كشف الدكتور محمد قيراط أستاذ الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة بجامعة قطر، أن عدم الالتزام بأخلاقيات الممارسة الصحفية، يحوّل المهنة إلى حقل تسوده الفوضى. واعتبر خلال محاضرة متبوعة بنقاش حول "أخلاقيات الإعلام: الرهانات والتحديات" انعقدت الخميس المنصرم بالعاصمة، أن التكوين عنصر أساس في الممارسة الإعلامية المسؤولة، موضحا أن التكوين الحقيقي للصحفي يبدأ بعد التزامه بأخلاقيات المهنة وإدراكه أهمية الدفاع عنها. ودعا الدكتور قيراط المؤسسات الإعلامية إلى الاهتمام بتكوين صحفيّيها، وهذا من خلال تبنّيهم ميثاق أخلاقيات خاصة بمؤسساتهم، على غرار ما هو معمول به لدى أكبر العناوين الإعلامية العالمية. بالمقابل، دعا الصحفي نفسه إلى الالتزام باحترام مهنته عن طريق تطوير آفاقه بالاطلاع الواسع والتدريب التأهيلي. كما دعا الدكتور إلى أهمية اعتماد الصحافة الاستقصائية، التي قال عنها إنها تحرك المياه الراكدة، وتكشف الهفوات والأخطاء، وتؤدي بالصحافة لتكون سلطة رابعة، مبرزا أن الجزائر بحاجة إلى إعلام يصنع الرأي العام ويصحح الأخطاء، "ولكن على الصحفي أن يدرك ثقل مسؤوليته هنا؛ فهو مطالَب بالبحث عن الحقيقة بكل الوسائل بغضّ النظر لصالح من تكون.. وعليه التفكير في مصلحة المجتمع قبل كل شيء"، يقول الخبير الإعلامي. من جهة أخرى، وصف المُُحاضر المؤسسة الإعلامية بكونها مؤسسة اجتماعية بالدرجة الأولى، عليها احترام النسيج الأخلاقي للمجتمع؛ فهي المؤرخ اليومي له، وهي مطالَبة باحترام ما تنشره أو تثبته للجمهور، وهنا أشار بالبنان إلى بعض العناوين والقنوات التي قال إنها "صعلكت المجتمع بتبنّيها لغة خطاب تجانب الاحترافية في الكثير من الوقائع". وأضاف: "إذا كان العمل الإعلامي غير مبني على أسس أخلاقية فإننا نزيّف تاريخنا بأيدينا". وفي هذا السياق، أعاب الدكتور على العناوين الإعلامية على اختلافها، صورتها النمطية وعدم التنوع؛ الأمر الذي غابت معه "الهوية الخاصة بكل عنوان"؛ حيث لاحظ جل العناوين متشابهة من حيث المقالات بما يوحي بأنها مستنسَخة عن بعضها البعض". كما أعاب على الصحفيين تقاعسهم وعدم اهتمامهم بحرية التعبير كاملة، ملفتا إلى أن هذه الحرية تُكتسب عن طريق النضال، الذي يتأتى من خلال النقابات والجمعيات المهنية. في الأخير، نبّه الدكتور المؤسسات الإعلامية إلى أهمية عقد الاجتماعات الدورية بين طواقمها، وعقد جلسات بين الصحفيين المخضرمين والجدد؛ من أجل إثراء الحوارات والنقاشات فيما يخص القضايا المتعلقة بموضوع أخلاقيات المهنة، ملفتا كذلك إلى أهمية الانتساب إلى الجمعيات المهنية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. وردّا على سؤال "المساء" حول التعتيم الإعلامي الذي يواجه الصحفي في الكثير من الأحيان أثناء عمله الميداني ويحول دون وصوله إلى الحقائق كاملة لتنوير الرأي العام بالقضايا التي تهمه، اعترف الخبير بحقيقة هذه الممارسة السلبية، مبيّنا أن الممارسة الإعلامية تعاني اليوم في معظم دول العالم وليس في الجزائر فقط، من انزلاقات وانحرافات وتجاوزات عديدة تعرّض الصحفي لضغوطات مختلفة خلال تأدية مهمته من قبل جهات عديدة ومختلفة، شغلها الشاغل هو ابتزاز أو استغلال المؤسسة الإعلامية لمصالح ضيّقة على حساب إعلام موضوعي مسؤول وهادف. وأوضح أن النتيجة في نهاية المطاف لهذا الوضع غير السوي، هي التشويه والتضليل والإثارة والانحياز وحرمان المجتمع من الحقيقة والمعلومة السليمة، داعيا كل الفاعلين في صياغة المعلومة الإعلامية؛ من مصدرها إلى ناشرها، إلى متلقّيها، للدفاع عن المصلحة العامة. وقال إن المسؤولية هنا لا تقع على الصحفي وحده، وإنما على فعاليّات المجتمع المدني، المطالَبة هنا بالعمل المكثف من أجل التحسيس الواسع بتسهيل مهمة الصحفي الذي يكتب تاريخ وطنه يوميا.