جولتنا انطلقت من مقبرة سيدي امحمد ببلدية بوزريعة في أعالي العاصمة، وقد كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا عندما ولجنا المكان. كان أول ما لفت انتباهنا الإهمال الكبير الذي طال المقبرة، ترجمه طول الغطاء النباتي الذي تعدى في بعض الأماكن المتر، إلى جانب التصاق القبور فيما بينها بشكل يصعب على الزوار التنقل عبرها بكل سهولة. في زاوية من المقبرة، وجدنا مجموعة من النسوة يبحثن عن قبر أحد أقاربهن، وقد أخبرتنا إحداهن أنها لم تزر قبر والدها منذ سنة تقريبا لأنها تقطن بولاية باتنة، إلا أنها تفاجأت هذه المرة باختفائه عن مجال نظرها، بسبب فوضى عملية الدفن ونمو الحشائش والأحراش ”أو أنه انجرف بفعل الأمطار”، تقول، رغم تأكدها بأنه مدفون بمدخل المقبرة. وقد ألقت محدثتنا باللوم على القائمين على المقبرة، لعدم القيام بمهامهم وتركهم المقبرة عرضة للإهمال. شاطرتها الرأي سيدة أخرى لم تجد هي أيضا قبر زوجها الذي توفي في فيضانات باب الوادي في العاشر من نوفمبر 2001، كونها سافرت بعد وفاته لمدة قاربت السنتين إلى الخارج، ولدى عودتها لم تجد اسم زوجها على القبر بل وجدت اسما آخر، ما جعلها تعتقد في بادئ الأمر أنها أخطأت المكان، لكن بعضا ممن حضروا جنازة المتوفى أكدوا لها أنه القبر ذاته. وذكرت محدثتنا وملامح الحزن بادية على وجهها قائلة ”أنا لا أحمّل أي أحد المسؤولية، لكن لو كنت موجودة في الجزائر لما حصل للقبر ما حصل، لكن على المؤسسة المكلفة بهذه المقبرة أن تحافظ على قبر كل ميت حتى ولو كان منسيا”. من جانبه، قال لنا أحد الزوار إن ”المقبرة امتلأت عن آخرها ولم يعد يوجد مكان لدفن الموتى”، مؤكدا أنه تم دفن أخيه في القبر نفسه مع أمه رغم مرور سنتين فقط على وفاتها، وهو مناف للقانون، مطالبا السلطات بإيجاد حل مناسب لهذه الظاهرة. ”القطّار”.. لمن استطاع إليها سبيلا انتقلنا بعدها إلى مقبرة القطار ببلدية باب الوادي، وما لاحظناه أن المنظر العام لم يختلف كثيرا عن سابقتها، قبور متراصة ومسالك مغلقة بينها، وهو ما ترك لنا الانطباع بصعوبة إيصال نعش الميت إلى القبر. وبعين المكان، التقينا شخصا يقرأ الفاتحة على أرواح أقرباء له، بعد الانتهاء وعندما علم بهويتها أخبرنا أن القبر عائد لأبيه وعمه وأخته، فكلهم دفنوا في القبر نفسه لعدم توفر أي مساحة للدفن، مضيفا أن أزمة السكن طالت حتى المقابر ولم يعد الموتى يجدون مكانا لهم حتى تحت الأرض. غير أن أحدهم صارحنا بالقول: ”إذا عندك معريفة يجيبولك قبر وين ما يكون وإذا ما عندكش روح تدفن فالعاليا”، مضيفا أن ”الرشوة أيضا أصبحت لغة متداولة بين حفاري القبور لأنهم أدرى بالأماكن الشاغرة وبإمكان إيجاد مساحة للدفن بكل سهولة، إذا دفعت لهم مبلغا ماليا، وفي بعض الأحيان يضطرون لاقتلاع الأشجار أو ردم قبر منسي ليوفروا لك مكانا طبعا إذا كان المبلغ الذي تدفعه معتبرا”، يقول محدثنا الذي صارحنا بذلك بطريقة الواثق من نفسه، محملا المسؤولية للمصالح الوصية التي تدفع لحافري القبور أجرا زهيدا مقابل العمل الذي يقومون به يوميا. من جانب آخر، حدثنا أحد الزوار عن تفشي ظاهرة التعدي على حرمة الموتى من قبل بعض الشباب المنحرف، مؤكدا أنهم كثيرا ما يتجمعون داخل المقبرة مساء لممارسة ”طقوس الفساد” دون أدنى احترام للموتى ودون أي ردع من السلطات المعنية، رغم تعدد شكاوى المواطنين. ڤاريدي.. مقبرة ”المعريفة” غادرنا المكان لنتجه إلى مقبرة ڤاريدي، بعد إلحاح العديد من السكان الذين أخبرونا أن ”المعريفة” أصبحت لغة متداولة هناك، كما أصبح القائمون عليها يمتنعون عن إعطاء تصريحات بالدفن، بحجة أن هذه المقبرة لم تعد تستوعب عددا أكبر من القبور، في الوقت الذي يتمكن البعض من الحصول بسهولة على تصريح بالدفن، أمام غياب تام للمصالح المشرفة على التسيير، ما أثار استياءهم، خاصة أنهم مجبرون على التنقل إلى مقابر أخرى كمقبرة ”بن عمر” ومقبرة ”عين المالحة” لدفن موتاهم. الشيء نفسه أكدته لنا سيدة كانت تقف بجانب أحد القبور، حيث قالت ”لم نجد أين ندفن أحد أقربائي في هذه المقبرة، لأن المؤسسة القائمة عليها أفادتنا بأن هذه الأخيرة لم تعد تستوعب أكثر وتم توجيهنا إلى مقبرة عين المالحة”، مشيرة إلى أن ”المعريفة” واقع موجود فعلا، مستنكرة ذلك بقولها ”حتى الموتى لم يجدوا مكانا لهم تحت الأرض، رغم أن الحصول على التصريح بالدفن من الحقوق المشروعة”. غادرنا المقبرة تحت نظرات أعوان الحراسة الذين كانت أعينهم تتبعنا في كل حركة، لأننا دخلنا المقبرة دون أن نكشف عن هويتنا. وقصد الإلمام أكثر عن الموضوع وإجراءات الحصول على تصريح بالدفن ورأي مؤسسة تسيير المقابر في كل هذا، راسلت ”الخبر” مصالح الولاية غير أنها لم ترد على طلبنا، كما اتصلنا بمكتب المدير لضبط موعد غير أنه رفض بحجة ضرورة الحصول على ترخيص من الولاية أولا.