تشهد تجارة بيع التوابل والأعشاب العطرية مع اقتراب حلول شهر رمضان الفضيل، رواجا كبيرا عبر مختلف المحلات المنتشرة بمنطقة مغنية، التي تجتاحها أفواج الزبائن، سيما من العنصر النسوي، قادمين من مختلف ولايات الوطن (تموشنت، البليدة، الجزائر العاصمة، الشلف، سيدي بلعباس، غليزان...)، حيث تشكل محلاّت بيع التوابل بسوق مدينة مغنية بساحة أول نوفمبر بجانب بعضها البعض، مجموعة من الكثبان الرملية متعددة الألوان غنية بالعطور، ومزيَّنة بمختلف النباتات العطرية. يستعد التجار في حدود الساعة العاشرة صباحا لاستقبال زبائنهم القادمين من داخل وخارج ولاية تلمسان. تكاد تكون المحلات ممتلئة إلى غاية الساعة السابعة مساء، وهذا قبل حوالي ساعة من إغلاق السوق، باعتبارها سوقا مرجعية، حسب تجار التوابل، تستقبل الوافدين عليها من الجزائر العاصمة ووهران وعين تموشنت أو حتى سطيف وقسنطينة... كل عام، وحتى من خارج الوطن المغتربين من فرنسا وإسبانيا مع اقتراب الشهر الكريم. وحسب ما أكد أحد تجار بيع التوابل بسوق مدينة مغنية ل "المساء"، فإنّ المدينة اكتسبت سمعة طيبة بين الجزائريين لجودة منتجاتها، غير أنه يُخشى في نفس الوقت اختفاء هذا النوع من المحلات، فعلى حدّ تعبيره، القليل من الشباب الآن من يهتم بهذا النوع من النشاط، خاصة مع إغلاق منافذ الحدود واشتداد الرقابة والإجراءات الأمنية الصارمة لمنع مرور أو دخول السلع المهرَّبة، الأمر الذي أدى حسبه إلى شلل السوق، إلاّ أن هناك تجارا يعتمدون على التوابل القادمة من جنوب شرق آسيا، كالهند، الصين، باكستان، إيران وتركيا، لكن تبقى حسبه الجودة في التوابل التي تباع بمغنية، مستشهدا بما حدث لأحد زبائنه من ولاية وهران، الذي عاني من مشاكل صحية خطيرة بسبب استهلاكه فلفلا حلوا مغشوشا، حيث أظهرت التحاليل أن هذا الفلفل احتوى على نسبة عالية من غبار الطوب الأحمر، مرجعا الإقبال الكبير للعائلات على مدينة مغنية لاقتناء التوابل بالدرجة الأولى، إلى الجودة والثقة. تجارة متوارَثة وخبرة مكتسَبة علاوة على ذلك يقول السيد كريم الذي وجدناه يقتني التوابل من أحد المحلات بسوق مغنية، "صحيح أن المادة الخام جاءت من المغرب لفترة طويلة، لكن في السنوات الأخيرة بدأ تجار مغنية يضعون لمسة في صنع التوابل المختلفة. لقد تعلموا من تجربتهم مع المغاربة، واعتمدوا هذا النشاط الذي ظهروا وتفننوا فيه أكثر فأكثر"، مؤكّدا أن الجزائر لديها كل الشروط الضرورية لجعل هذا التخصص عملا تجاريا واقتصاديا، مضيفا أن "ما هو مفقود هو تدريب مزارعينا التقليديين وإرادة السلطات". وحسب السيدة "أمينة" خبيرة في الجودة والزراعة والبيئة بمديرية الفلاحة بولاية تلمسان، فإن النباتات العطرية ستُزرع بشكل رئيس في المناطق الجافة أو الجنوبية، لأن تركيز الزيوت العطرية، على سبيل المثال، أقوى، وبالتالي فإن المنتجات ستكون ذات جودة وأصلية، مضيفة: "حتى إذا كانت هناك توابل لا يمكن أن ننتجها فهي ليست كثيرة مقارنة بتلك التي يمكننا إنتاجها، كالزعفران"، الذي تقول عنه الخبيرة إنه ينتَج في الجزائر في منطقة خنشلة؛ "إن الطلب على هذه التوابل مهم، حيث تسعى الدولة في هذا الصدد، لتدعيم هذا النوع من الإنتاج عبر مختلف المناطق الريفية عن طريق جميع آليات الدعم. وقد بدأت النتائج تظهر على مستوى ولاية تلمسان بعد الاهتمام بزراعة النباتات العطرية والطبية، وفي مقدّمتها الزعفران الذي يباع بأثمان باهظة". ونحن نجول في سوق مغنية قررنا الاقتراب من بعض تجار التوابل، لنستفسر عن سرّ هذه الحرفة، فصرّح لنا عبد القادر بأنه اختار بيع التوابل منذ التسعينات، حيث انتقلت إليه عن طريق الأب في المنزل، مضيفا ل "المساء" أن معظم الباعة تعلموا الحرفة من أوليائهم، وقد ظهر هذا النشاط حسبه في السبعينات لكنه بدأ يظهر بشكل كبير وخاص في التسعينات بسبب الظروف الأمنية في البلاد في ذلك الوقت. وكانت مغنية وجهة العديد من العائلات التي غادرت ممتلكاتهم واستقروا فيها، وقد اختار العديد منهم بيع التوابل كمهنة بديلة في متجر داخل السوق الداخلية. وأضاف الحاج عبد القادر (65 سنة) أنه يستقبل العشرات من الزبائن كل يوم وحتى التجار الذين يأتون بحثا عن التوابل. وأصبحت مغنية وجهة للمستهلكين وتجار التوابل. كما أنه يلتقي عملاء من مناطق مختلفة من البلاد، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، مضيفا أن للتوابل التقليدية خلطات حديثة خاصة لأطباق معيّنة، مثل التوابل الخاصة بطبق البطاطا المقلية أو الدجاج أو السمك أو حتى السلطة، وهذا يرجع إلى تطور هذه المنطقة. رمضاني.. عميد الباعة بومدين رمضاني (78 عاما)، هو أقدم بائع توابل في المدينة. يقع متجره خارج السوق المغطى. هو رمز الأقدمية والولاء لهذه المهنة، يقول: "بدأت هذا النشاط في سن الرابعة عشرة، كنت آنذاك طالبا في المسجد في الصباح، وبائع التوابل في فترة ما بعد الظهر، ولم أتغير أبدا منذ ذلك الحين". ويوضّح أن لتجنّب التقليد "نُعدّ توابلنا من البذور، ونقوم بطحنها بأنفسنا. صحيح أن هذه الطريقة تعني المزيد من الوقت والمزيد من المال والمزيد من العمل، لكن هذا يسمح لنا بالحصول على منتجات عالية الجودة". وحسبه، فإنّ خصوصية المنتجات التي تباع في مغنية مقارنة بغيرها من المناطق، تأتي من حقيقة أن الباعة الحرفيين لا يحاولون الغش. ويضيف: "نحن خبيرون في هذا المجال، وتسمح لنا خبرتنا بأن يكون لنا عملاء مخلصون من أجل الحصول على الكمية، فيما يمزج بعض المحتالين مكونات ومنتجات التوابل التي لا يمكن وضعها في التركيب الحقيقي". ويؤكد الحاج عبد القادر أن العديد من المتداولين يشترون كميات كبيرة من هذه التوابل، لكنهم يمزجونها بمكونات أخرى قبل إعادة بيعها. تحضير التوابل عادات تستهوي البيوت التلمسانية ونحن نجول في سوق مغنية قررنا الاقتراب من بعض الزبائن الذين كانوا يزورون المحلات هنا وهناك، حيث قالت السيدة جميلة (50 سنة)، إن المتاجرة في التوابل وظيفتها؛ "جئت من عين تموشنت لشراء التوابل التي أعيد بيعها في المنزل لزبائن معيَّنين، والحمد لله هذا العمل يسمح لي بالعيش بكرامة"، واختارت جميلة مغنية، حسب قولها، لوجود أذواق وخلطات لا يمكن العثور عليها في أماكن أخرى، مثل خلطات السمك، الدجاج ومختلف الطواجن.. أيضا. الأسعار هنا أقل من أي مكان آخر". وواصلت حديثها قائلة: "عندما أشتري من هنا أنا متأكدة من أنه منتج حقيقي لا يتم الاتجار به أو مزجه بمكونات أخرى". الحاجة فاطمة هي الأخرى أشارت إلى أنّها تقتني بعناية خلطات الحريرة ورأس الحانوت مطحونة، فيما أكدت بعض كبيرات السن أنهن لا يضعن في أطباقهن توابل مطحونة، وهو ما أكده أيضا أحد الباعة، الذي أوضح أن عجائز لالة مغنية يطلبون بهارات غير مطحونة، ويقمن بسحقها باستعمال "المهراس"، حيث يعتقدن، حسبه، أن المنتوجات التي يبيعها التجار غير معرّضة لأشعة الشمس، وبالتالي لا طعم لها، فيقمن بالعملية بأنفسهن، لاسيما أنهن يستعملن التوابل لعلاج العديد من الأمراض، خاصة أوجاع المعدة وفيها صحة للبدن"، لتضيف الحاجة فاطمة: "حتى التوابل اليوم أصبحت مغشوشة؛ إذ في حالات كثيرة تضاف لها مواد تغيّر من ذوقها، لهذا تقول: "أتفادى شراء هذه التوابل وأشتريها غير مطحونة لأطحنها بنفسي في البيت لأحسّ برائحة ونكهة رمضان، وأضمن عدم خلطها بمواد أخرى تغيّر ذوقها". أما عن التوابل الأكثر طلبا واستعمالا في رمضان فتقول إحدى السيدات: "أستعمل كثيرا راس الحانوت والفلفل الأسود والقصبر، حشيش مقطفة والقرفة المطحونة وقرفة العود التي تُستعمل في "اللحم لحلو". ومع ارتفاع درجة الحرارة التي أصبحت تنافسها حرارة الأسعار لم يعد جديدا على المواطن التهاب الأسعار في رمضان خصوصا في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، إذ يقوم الكثيرون بشراء مختلف اللحوم والخضر الموسمية و«البرقوق" أو ما يُعرف بالعينة، لتحضير طبق اللحم لحلو، إضافة إلى المواد الغذائية اللازمة لإعداد أشهى المأكولات قبل أيام من رمضان؛ تحسبا للارتفاع المذهل الذي تسجله أسواق اللحوم بمختلف أنواعها والخضر والفواكه في أيام رمضان. في هذا الصدد تقول السيدة "أمينة" إنها تشتري الدجاج واللحم، وتقطعه قطعا صغيرة، حسب ما تستعمل في كل يوم من رمضان، تضعها في "الثلاجة" في انتظار استعمالها في الأيام الأولى من رمضان؛ حيث يشتد ارتفاع الأسعار. أما عن الخضر فتقول: "كنت أشتريها في المواسم الماضية؛ حيث كان رمضان يقترن بفصلي الشتاء والربيع". وبالمقابل هناك عائلات تفضّل الذبح لرمضان خصوصا عائلات المناطق الريفية، حيث تكثر تربية المواشي. وفي هذا الصدد تقول السيدة "ربيعة" إنها في كل عام تشترك هي وبيت أهلها، في شراء خروف أو كبش يُذبح قبل يومين من رمضان، تتقاسمه مع أفراد عائلتها، وتحضّر به مختلف الأطباق. ❊❊ ل. عبد الحليم ❊❊