يحدثنا رئيس النقابة الوطنية للأئمة الجزائريين، الشيخ جلول الحجيمي، عن بعض المغالطات التي يقع فيها الأطباء بالتساهل مع المرضى والسماح لهم بالإفطار في الوقت الذي يكون بإمكانهم الاجتهاد والصيام، ويشرح في هذا اللقاء ماهية الرخصة والفئات المستفيدة منها والنتائج المترتبة عن عدم استعمالها أو الخطإ في توظيفها. ❊ ما المقصود بالرخصة في التشريع الإسلامي؟ — الرخصة كما ورد عن سيدنا محمد رسول الله "أن الله يحب أن تأتي رخصه ويحب أن تأتى عزائمه"، والرخصة تعد كحل استثنائي لقضية أكبر، بمعنى مثلا أن المولى تبارك وتعالى أمرنا بالوضوء، وإن لم نجد الماء وهو العذر تأتي الرخصة، وهي التيمم صعيدا طيبا وقس على ذلك، ففي الصيام الأصل أن كل من هو بالغ وعاقل وراشد يجب عليه الصيام ولكن هناك بعض الرخص في المقابل التي تجيز للبعض الإفطار، مثل المرأة أثناء فترة معينة، فهي تملك رخصة الإفطار الشرعية ولا يجوز لها الصيام، إلى جانب المسافر والمريض، وهناك من يقضي صيامه بعد استعمال الرخصة كما هو الحال عند النساء، وهناك من يفدي صيامه ويقضيه، أما الفئات المصابة بالأمراض المزمنة والتي يرخص لها بالإفطار أيضا تفدي عن أيام إفطارها وهذا المبدأ العام في الرخصة ببساطة. ❊ من هو المكلف بمنح رخصة الصيام؟ — الأصل في منح رخصة الإفطار للفقيه المجتهد في القضايا الكبرى لتجنب التساهل في الدين، لأن لرمضان كعبادة قداسة لقوله تعالى؛ "وأن تصوموا خير لكم "، بالتالي على الفرد أن يجتهد لممارسة هذا الفرض الديني، إلا إذا كان الصيام يضر بصحة الصائم أو عقله، فالقرآن جاء فيه "يا أيها الذين أمنوا لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة" فنهانا المولى عن إلقاء أنفسنا في التهلكة لأنها تضر بنا، ولعل الفئات المعنية، مثلا، مرضى السكري من الذين يؤدي صيامهم إلى الإضرار بهم، لكن بعض مرضى السكري يمكنهم الصيام من الذين يتبعون الحمية مثلا، بالتالي الأصل في هذه الفئات أن تبدأ الصيام، فإن تعذر عليها المواصلة تفطر ومن هنا نجد أن الشريعة مقيدة بقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" من أجل هذا نركز في مسالة الرخصة على ضرورة عدم الاستهانة لأن الرخصة حالة استثناء من وضعية معينة وأن الأصل في رمضان هو الصيام. ❊ الأطباء عموما هم المكلفون بمنح الرخص، ما تعليقك؟ — بالنسبة لهذه المسألة بالذات نطرح إشكاليتين: الأولى أن بعض الأطباء لا يهتمون بالجانب الديني، إذ يسارعون إلى منح مرضاهم رخصة الإفطار، وفي هذا نوع من التساهل في بعض الأحيان وليس عموما، من أجل هذا ندعو الأطباء إلى التفقه في أمور الدين وفي بعض الأمور الفقهية، خاصة أن بعض الأطباء درسوا خارج الوطن في الدول الغربية كأمريكا وإنجلترا، بالتالي هم غير متفقهين حرصا على أن تكون الرخصة الممنوحة للمريض على أسس شرعية، أما الأمر الثاني، فهو أن الذي يشكل الصيام عليه ضرر أكيد يعتبر آثما ولا يجوز له الإضرار بنفسه لأن الفرد لا يملك نفسه. ❊ ماذا عن الفئات التي على الرغم من أحقيتها بالرخصة تصوم رمضان؟ — هذا يكشف لنا مدى الوعي الديني الذي يتمتع به المجتمع الجزائري الذي يأبى في جميع الأحوال خرق الأحكام الدينية، خاصة إن تعلق الأمر بصوم رمضان الذي يعتبر من أقوى العبادات في منطق تفكيرهم، فنجد مثلا فئات لا تصلي لكن عند حلول الشهر الفضيل تصوم، بالتالي تقديس الشعب الجزائري على غرار باقي الدول العربية لرمضان يجعلهم يأبون ممارسة الرخصة، على الرغم من أن من فرض الصوم هو نفسه الذي أقر جواز اللجوء إلى هذا الاستثناء أي المولى عز وجل، بالتالي ندعو الفئات التي تملك أحقية ممارسة الرخصة أن تفطر وإن أبت ذلك وكان الصوم غير مهلك لها يمكن أن تحاول الصيام، كبعض مرضى السكري من الذين يتبعون الحمية إن شعروا أن في الأمر ضرر عليهم بالإفطار، للوصول إلى الاجتهاد دون المبالغة. ❊ ألا تعتقد أن مجتمعنا لا يزال بحاجة إلى وعي ديني في مسائل الصيام؟ — حقيقة لا نزال بحاجة إلى الكثير من التوعية والتوجيه والإرشاد الديني، فعلى الرغم من الوعي نحتاج دائما إلى الرجوع إلى الفقهاء والعارفين بأمور الدين للاستفسار.