فصل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، مجددا في مسألة اللجوء إلى الاستدانة الخارجية من عدمها، مشددا على حكومة تبون مواصلة نفس النهج الذي أقره منذ سنوات، رغم الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014. رئيس الجمهورية أعطى تعليمات واضحة للحكومة بمواصلة تنفيذ سياسة ترشيد الميزانية والحفاظ على السيادة الاقتصادية للبلاد بتفادي اللجوء إلى الاستدانة الخارجية والتحكم أكثر في الواردات بهدف الحفاظ على احتياطات الصرف. بيان مجلس الوزراء الأول من نوعه منذ الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة للسيد عبد المجيد تبون، أظهر إصرار رئيس الجمهورية على إبقاء الجزائر في منأى عن العودة إلى دائرة الديون الخارجية، وهو الذي كان وراء أهم إنجاز حققته بلادنا في المجال الماكرو اقتصادي، حين قرر منذ سنوات تسديد كل الديون مستغلا فرصة البحبوحة المالية التي ميّزت العشرية الماضية. ومن خلال هذا الإصرار- بالرغم من أن صندوق النقد الدولي لا يتوقف عن القول في كل تقاريره بأن الجزائر لا مفر لها من اللجوء إلى الاستدانة الخارجية لتنويع مصادر تمويلها- فإن الرئيس بوتفليقة، يفضّل الحفاظ على التوازنات المالية الايجابية التي استطاع الاقتصاد الوطني الحفاظ عليها رغم العجز المسجل في الميزانية، وذلك باعتراف الهيئات المالية الدولية بفضل عاملين هما انعدام المديونية الخارجية التي توجد حاليا في حدود 3.5 ملايير دولار فقط، واحتياطي الصرف الذي وصل إلى حدود 100 مليار دولار. لكن أمام وضع اقتصادي صعب كيف يمكن المواجهة بعيدا عن الاستدانة الخارجية؟ سؤال رد عليه الرئيس في تدخله بعد المصادقة على برنامج عمل الحكومة في مجلس الوزراء الذي ترأسه، حين قال إن «التحديات الكبرى التي تفرضها أزمة النّفط تقتضي عدة أعمال منها المتعلقة بالمالية». ويتعلق الأمر ب«ترشيد الميزانية»، «تفادي اللجوء إلى الاستدانة الخارجية» و«التحكم أكثر في الواردات للحفاظ على احتياطات اصرف»، إضافة إلى «ترقية التمويلات الداخلية غير التقليدية». هذه الأخيرة تتعلق خصوصا باستكمال عملية إصدار قروض سندية، والتي تم الشروع فيها العام الماضي بإصدار قرض سندي للنمو الاقتصادي لأول مرة، والذي سمح للخزينة العمومية بتحصيل قرابة 570 مليار دج من البنوك العمومية أساسا مما سمح بتغطية جزء من العجز المالي لسنة 2016. ولأن القرض الأول لم يكن كافيا لاستقطاب الأموال الموجودة خارج الإطار الرسمي والتي تقدر بملايير الدولارات، فإن وزارة المالية كانت قد أعلنت عن إطلاق قرض سندي جديد كان يفترض إطلاقه شهر أفريل المنصرم من أهم مميزاته أنه «بدون فوائد»، والغرض كما هو ظاهر محاولة جلب الأموال الموجودة خارج البنوك والهيئات الرسمية التي شاركت في القرض السندي الأول، وذلك بتوفير منتج يستجيب لتطلعات فئة هامة من أصحاب الأموال الرافضين للتعاملات الربوية. كما يمكن الحديث عن تشجيع القطاع الخاص لتمويل المشاريع الكبرى لاسيما عبر الشراكة مع القطاع العام، في السياق ذاته، فإن تفعيل عمل بورصة الجزائر يبدو الطريق الأمثل لتجنيد موارد مالية داخلية، لكن برنامج دخول عدد من الشركات العمومية والخاصة للبورصة عرف تأخرا كبيرا لا تعرف أسبابه الحقيقية، بالرغم من تأكيد مدير البورصة في كل مناسبة على أن العملية سارت على أحسن ما يرام، وأن كل شيء جاهز لاستقبال حوالي 8 مؤسسات جديدة فضّلت فتح رأسمالها عبر هذه الهيئة. على الصعيد الخارجي، فإن تعليمات الرئيس تبدو واضحة في هذا المجال، إلا أن الجزائر قررت في الآونة الأخيرة اللجوء إلى طلب قروض من بلدان صديقة أو من هيئات مالية جهوية موجهة لتمويل مشاريع محددة، وهو ما تم عبر مشروع إنجاز الميناء الجديد بتيبازة الذي تموله الصين وتشرف على إنجازه، إضافة إلى طلب قرض بمبلغ 900 مليون أورو من البنك الإفريقي للتنمية التي تعد الجزائر أحد المساهمين فيه، من أجل تمويل برنامج دعم التنافسية الصناعية والطاقوية. يذكر أن الدين الخارجي للبلاد «ضعيف جدا» حاليا، إذ بلغ 3.85 مليار دولار نهاية 2016، وهو ما يعزّز القدرة على التسديد لأن هذا المبلغ لا يمثل سوى 2.45 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وقد امتنعت الجزائر عن اللجوء طيلة السنوات السابقة إلى استخدام قروض من بنوك جهوية عديدة هي مساهمة فيها، بالرغم من الامتيازات الكبيرة التي ترافق هذه القروض الموجهة أساسا إلى البرامج التنموية، وهو ما لم تستفد منه بلادنا. ويبقى تحدي التحكم في حجم الواردات مطروحا بشدة على طاولة حكومة تبون، لاسيما وأن الإجراءات التي تم اتخاذها لحد الآن ولاسيما رخص الاستيراد لم تتمكن بعد من كسب الرهان، حتى وإن كان حجم وارداتنا قد تراجع في 2016 من 60 مليار دولار إلى 46 مليار دولار، وهو رقم يبقى كبيرا بالنظر إلى التراجع في حجم الصادرات الذي يتوقع أن يتواصل مع تواصل تراجع أسعار النفط. للتذكير، انتقل عدد رخص الاستيراد من 4 في 2016 خصت السيارات والإسمنت و حديد الخرسانة، إلى 21 في 2017، حيث أصبحت تشمل كذلك الأخشاب والخزف ولحوم البقر الطازجة والمجمدة والأجبان والليمون الطازج والتفاح والموز والشعير والثوم والذرى وفول الصويا والفيتامينات المعدنية المركزة والأمونيا متعدد الفوسفات وكذا الطماطم مضاعفة التركيز. وبالموازاة مع الحفاظ على المكاسب المالية للبلاد فإن مجلس الوزراء المنعقد يوم الأربعاء، أبرز أهمية تشجيع الاستثمار، وهو ما يؤكد عليه برنامج الحكومة الذي عرضه الوزير الأول، حيث سيعمل على استكمال عصرنة المالية العمومية والمنظومة المصرفية وتطهير الفضاء الاقتصادي وترقية الاستثمار وتثمين سائر ثروات البلاد. استغلال كل أنواع الطاقة مع مواصلة تنفيذ نموذج النمو الجديد وأكد رئيس الجمهورية في هذا الجانب على ضرورة تفعيل الإصلاحات وكلّف الحكومة «بمواصلة تجسيد نموذج النمو الاقتصادي الجديد المصادق عليه خلال السنة الماضية من طرف مجلس الوزراء، بما في ذلك الجانب المتعلق بالإصلاحات لتحسين مناخ الاستثمار وعصرنة النظام الجبائي والبنوك العمومية والسوق المالية». للاشارة فإن هذا النموذج يقوم على أساس التنويع الاقتصادي والخروج من التبعية للمحروقات.حيث تم تحديد مجموعة من القطاعات ذات الأولوية التي يمكنها أن تكون بديلا للنفط من حيث مساهمتها في جلب إيرادات من العملة الصعبة بالنظر إلى قدراتها التصديرية، ولاسيما الفلاحة والصناعة والسياحة وتكنولوجيات الاعلام والاتصال والخدمات. إلا أن قطاع الطاقة يبقى قطاعا استراتيجيا لأنه حاليا ولحين استكمال الانتقال نحو النموذج الاقتصادي الجديد يبقى الممول الوحيد للميزانية، من هنا فإن الرئيس بوتفليقة، دعا الحكومة إلى تثمين أكبر لكافة موارد البلاد وثرواتها لاسيما المحروقات والطاقات المتجددة. وأوضح أنه ينبغي تثمين أكبر للموارد والثروات التي تزخر بها البلاد «لاسيما المحروقات الأحفورية التقليدية وغير التقليدية وكذا الطاقات المتجددة». ويشير هذا التصريح إلى عدم استثناء أي نوع من الطاقات المتوفرة حتى «غير التقليدية» التي كانت محل تجاذبات واسعة بين مختلف الأطراف. مع ذلك فإن الحكومة تفضّل حاليا اللجوء أكثر إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة التي ستعرف إطلاق مناقصة وطنية ودولية هامة لإنتاج أكثر من 4000 ميغاواط من الكهرباء عبر هذا النوع من الطاقات، وهو ما سيشجع بروز صناعة في هذا المجال خاصة في اللوحات الشمسية وكافة اللواحق التي ستوجه لتنفيذ برنامج إنتاج 22 ألف ميغاواط من الكهرباء في آفاق 2030.