أكد وزير الشؤون الخارجية السيد مراد مدلسي أول أمس، بجنيف، أن الجزائر تأمل أن يفضي مسار العولمة الجاري إلى تقارب الشعوب والتفافها حول احترام قيم كل شعب مجددة "تمسكها الثابت" بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وصرح السيد مدلسي، خلال اجتماع نظم في إطار الإحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قائلا "لقد كلفني رئيس الجمهورية بمشاركة هذه الجمعية الموقرة في أملها أن يفضي مسار العولمة الجاري إلى تقارب الشعوب في إطار تضامني حول احترام قيم كل شعب"، وقد شهد الاجتماع مشاركة الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة السيد بان كي مون. وبعد أن ذكر بأن الجزائر طرف في الأغلبية الساحقة من الإتفاقيات العالمية والإقليمية حول حقوق الإنسان، أكد وزير الشؤون الخارجية أن التزام الجزائر منذ استقلالها بمساندة القضايا العادلة عبر العالم "لشاهد على قناعتها بضرورة تكريس حقوق الإنسان عند كافة الشعوب والأمم". وأردف في هذا الإطار يقول "انطلاقا من هذا الإلتزام عكفت بلادي على بناء دولة اجتماعية وديمقراطية تضمن للمواطنين الجزائريين الممارسة الكاملة لحقوقهم الأساسية". كما أوضح رئيس الدبلوماسية الجزائرية أنه بالرغم من التحديات التي واجهتها من ذلك وحشية الإرهاب حديثا لم تتخل الدولة الجزائرية، إطلاقا عن مثلها الإنسانية، حيث حرصت على إعطاء حقوق الإنسان "ترجمة فعلية على أرض الواقع بناء على استقلالية حقوق الإنسان وتكاملها و وحدتها". وأكد وزير الشؤون الخارجية أن الجزائر متمسكة بتحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية مع احترام الآجال المحددة لذلك من خلال المضي في تحسين الوضع الإجتماعي لمواطنيها بفضل مخطط الدعم الاقتصادي (2009- 2005). وأوضح السيد مدلسي أن التفعيل الكامل للطاقات البشرية منوط بترقية حقوق المرأة التي تشكل "عامل التغيير نحو التقدم والتسامح والإنفتاح والتبادل والتضامن". كما أشار الوزير في هذا السياق، إلى أنه بعد تعديل القانون المتضمن الأحوال الشخصية الذي يسمح الآن بانتقال الجنسية من الأم الجزائرية إلى أبنائها اعتمدت الجزائر في قانونها الجنائي المعدل أحكاما تنص على عقوبات صارمة ضد التحرش الجنسي، وذلك من خلال وضع خطة وطنية لمكافحة العنف ضد النساء مع تنصيب مجلس مكلف بشؤون المرأة، مذكرا في ذات الإطار بأن الجزائر أقدمت على توسيع مجال التمثيل السياسي للمرأة عبر تعديل دستوري الأخير، وعلى صعيد آخر أكد السيد مدلسي أن مذكرة الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام ما فتئت "تتدعم" بالجزائر التي بعد رفعها تنفيذ هذا الحكم على العديد من الجرائم في إطار الإصلاح التشريعي الساري أقدمت للسنة الثانية على التوالي على التصويت، بل والإشتراك في إعداد المشروع الخاص بمذكرة إلغاء عقوبة الإعدام الذي صادقت عليه الجمعية العامة مؤخرا في دورتها الحالية. وأشار السيد مدلسي، من جهة أخرى، إلى أن المادة الأولى من المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية وتلك المتعلقة بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية تنص على "حق الشعوب في تقرير مصيرها". وتأسف وزير الخارجية في هذا الصدد لكون بعض الشعوب ماتزال محرومة لحد الساعة من هذا الحق، مضيفا في ذات الإطار أن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سيبقى محل التشكيك في جوهره طالما لم تتح لبعض شعوب العالم على غرار الشعب الصحراوي الشقيق، الموجود في قلب المغرب العربي الكبير، إمكانية التعبير عن تطلعاته المشروعة لتقرير مصيره بحرية". وبخصوص الشعب الفلسطيني ذكر السيد مدلسي، بأنه كان منذ سنة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "ضحية إحدى كبرى انتهاكات حقوق الإنسان وأطولها وأكثرها بشاعة". وأضاف السيد مدلسي في هذا الإطار أن هذه الإنتهاكات تزداد حدة في ظل الحصار المفروض على غزة، وتؤكد ضرورة تعجيل الأمم الممتحدة باتخاذ قرار يضمن للشعب الفلسطيني الإستفادة من حماية دولية. وبخصوص إشكالية حقوق الإنسان، أوضح رئيس الدبلوماسية الجزائرية أنها "وضعت في لب الرهانات الإستراتيجية إذ تتعدى إطار الدوافع الأخلاقية". وأشار إلى أن الأمر يتعلق باحتكار بعض القوى لمثال مشترك للإنسانية، حيث تسعى تلك القوى إلى فرض تصورها الخاص للمجتمع بطريقة أحادية الجانب على باقي العالم لتجعل منه نموذجا عالميا. وفي هذا الإطار دعا وزير الشؤون الخارجية، كافة المدافعين عن حقوق الإنسان والدول والمجتمعات المدنية وجميع الإرادات الحسنة إلى "تجديد تمسكهم باحترام تعددية المجتمعات" وإلى "الشفافية في العمل وفتح نقاش متعارض على ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرفا ومعنا". ولدى تناوله مسألة العنصرية التي تشكل "آفة ما فتئت تزداد حدة وتتخذ أشكالا جديدة" أكد السيد مدلسي الأهمية التي توليها بلدان الجنوب لندوة دوربان. وأوضح السيد مدلسي، أن هذه الندوة ستكون في "منأى عن التهديدات بالمقاطعة" بل ستتيح "المجال لحوار بناء وهادئ"-كما قال- داعيا إلى عدم التواني في إعداد معايير مكملة للمعاهدة الدولية من أجل القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري.