ناقش مختصون في الشريعة الإسلامية جاؤوا من مختلف جامعات الجزائر ودول عربية شقيقة منها المغرب واليمن وليبيا أول أمس، موضوع «فقه الموازنات في نوازل العصر بين معضلات الفهم ومزالق التنزيل»، وذلك خلال أشغال ملتقى دولي احتضنته كلية العلوم الإسلامية لجامعة باتنة1. حرص المشاركون في تدخلاتهم على ضرورة التصدي لهذا الوضع المخالف لما كان عليه الأمر عند فقهاء المالكية الذين تميزت صناعتهم الفقهية في خصوص فقه النوازل بالضبط والإحكام الذي يناسب طبيعة النازلة، ويناسب ما يتطلبه البناء على مقاصد التشريع من احتياط لربط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الإسلامية بروح الشريعة ومقاصدها. يأتي هذا الملتقى في إطار البحث في الإشكالية القائمة، المتعلقة أساسا بالحاجة إلى رأي الفقه، وهي حاجة متجددة تجدد حياة المسلمين الذين عظّموا هذا الدين باعتناقه والخضوع لأحكامه، لذلك فهم في كل زمان يبحثون عن حكمه في كل ما يعرض لهم من أحوال اجتماعية أو تقلبات اقتصادية أو مشكلات سياسية، وبالتالي فمن الطبيعي أيضا أن لا يقدم أحد من المسلمين على التعامل مع أي جديد واقع إلا وهو مستأنس بقول فقيه أو رخصة مفتٍ، خاصة مع كثرة الوقائع وتعددها وتعاظم الحاجة إلى الفتوى. في هذا السياق، أثار المحاضر محمد رفيع من المغرب من جامعة ابن عبد الله بفاس الإشكال بكل أبعاده المختلفة، وفي حديث عن الأسئلة الجوهرية، وفي صلب الموضوع المرتبط بالاقتصاد وأبعاده السياسية الاقتصادية، اعتبارا من كون الموضوع مرتبط بفقه الموازنة الذي اعتبره منهجا علميا سليما، حذر في ذات السياق من الغفلة عن ضوابط اعتبار المقاصد الشرعية ومراتبها في النوازل الجديدة التي جعلت في بعض الأحيان نصوص الفتوى تحمل مصادمة ظاهرة لقاطع من قواطع الشرع، ما يوهم المفتي أنه مقصد شرعي قدر مراعاته في محل النازلة. وشمل برنامج الملتقى أربعة محاور من المحاضرات العلنية التي تقدم وجهات نظر مختلفة ومتقاطعة حول الموضوع، منها مدخل عام لفقه الموازنات وعلاقته بأصول الشريعة، والنوازل الفقهية المعاصرة والاحتكام لفقه الموازنات، وواقع فقه الموازنات في الفتاوى المعاصرة، ومقترحات لتفعيل وضبط فقه الموازنات في الفتاوى المعاصرة. وبخصوص أهداف الملتقى، أدرج المنظمون أهمية البحث في سبل الوقوف على أهم الأبعاد التي تشكّل ربط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الإسلامية بروح الشريعة ومقاصدها، مع التقليل من الفتاوى المتناقضة والشاذة وتبيان ما كان عليه فقهاؤنا من الحرص على جلب المصالح ودرء المفاسد، ونقد بعض الفتاوى المخالفة لهذا المنهج، وبيان أخطارها، وكذا تقريب المسافة بين الأصول النظرية للفقه الإسلامي وواقعه اليوم. وحسب عميد كلية العلوم الإسلامية الدكتور عبد القادر بن حرز الله، فإن الملتقى أدرك غاياته وشكّل فرصة لتبادل المعارف والخبرات والتجارب بين طلبة الكلية والمشاركين من المختصين والأكاديميين، مما سيسهم في صقل وتطوير خبراتهم في معالجة أبعاد موضوع الملتقى. مضيفا أن تحديد الضوابط من الأوليات التي تفرض نفسها للحيلولة دون إصدار فتاوى متناقضة والنفي والإثبات لأن الأمر في تقديراته يفرض الرجوع لأصول نظرية لفقه الموازنات معتمدة في فتاوى كبار العلماء المعاصرين فيما يقع من نوازل سياسة واقتصادية واجتماعية والارتباط بقواعد الموازنات المرنة وكيفيات ضبط الفتاوى المعاصرة وحماية مرجعيتنا الدينية والمحافظة على خصوصيتها الفقهية والعقدية. للإشارة، فإن منظمي الملتقى تلقوا 50 عرضا للمشاركة الدولية، تم انتقاء 5 مداخلات منها اثنتين لمتدخلين من المغرب ومداخلتين من ليبيا ومداخلة واحدة من اليمن، فضلا عن عشرات المداخلات لدكاترة جزائريين من مختلف الجامعات الجزائرية إسهاما منهم لإنجاح فعاليات هذا الملتقى.