة وزغاريد إعلانا عن وجود فرح في الدشرة، ليس مثلما هو الحال اليوم لا بد من كراء قاعة أفراح والأغاني الصاخبة.. دون أدنى بنة". ومن أطباق جيجل التقليدية التي لا بد من حضورها في مثل هذه المناسبات التي عادة ما كان كل سكان القرية أو الدشرة أو الحي يحضرونها، طبق ‘الفْتات' وهو نوع من العجائن التي تخبز رقيقة جدا، ثم يتم تقطيعها، لتسقى بمرق أحمر بلحم العجل وتزين بحبات البيض المسلوق والفلفل الحار، وتؤكد المتحدثة أن هذا الفتات عادة ما يتم تحضيره صبيحة ثاني يوم للزفاف، أي في عادة ‘فطور العروسة'، "حيث تجتمع الحراير عند الفجر ويتقاسمن المهمة في العجن والتقطيع وتحضير المرق، ليكون كل شيء جاهزا في موعده وطازجا، كما يتم تحضير الغرايف أو البغرير مثلما يعرف في مناطق أخرى، للقهوة". ولا تنسى المتحدثة الإشارة إلى أن الحلو في منطقة جيجيل أو "الطمينة" التي تعرف في مناطق من الوطن كحلو يحضر ترحيبا بالمولود الجديد، فتقول: "الطمينة عندنا في جيجل لها عدة أنواع وهي حاضرة طوال أيام السنة بمناسبة أو دونها، فالحلو عندنا لا بد أن يكون حاضرا، لذلك نحضرها حتى في أعراسنا وننوع فيها؛ من طمينة الغرس إلى طمينة الرفيس وكذا طمينة الدڤيڤ "نحن نحب الحلو كثيرا، لذلك لا تخلو بيوتنا من أنواع الطمينة على مدار السنة".