رسّمت حركتا النّهضة والبناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية تحالفها الاستراتيجي الوحدوي بتوقيع قادتها أمس، على الوثيقة التي تؤسس للتكتل الذي أطلق عليه تسمية الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، والذي سيجمع التشكيلات المعنية في مرحلة أولى في تكتل انتخابي تدخل من خلاله الانتخابات التشريعية بقوائم مشتركة، في انتظار إنشاء الهيكل الوحدوي الجديد الذي ستنصهر فيه لتشكل حزبا واحدا بعد الانتخابات، وهي الخطوة التي باركها الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم أبوجرة سلطاني، مقترحا بالمناسبة تنظيم اجتماع استراتيجي قبل الانتخابات المقبلة يجمع الأحزاب الإسلامية الستة، لتحديد كيفية الدخول في هذه الاستحقاقات ورسم خارطة طريق لمسعى وحدوي أوسع يتم العمل على تجسيده في المرحلة القادمة. قادة الأحزاب السياسية الثلاثة حرصوا في مداخلتهم خلال حفل توقيع وثيقة الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء» بقصر المعارض الصنوبر البحري بالعاصمة، على التأكيد بأن تحالفها الاستراتيجي الاندماجي لا يستهدف ضرب أي من الأحزاب السياسية الأخرى مهما كان انتماءها، وأبرز كل منهم ضرورة تبنّي مبدأي التنازل والتضحية لإنجاح هذا المسعى وتجسيده على أرض الواقع، وتجنيبه العثرات والانقسامات المحتملة، مذكرين بالمناسبة بأن هذا التحالف يبقى مفتوحا لكل التشكيلات السياسية الأخرى التي تقاسمها نفس المبادئ والأهداف، وتتوافق رؤاها مع الأهداف المحددة في وثيقة الاتحاد. في سياق متصل اغتنم الأمين العام لحركة البناء الوطني أحمد الدان، الفرصة ليجدد بشكل صريح الدعوة إلى الأحزاب الأخرى للالتحاق بهذا التحالف الاستراتيجي، الذي اجتمعت فيه مداخلات كافة ممثلي التشكيلات المعنية على أنه جاء من أجل خدمة الجزائر وتعزيز استقرارها وحمايتها من التحرشات الأجنبية وانعكاسات التطرف والفساد وتعميق قيم الفاتح نوفمبر في نفوس الأجيال الجديدة. كما لم يتوان رئيس نفس الحركة مصطفى بلهمدي، في كلمته خلال الحفل الذي حضر افتتاحه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أبو عبد الله غلام الله، في التأكيد على أن هذا التحالف الاستراتيجي الذي يجمع أبناء مدرسة الإسلام المعتدل والوسطي، سيساهم في دعم الجهود الوطنية المعلنة للتصدي للانحراف الديني وأصحاب خطب العنف والتطرف، فضلا عن عمله على تقوية الجبهة الداخلية وتكريس البناء السياسي الديمقرطي التشاركي. من جانبه أبرز الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي، الظروف الصعبة التي تمر بها الجزائر، وتستدعي حسبه تلاحم أبنائها حول مشاريع وحدوية تعيد تشكيل الساحة السياسية بشكل يجعلها قادرة على الخروج بطريقة هادئة إلى آفاق التنمية الدائمة وتحقيق الاستقرار على مختلف الجبهات مع الحفاظ على ثوابت الأمة وانتمائها الحضاري، مشيرا إلى أن من الأهداف السامية التي يحملها الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، تجسيد أمانة الشهداء وحلم المجاهدين، واستكمال تكريس رسالة نوفمبر من خلال الحفاظ على مبادئ الجمهورية الجزائرية الديمقراطية والاجتماعية بمبادئها الإسلامية. وإذ أكد حاجة الجزائر إلى طبقة سياسية واعية بالتحديات وإلى مشاريع كبرى وهادفة في كل المجالات، أوضح ذويبي، بأن تحالف الاحزاب الإسلامية الثلاثة لا يعتبر نفسه بديلا للأحزاب الأخرى، وغنما جاء ليكرس مبدأ التعامل والتعاون والتكامل مع كافة التشكيلات والهيئات والشخصيات الوطنية التي تعمل معه، معربا في نفس الإطار عن استعداد هذا التحالف الذي يأتي لتقوية مدرسة الوسطية والاعتدال في الجزائر، على «العمل مع كل الخيرين للتصدي لأشكال الانحراف والغلو والتطرف في الفهم والممارسات الدينية..» رئيس جبهة العدالة والتنمية الشيخ عبد الله جاب الله، الذي حرص في بداية مداخلته على التوضيح بأن الغاية من التأسيس للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء ليست انتخابية «وإنما أكبر من ذلك، غايته تحقيق الوحدة التي تعتبر فريضة شرعية»، أوضح بأن من دوافع السعي نحو هذه الوحدة كثرة التجارب والانتكاسات التي أقنعت تشكيلات الأحزاب الثلاثة بأنها أمام مسؤولية كبيرة، «تفرض عليها حماية التيار الإسلامي ومشروعه من كل ما يكاد له من الخصوم والأعداء»، معتبرا التأسيس لهذا الاتحاد أمس، خطوة أولى ضمن مسار طويل ينتهي بجمع شمل أبناء التيار الإسلامي في البلاد. كما حدد جاب الله الأهداف المرجو تحقيقها من إنشاء التحالف الاستراتيجي الوحدوي بين الأحزاب الإسلامية، على غرار المساعدة في البناء الديمقراطي الجاد واحترام حقوق المواطنة، فضلا عن تكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة وتأطيير انشغالات المواطنين والنهوض بمتطلبات القومية، مؤكدا في الأخير بأن تشكيلات الأحزاب المنضوية تحت لواء الاتحاد من أجل النّهضة والعدالة والبناء أمامها عدة واجبات، تنبني على أساس التنازل والتضحية. بدوره دعا الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم أبوجرة سلطاني، في مداخلته بصفته من المدعوين للقاء، مناضلي وقادة التشكيلات الثلاث التي حققت اتحادها، إلى تجاوز ثلاثة حواجز للتجسيد النهائي لمسعاها الوحدوي، تتمثل حسبه في الحاجز النفسي ثم حاجز الانتخابات وأخيرا الحاجز الانتقالي الذي سيتوج خلاله الاتحاد بالانصهار في فصيل سياسي واحد، مقترحا بالمناسبة على الشيخ عبد الله جاب الله، الذي وصفه بشيخ التنظيم في الجزائر، إلى دعوة كافة أحزاب التيار الإسلامي الستة إلى اجتماع استراتيجي ينتظم قبل الانتخابات القادمة وبعد استدعاء الهيئة الانتخابية من قبل رئيس الجمهورية، ويتم خلاله تحديد إستراتيجية هذه الأحزاب للدخول في المعترك الانتخابي، وضبط خارطة طريق لما بعد الانتخابات والتحضير لمسعى وحدوي أوسع. تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، سيدخل الانتخابات القادمة بقوائم مشتركة تم الشروع في التحضير لها على مستوى الولايات، على أن يتفرغ بعد الاستحقاقات القادمة وبإشراف من الهيئة المديرة التي قام بتنصيبها، بالتحضير لتنصيب الهياكل التنظيمية ثم عقد ورشات عمل تتوج بإعداد النصوص المؤطرة للهيكل الجديد، وهي العملية التي قد تستغرق حسب أحمد الدان قرابة السنة كاملة، يتم خلالها أيضا ضبط الصيغة التي سيتم من خلالها ضبط كيفية تسيير التشكيلة الجديدة وقيادتها.