تحتضن العاصمة الفرنسية اليوم، ندوة دولية حول ليبيا ضمن تحرك دبلوماسي الغاية منه تأكيد باريس لدورها في أية ترتيبات عملية لإنهاء الحرب الأهلية في هذا البلد بكيفية تحفظ لها مصالحها في أحد أكبر البلدان النّفطية على حدودها الجنوبية. فرنسا التي لعبت دورا محوريا خلال عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، في الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي، قبل خمس سنوات وجدت نفسها على هامش تحركات دولية بقيادة أمريكية إيطالية أخلطت عليها حساباتها وجعلتها في موقع المتفرج بعد أن كانت الرقم الفاعل فيه. وهو ما يفسر عدم رضى باريس على الاجتماع الوزاري الذي رعاه وزيرا خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري، ونظيره الإيطالي باولو جينتولني، الأسبوع الماضي، بمقر الأممالمتحدة خصص لبحث تطورات الأوضاع في ليبيا وخاصة منذ العملية العسكرية التي شنّتها قوات خليفة حفتر، على موانئ النّفط الليبية. وتكون هذه هي خلفية مسارعة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى تنظيم ندوة اليوم في محاولة للتأكيد أن بلاده تبقى رغم كل شيء رقما محوريا في المعادلة الليبية، لا يجب تجاهله في أية ترتيبات عملية لإنهاء الأزمة الليبية. فقد أدركت السلطات الفرنسية مع استمرار الحرب الأهلية في هذا البلد، وانقسام سلطاته بين حكومتين وجيشين وبرلمانيين بالإضافة إلى الخطر الذي أصبح يشكله تنظيم "داعش" الإرهابي على الأمن الداخلي الفرنسي، أنها معنية مباشرة بما يجري في ليبيا. واستشعر الرئيس الفرنسي التقارب القائم بين واشنطن وروما مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج، وهو ما جعله يدعو إلى ندوة اليوم في وقت يتم فيه تسريب معلومات حول وجود إشارات ود فرنسية باتجاه السلطات الموازية لحكومة الوفاق الوطني ومعها الجنرال خليفة حفتر، وخاصة منذ تمكنه من بسط سيطرته على الموانئ النّفطية الليبية. وسيلة ضغط معروفة مارستها الرئاسة الفرنسية في وجه رئيس حكومة الوفاق لفايز السراج، وأظهرتها له علنا خلال زيارته الأسبوع الماضي إلى باريس، حيث لاقى موقفا متشنّجا وخاصة عندما طالب برفع حظر السلاح عن جيشه. وذكرت مصادر ليبية أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، استفسر السراج عن أي جيش يتحدث في إشارة واضحة بوجود جيشين ورسالة قوية بأن مواقفه لم تعد ترضي باريس. ويبدو أن السلطات الفرنسية لم تهضم الموقف الذي أبداه السراج، مباشرة بعد انفضاح مقتل ثلاثة من عناصر القوات الخاصة الفرنسية في مدينة بنغازي كانوا يقاتلون إلى جانب قوات خليفة حفتر، وهو ما جعله يطالب باريس بتقديم توضيحات عن ذلك. وإذا كان هذا هو الظاهر من وراء التحرك الفرنسي فإن ما هو خاف يبقى شعور باريس بخطر الدور المتنامي الذي أصبحت تقوم به الولاياتالمتحدة في هذا البلد من خلال مساندتها المطلقة لحكومة الوزير الأول فايز السراج، وأيضا من الدور الإيطالي الذي يريد أن يكون هو الآخر محوريا في بلد تربطه به علاقات تاريخية وأيضا بسبب قربه الجغرافي والذي كان سببا أيضا في تدفق آلاف اللاجئين السريين إلى جزيرة لامبيدوزا ومنها إلى إيطاليا. ويمكن القول إن باريس حتى وإن تمكنت من عقد هذه النّدوة فإن نجاحها يبقى في كل الحالات مرهونا بحسابات دولية وإقليمية لا يمكن لأي قوة تجاهلها، وهو ما قد يجعلها ندوة مثل سابقاتها لا تخرج عن دائرة التحركات الدبلوماسية التي قد تنجح وقد تنتهي إلى فشل ذريع أيضا.