أكد وزير الشؤون الخارجية السيد مراد مدلسي أول أمس بنيويورك، ضرورة الاستمرار في محاربة الإرهاب بجميع مظاهره وأشكاله، داعيا إلى التعجيل بتبني اتفاقية عامة حول مكافحة الإرهاب، مع اجتناب أي إشارة أو عبارة من شأنها المساس بالكفاح المشروع للشعوب في استرجاع حريتها أو بسمعة مجموعة دينية معينة. وجدد السيد مدلسي في كلمته أمام الدورة ال63 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مواقف الجزائر من العديد من القضايا الدولية المطروحة، على غرار الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وفي إفريقيا وقضية الصحراء الغربية ومسار إصلاح هياكل المنظمة الأممية. فبعد أن ذكر بأن السياسة الخارجية للجزائر تستند إلى مبادئ حسن الجوار والتعاون والتضامن، أشار السيد مدلسي إلى عمل الجزائر على تذليل كل الصعوبات الظرفية التي تعرقل تفعيل اتحاد المغرب العربي، قناعة منها بأن إقامة مغرب عربي موحد ومزدهر يفرضه المصير المشترك لشعوبه ومتطلبات العصر، وحرصا منها على أن لا تؤدي الجهود المبذولة في هذا الاتجاه إلى خيبة أمال جديدة. كما أكد بأن الجزائر ترى بأن تفعيل اتحاد المغرب العربي ينبغي أن يكون على أسس صحيحة وقوية ودائمة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة شعوب المنطقة. وبخصوص الوضع في منطقة الشرق الأوسط، عبر الوزير عن ارتياح الجزائر للتطورات الايجابية الحاصلة على الساحة اللبنانية، وتشجيعها لمسار الوحدة والمصالحة الوطنية بهذا البلد الشقيق، مؤكدا في سياق متصل بأن الشرق الأوسط لا يمكن أن يعرف السلام دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، حيث أوضح أن إقامة سلام عادل وشامل ودائم بالشرق الأوسط يمر حتما باستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية والتاريخية، بما في ذلك حقه في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين واسترجاع كل الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل. مناشدا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته كاملة تجاه الشعب الفلسطيني. وعلى صعيد الوضع في السودان أكد الوزير على وجوب الامتناع عن أي عمل من شأنه عرقلة جهود السلام الجارية أو المساس بوحدة السودان وسلامته الترابية وسيادته، داعيا في ذات السياق إلى تعبئة أكبر للمجتمع الدولي حول المسار السياسي، الذي اعتبره الطريق الوحيد الذي يضمن للشعب السوداني بكل مكوناته، مزايا استعادة السلم والمصالحة الوطنية. كما جدد مساندة الجزائر لمسعى ومقترحات الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز التي تطلب من مجلس الأمن، تجميد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والعمل باتجاه ترقية وتعزيز ديناميكية السلام والمصالحة الوطنية. وذكر وزير الخارجية بكل التحولات العميقة والواعدة التي تعرفها القارة الإفريقية، مشيرا إلى أن ميدان السلم يتصدر قائمة الانجازات الهائلة، التي حققتها المنطقة بفضل الأفارقة أنفسهم، والذين تمكنوا من إقامة ترتيبات مؤسساتية مناسبة لتحديات العصر ومتجانسة مع العادات والحقائق الإفريقية. وفيما أعرب عن ترحيب الجزائر بهذه التوجهات الايجابية، أشار في المقابل إلى تأسفها لعدم ارتقاء دعم والتزام شركاء افريقيا إلى مستوى الأهداف المتفق عليها سواء ما تعلق منها بمهمات استرجاع السلم أو ببرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وجدد السيد مدلسي دعم الجزائر وتضامنها مع مجهودات افريقيا التي ترمي بكل ثقلها في حل الأزمة الصومالية من خلال دعمها المطلق للمسار السياسي وإرسال بعثة السلام المكلفة بمساعدة السلطات الانتقالية على استعادة السلم والأمن في البلاد، وعبر من جانب آخر عن إشادتها بالنهج الذي سطره الاتحاد الإفريقي بالتعاون مع مجموعة التنمية لدول جنوب افريقيا لتمكين الشعب الزمبابوي من تجاوز محنه، من خلال الاحتكام إلى فضائل الحوار في روح من المصالحة والوحدة. كما شدد على ضرورة مواصلة إصلاح منظمة الأممالمتحدة لتصبح أداة لكسب فضاءات جديدة للحرية والديمقراطية والعدالة والسلم والأمن والتنمية والتقدم، غير أنه أشار في المقابل إلى أن هذه الإصلاحات لن تكون فاعلة، في حال لم تشمل مجلس الأمن من خلال توسيع عادل لتركيبته وإضفاء الديمقراطية في اتخاذ قراراته وتحسين إجراءات عمله . ولدى تطرقه إلى الأزمة الغذائية والآثار المدمرة للتغيرات المناخية تأسف رئيس الدبلوماسية الجزائرية، لكون البلدان النامية هي التي دفعت الثمن باهظا، وتقف عاجزة أمام التحديات التي تهدد استقرارها السياسي وانسجامها الاجتماعي، مؤكدا ضرورة تحمل الهيئات المالية والاقتصادية دورها على أكمل وجه دون مطالبة البلدان النامية، ولا سيما البلدان الإفريقية منه، الموافقة على التزامات ليست مطابقة لأهدافها التنموية. ومن ضمن النشاطات الكثيفة التي كانت له بنيويورك، شارك السيد مراد مدلسي في أشغال الدورة ال32 للاجتماع السنوي لوزراء الشؤون الخارجية لمجموعة ال77 والصين، حيث أبرز في مداخلته أهمية الدور الذي لعبته مجموعة ال77 خلال المداولات حول مسائل التنمية، والذي يرسخ مكانتها كمحاور موثوق، في منظمة الأممالمتحدة، مشيدا في سياق متصل بتطور التعاون بين مجموعة ال77 وحركة دول عدم الانحياز لرفع التحديات التي تواجهها بخصوص العديد من المسائل المتعلقة بالتنمية. وبعد أن ذكر بالأزمات المتتالية الحاصلة حاليا على مستوى الأسواق الدولية، اعتبر السيد مدلسي أن هذا الاضطراب ناجم عن الاختلالات التي تسبب فيها التوجه الحالي للعولمة، مشيرا إلى أن التحكم في الأزمة الغذائية العالمية يتطلب أعمالا استعجالية وتشاورية للمجموعة الدولية وتطهير النظام المالي الدولي، وأكد بالمناسبة أن هذا الواقع الدولي يستوقفنا أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ الشراكة العالمية من أجل التنمية التي تبقى الوسيلة المثلى لتدارك تكاليف العولمة. كما ذكر بالأهمية القصوى التي توليها الجزائر لدور الأممالمتحدة في الإسهام بشكل فعّال في تعزيز قدرات الدول النامية، مع احترام مبادئ المساواة السيادية للدول الأعضاء، مبرزا في ذات السياق أهمية رفع تحديات التعاون جنوب، جنوب، وتوسيع هذا التعاون إلى العديد من قطاعات التنمية. على صعيد آخر حضر السيد مدلسي بنيويورك جلسة عامة لمجلس الأمن الأممي خصصت لمسألة المستوطنات الاسرائيلية، وشارك فيه رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس وكاتبة الدولة الأمريكية وكذا وزراء الشؤون الخارجية لكل من فرنسا والمملكة المتحدة وكرواتيا وجنوب افريقيا وكوستا ريكا وبلجيكا وبوركينا فاسو علاوة على الأمين العام للجامعة العربية. ويهدف هذا الاجتماع الذي تقرر عقده عقب اجتماع مجلس الوزراء العرب في بداية شهر سبتمبر 2008 بالقاهرة، إلى جلب اهتمام الرأي العام الدولي بشأن مشكل استمرار المستوطنات، في الوقت الذي دخل فيه مسار السلام مرحلة حساسة.