يعرض البروفيسور عبد الرزاق دوراري، مدير المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم تمازيغت، حصيلة مراحل نضال القضية الأمازيغية ويتوقف عند المكاسب المحققة وإلى التطلعات المرجوة لاستكمال استرجاع وتعزيز هذه الهوية الوطنية التي طال غيابها عن المشهد العام.يؤكد هذا الخبير على الالتزام بالحكمة والتأني لضبط ما تبقى من تطبيقات لغوية على أرض واقع الممارسة ويرى أنه يجب اشهار سلاح العلم والبحث الذي يجب أن يخرج من يد السياسيين الذين لهم مجالهم الذي يناضلون في إطاره. ماذا تمثل ذكرى 20 أفريل وماذا تبقى من وهجها بعد مرور 36 سنة؟ قبل الحديث عن تاريخ 20 أفريل 1980 لا بد من الوقوف عند بعض المسائل بشكل عام فقبل هذا التاريخ كانت السلطة الجزائرية والدولة عموما متخوفة من شعبها ومن ثقافته ومن اللغات التي يتحدث بها هذا الشعب منها الأمازيغية والعربية الجزائرية، وفي يوم 20 أفريل منعت محاضرة للراحل مولود معمري متعلقة بالتراث الأمازيغي وكان ما كان ونتج عن ذلك نقلة نوعية وترتبت عنها أحداث أخرى. كان هناك انسداد لكل ما هو وطني جزائري كمحاولة لفرض لغة هي من مميزات المشرق أكثر منها من مميزات المغرب وبالتالي جاء ت أحداث أفريل ب3 نقاط وهي: - الاعتراف بالأمازيغية وتثمينها وتطويرها. - الاعتراف بالعربية الجزائرية. - إضفاء جو ديموقراطي على الحياة السياسية والثقافية. وإذا ما أردنا أن نقيس مدى تقدمنا وماذا حدث بالنسبة لهذه المطالب الثلاثة نجد أن الأمازيغية أصبحت تدرس في المدارس وأصبح هناك 4 مراكز جامعية لها وأصبحت في الصحافة ووسائل الإعلام المتخصصة، كما أنها منذ 2002 أصبحت لغة رسمية ووطنية ثم رسمت في دستور 2016 ومن هنا نرى ونقيم 20 أفريل الذي أعطى محتوى للمطالب ثم تحققت النقلة النوعية للأمازيغية من الناحية اللغوية وبالتالي فهي ثورة حقيقية وتغيير جذري للعقليات وأصبح رجل الشارع مرتاحا لما تحقق يعيش داخل هويته المتعددة. بالنسبة لمطلب الديموقراطية، نجد أن قبل تاريخ 20 أفريل كان هناك الحزب الواحد وأصبح اليوم عندنا 60 حزبا وهناك أيضا صحافة متعددة بتوجهات مختلفة وصحافة معارضة ومعارضة منظمة وهناك موالاة أيضا وهذا المسار الديموقراطي لم يكن متصورا قبل 1980 لكنه تحقق بعد هزات مجتمع جعلت النظام السياسي يتفتح ويعترف بوجود معارضة وطنية. بقيت نقطة اللغة العربية الجزائرية فخلال الندوة الوطنية للتربية في جويلية الفارط نوقشت فيها مسألة التدريس بلغة الأم وهي المرة الأولى التي يناقش فيها جهاز تنفيذي الأمر باعتباره من الوسائط البيداغوجية للولوج إلى عالم اللغة والمدرسة والمعرفة ونتج عن ذلك نقاش حاد وهو مهم في المجتمع، كما نوقشت مؤخرا بجامعة بوزريعة خلال يوم دراسي مسألة التعدد اللغوي في مجتمعنا والأمازيغية بأنواعها إضافة للعربية والفرنسية وبالتالي اللغة لم تعد أمرا حساسا. 36 سنة بعد تلك المطالب الأساسية جعلت الاعتراف بها يضفي نوعا من الهدوء وكذا تقبل الآخر وقل الاختلاف وظهر ما يسمى بالتعدد الثقافي الموجود في المجتمعات الأخرى. أعتبر الحصيلة مهمة أنتجتها شعلة 20 أفريل ولمن ما أحدثته من تغيرات جذرية عميقة مست بالبنية العقلية للإنسان الجزائري ولمسيري الدولة. هل حقق أبناء الثقافة الأمازيغية المبتغى كاملا من خلال تجسيد الترسيم كلغة وطنية ؟ الأمازيغية حققت الجزء الأوفر من المطالب ومنها أن تكون لغة رسمية ووطنية، لكن تبقى دسترتها كلغة رسمية في دستور 2016 تشوبها الشوائب قياسا إلى ما حرر في الدستور عن العربية الرسمية بالتأكيد إنها «رسمية ووطنية للدولة"، علما أنه في المادة 4 نجد أن الأمازيغية لغة وطنية ورسمية دون إضافة "للدولة الجزائرية" ومن هنا نلحظ التفريق رغم أن هذه الفقرة لا تقدم ولا تؤخر من الجانب القانوني شيئا وبالتالي فإن "للدولة الجزائرية" تحصيل حاصل فعندما نقول رسمية هذا يكفي لأنها بكل بداهة ستكون رسمية في بلدها طبعا وليس في بلد أجنبي ومع ذلك نلحظ مدى التفاضل بين اللغتين مما خلق الشك في النية الحسنة للدستوررغم هذه المراوغة القانونية التي لا معنى لها. بينما كان المشرع على صواب في قضية التريث واشتراط إنشاء أكاديمية للأمازيغية فهي التي بامكانها أن تشكل سلطة أخلاقية وعلمية (مؤهلة) تستطيع أن تجعل هذه اللغة عن طريق التدريج تدخل في المجالات الرسمية حقا. من بين الأعمال التي قد تقوم بها الأكاديمية إذا ما وضعت على أسس سليمة إنتاج قواميس ومعاجم متخصصة في المجالات الإدارية والقانونية والمحاكم وهذا لا يمنع من الانتظار حتى تستعمل الأمازيغية بكل أنواعها في الإدارات المحلية لتكون قريبة من المواطن غير المتمكن من العربية أو الفرنسية ليقضي حاجته مع إدارته بلغته الأم. نؤكد على العمل الأكاديمي الذي يمكّن للدولة وبالتدريج عكس التسرع الذي يؤدي إلى عثرات. بذلت الدولة جهودا معتبرة لترقية وتثمين الأمازيغية فكيف تثمنون ذلك ؟ صحيح الدولة الجزائرية بذلت مجهودات تجاوزت من خلالها بعض العقد اللغوية والتاريخية والثقافية قبل الاستقلال وهذا هو الجهاد الأكبر عند الفقهاء (جهاد النفس). ابتداء من سنة 1995 انطلق بناء المؤسسات الأمازيغية كالمحافظة السامية للأمازيغية وفي 2002 المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم تمازيغت وقبلها في 1990 المعهد العالي للأمازيغية بتيزي وزو ثم ببجاية بعد سنتين ثم بالبويرة وخنشلة. هناك أيضا مجهودات تشريعية وإعطاء مكانة قانونية لهذه اللغة ضمن المنظومة التشريعية، إضافة للميزانيات الكبيرة التي صرفت وكذا المجهود المعتبر لكن المشكل يبقى في أن كل ذلك لم يتم بطريقة نسقية فعندما جاء الاعتراف سنة 95 جاء بعدها إضراب عن المدرسة لمدة سنة وكانت الدولة في غنى عن ذلك مما أدى إلى دسترة اللغة في 2002 كما كان أيضا نتيجة أحداث منطقة القبائل سنة 2001 وكان يمكن تفادي كل تلك الأحداث لو توفر التصور المسبق والاستشرافي الذي يضمن تفادي تلك الصدمات ويعوضها بنوع من التطور التدريجي علما أن المجتمعات لا يجب أن تعيش رجات سلبية كبيرة حتى تتفادى القمع لذلك علينا استباق الأحداث على أسس عقلانية، وأرى أن ذلك كان العيب الوحيد لتلك السياسة اتجاه الهوية وهي عيوب قد تكون استتباعاتها أحيانا خطيرة على نفسية المجتمع وعلى فكرة المواطنة كما كان من المطلوب توفر إطار ديموقراطي. هل كان هاجس القضية الأمازيغية هو الوصول إلى سدة الترسيم الدستوري كمبلغ أسمى ؟ دسترة الأمازيغية كلغة رسمية كانت غاية للمناضلين وجاء في الدستور كشكل تدريجي (رسمية مع وقف التنفيذ) تماما كما حدث في المغرب سنة 2011 ولحد الساعة لم تصدر القوانين الأساسية التي تسمح بتطبيق مادة الدستور. نتمنى أن تتجنب الجزائر مثل هذه الرعونة في التعامل مع المجتمع وبالتالي فإن وضع أكاديمية على أسس صحيحة للانطلاق في العمل الواضح والملموس (مصطلحات، مفاهيم وغيرها) وتدخل في مجالات السورية أو الإدارية أو السياسية ينبغي أن تكون رؤيتنا للمستقبل على كفتين وهما تطوير العمل الأكاديمي المحض ليس فيه سياسة ومناضلين بل علماء أكاديميون يعملون ضمن قوانين الدولة والأمر الآخر الكفة السياسية مع أحزاب معتمدة لها برامج ولها معالجة موقف اتجاه الامازيغية وينتهي عملها في قضايا الهوية والمواطنة وتنشط مدى الحياة كباقي الدول المتقدمة ويمكن أن نقول بلغنا المبتغى لما يكون للامازيغية مؤسساتها العلمية وتدخل جميع الميادين، ومن جهة أخرى، على المجتمع وضع أسس ديموقراطية لا يحاسب فيها المواطن إلا من خلال الحقوق والواجبات. تراجع دور الحركات النضالية فما هو السبب حسبكم؟ الحركات هذه ظهرت وكانت في أوج قوتها وحضورها لما كان الانسداد طاغيا لكن لما تحققت مطالبها ولما تطور الإطار المؤسساتي والقانوني واستجابت الدولة بقبول تلك المطالب وبالتالي أصبح حضورها اليوم بدون جدوى وأصبح نشاط تلك الحركات والجمعيات (منها الحركة البربرية) موكل للأحزاب التي تضع البرامج وبالتالي أصبح مطلب الامازيغية مطلب جميع الأحزاب الوطنية وهذا أمر كاف. تتبنى اليوم معظم المدن الجزائرية هذا الاحتفال وبالزي التقليدي القبائلي فما تعليقكم؟ إن المجتمعات المتقدمة الراقية تعترف بتقاليدها مهما كانت متنوعة وأذكر أن نساء العاصمة احتفلن بالخروج بزي الحايك والعجار وهو يرمز إلى أن شعبنا ذواق وحاضر بمناسباته التي تعكس هويته. إن اللباس أول شيء يعكس الهوية والسلوكات الكامنة فيها خاصة بالنسبة للمرأة، وكما تظاهرت العاصميات تتظاهر القبائليات وكذلك الشاويات وكل الأمازيغيات والجزائريات لأنهن بنات شعب واحد وهذا يشرف الجزائر التي هي عصارة تاريخ غابر يعود إلى 2 مليون سنة وكم هو جميل أن يتبنى هذا التراث جهات مختلفة. وماذا عن ترسيم يناير في الرزنامة الوطنية للإحتفالات الرسمية ؟ يناير ذكرى تحتفي بها كل منطقة الشمال الإفريقي بما فيها مصر وهذه الرزنامة تعود لما قبل المسيح وأصبحت مناسبة اجتماعية تؤرخ لتقطيع زمني مرتبط بالطبيعة في الأساس وهو عامل مشترك ومتجذر وبالتالي على الدولة ترسيمه كعيد وطني. وماذا عن تجسيد الشخصية الجزائرية ككيان جامع؟ لا بد من من بناء شخصية وطنية مبنية على قوائم تاريخية حقيقية عاشها الشعب ومبنية على ماهو كائن وليس على تصورات اديولوجية حتى يعيش الجزائري بفخر وليس بالاستيلاب الفكري والعودة لجزائريتنا يسمح بإيجاد جسور رابطة بيننا على اختلاف الثقافات الجزئية وكذا بروز لغة جزائرية مفهومة من الحدود إلى الحدود كوسيلة تخاطب، وعلى الدولة تعزيز اللحمة الوطنية بمجهوداتها المبذولة. ولا يمنعنا كل ذلك من أن نحس بالانتماء إلى العروبة التاريخية والثقافية والحضارية وليس الإثنية كذلك لا يمنعنا من الانتماء للعالم الإسلامي تماما كالأتراك والفرس. إن الخصوصية الجزائرية تعني وحدة الشعب رغم الاختلاف. هناك من يتخذ القضية الأمازيغية لضرب الاستقرار والوحدة الوطنية وكسر ما أنجز فما موقفكم؟ أمر طبيعي أن تستعمل أطراف النزاع السياسي والاديولوجي القضايا الاجتماعية والثقافية وغيرها وكان هناك من يستغل عدم الاعتراف للمطالبة بالانفصال لكن الجزائر ليست قطيعا من الغنم فلنا هوية وشخصية لذلك على الدولة أن تصون هذه المقومات. هناك أيضا جانب اصلاح البرامج التربوية كما تفعل الوزارة حاليا أي حماية الشخصية والهوية من الاستغلال السياسوي. لا يكمن الخطر فقط في دعاة الانفصال بل أيضا في دعاة المنهج الوهابي الذي يهدد الشخصية الجزائرية على اعتبار أنه لا يعترف بها.